توزيع الجوائز المستقلة.. وفوز الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين (5)

المخرج السعودي محمود الصباغ
المخرج السعودي محمود الصباغ
TT

توزيع الجوائز المستقلة.. وفوز الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»

المخرج السعودي محمود الصباغ
المخرج السعودي محمود الصباغ

الموجة الأولى من حفل توزيع الجوائز بدأت ظهر أمس السبت، والمفاجأة الطيبة الكبرى هي فوز الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة» بالجائزة الكبرى من اللجنة التي تختار الأفلام التي سترشح لجائزة «الاتحاد الأوروبي» في دورتها المقبلة في 10 ديسمبر (كانون الأول) هذا العام.
الفيلم، الذي عرض في قسم «فورام»، من إخراج محمود الصباغ، وهو كان عاد إلى جدّة، لكنه بعث برسالة يشكر فيها المهرجان ويقول: «في العام الماضي حضرت مهرجان برلين كزائر. في هذا العام عدت إليه مخرجًا لهذا الفيلم، وما أتمناه لنفسي هو أن أستمر في صنع أفلام إنسانية تهم العالم بأسره».
اللجنة ذاتها منحت الفيلم القصير «رجل يعود» للفلسطيني مهدي فليفل، جائزتها في هذا القسم، وجائزتها في قسم المسابقة الرئيسية للإيطالي جيانفرانكو روزي عن «نار في البحر» الذي لفت فيه الانتباه إلى حياة جزيرة صغيرة في الجنوب الصقلي من إيطاليا حيث تحط المراكب التي تنقل اللاجئين الآتين من سواحل أفريقيا وبعض آسيا.
الجوائز المستقلة عبارة عن جوائز المؤسسات السينمائية غير المنضمّة إلى هيكل المهرجان الرئيسي، ولذلك يُقام لها حفل خاص ومستقل مخصص لرجال الإعلام. وقد سألت رئيس المهرجان عن السبب وراء اختيار اسم «المستقلة» لهذه الجوائز، فأجاب:
«أولاً هي مؤسسات مستقلة بالفعل تعمل خارج إدارة المهرجان، وكان اسمها المعتمد سابقًا (الجوائز الهامشية)، لكني عندما أتيت لهذا المنصب استبعدت ذلك الوصف، لأنه لا يعكس القيمة الحقيقية للجائزة».
صمت قليلاً، وأضاف: «الآن يتساءل بعض أعضاء لجنة التحكيم الأخرى عما إذا كان ذلك اللقب يعني أن اللجنة الرسمية ليست مستقلة. طبعًا هذا ليس صحيحًا.. هي أيضًا مستقلة، لكنها لجنة رسمية لا تتبع أحدًا».
بلغ عدد اللجان التي وزعت جوائزها في قاعة مليئة برجال الإعلام والمصوّرين والنقاد، 8 لجان؛ وإحدى أهمها، إن لم تكن أهمها بالفعل، لجنة «الاتحاد الدولي لنقاد السينما» («فيبريسكي» للاختصار) لأنها تضم نقادًا متخصصين من كل أنحاء العالم.
وتألفت اللجنة التي شاركت في هذا المهرجان من تسعة أفراد، قادهم رئيسا الناقد محمد رُضا ممثلاً صحيفة «الشرق الأوسط»، وضمت أعضاء من ألمانيا وإيطاليا وهونغ كونغ وبيرو ورومانيا وكوبا وأستراليا، وهي منحت جوائزها في الأقسام الثلاثة: «ذا فورام» و«بانوراما» و«المسابقة الرسمية» لثلاثة أفلام، هي حسب هذا التتابع: «الثورة لا يمكن بثها تلفزيونيًا» للمخرجة الأفروأميركية راما ثيو (فورام)، و«ألويس» لتوبيا نويل (بانوراما)، و«موت في سراييفو» لدنيس تانوفيتش (المسابقة الرئيسية).
حيا المخرج البوسني الذي عاد إلى برلين لحضور هذا الحفل والحفل المسائي، مؤسسة «فيبريسكي» مازحًا بأن هذه هي المرّة الوحيدة التي يسعد المخرج فيها أن يقدر النقاد فيلمه. حين سألته، كجزء من مقابلة طويلة، عما سيكون شعوره لو فاز بالجائزة الرسمية في برلين هذا العام، قال: «لقد فزت مرّتين هنا من قبل، لذلك أعرف أنني بالطبع سأكون سعيدًا، لكني لن أستبق النتائج. سأرى ما ستأتي به لجنة التحكيم أولاً».
وبالنسبة للنتائج الرسمية التي ستعلن بدءًا من الساعة السابعة، إلا إذا تأخر الحفل قليلاً، فإن الموازين تبدو حتى هذه اللحظة متساوية؛ إذ يقف على صف واحد من الاحتمالات الفيلم الإيطالي «نار في البحر» لجيانفرانكو روزي (إيطاليا)، و«موت في سراييفو» لدنيس تانوفيتش (البوسنة)، و«ذا كوميون» لتوماس فينتربيرغ (الدنمارك/ السويد)، وربما «أن تكون في السابعة عشرة» لآندريه تاشينيه. والفرس الأسود، إذا ما كان هناك فرس أسود، قد يتمثل في الفيلم التونسي الذي استقبل جيدًا من النقاد والحضور، وهو: «بنحبك هادي» للتونسي محمد بن عطية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».