صالون القاهرة للفن التشكيلي ينطلق في دورته الجديدة

بمشاركة 70 فنانًا وفنانة من مختلف الأجيال الفنية

شعار صالون القاهرة
شعار صالون القاهرة
TT

صالون القاهرة للفن التشكيلي ينطلق في دورته الجديدة

شعار صالون القاهرة
شعار صالون القاهرة

بمشاركة 70 فنانًا وفنانة من أجيال ومشارب فنية مختلفة تنطلق مساء يوم الأحد المقبل (21 فبراير (شباط) الحالي بقاعات قصر الفنون بساحة الأوبرا فعاليات الدورة 57 لصالون القاهرة. يقام الصالون تحت رعاية وزير الثقافة الكاتب الصحافي حلمي النمنم، وتنظمه جمعية محبي الفنون الجميلة برئاسة الدكتور أحمد نوار، وبالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية برئاسة الدكتور خالد سرور.
يعد صالون القاهرة إحدى الفعاليات المهمة في حركة الفن التشكيلي في مصر، فعلى مدار تاريخه الطويل يتمتع بخصوصية فنية لافتة، حيث شكل نافذة خاصة للتجارب الفنية المتميزة التي تضيف للحياة التشكيلية، وشارك فيه كوكبة من الفنانين الرواد، وكان هذا بمثابة المعيار الأساسي للمشاركة في فعاليات الصالون منذ نشأته، ما جعله محط أنظار النقاد والفنانين والجمهور العاشق للفن.
تتنوع أعمال هذه الدورة ما بين: التصوير، النحت، الرسم، الحفر، التجهيز في الفراغ، الخزف، الفوتوغرافيا. وقال الفنان الدكتور عادل ثروت، القوميسير العام للصالون في تصريحات صحافية، إن «فلسفة العرض بالصالون تتلخص في اختيار مجموعة من الفنانين التشكيليين تتميز تجاربهم الفنية الإبداعية بخصوصية جمالية وفلسفية ولهم مشروع بحثي بصري بدأ منذ حقبة التسعينات ومستمر حتى الآن، كما يمثلون توجهات فكرية وفلسفية وجمالية مختلفة، ليكون العرض خطابًا تشكيليًا معاصرًا يمثل أحد روافد حركة التشكيل المصري المعاصر».
ولفت ثروت إلى أن مساحة العرض الخاصة بكل فنان مشارك في الصالون تبلغ 5 أمتار مربعة، وتشمل كل المجالات، وهو ما يضفي على عملية العرض ملمحا من الحيوية، ينعكس نفسيا على الفنان المشارك وعين المشاهد من ناحية أخرى.
ومن جانبه قال الفنان سامح إسماعيل - القوميسير المساعد: «تشرفت بتكليفي بمهام القوميسير المساعد من قبل اللجنة العليا لصالون القاهرة الـ57 والذي أرى أنه حدث يمثل لي نقطة هامة في مسيرتي الفنية لما للجمعية والصالون من قيمة تاريخية كبيرة، وأتمنى للعرض أن يكون معبرًا عن الخطاب التشكيلي المعاصر، ويصاحبه حركة نقدية أمينة تستعرض وتحلل أهم سمات تلك المرحلة..».
تستمر فعاليات الصالون حتى 13 مارس (آذار) المقبل، وضمن فعالياته برنامج ثقافي وفني متميز يتضمن ثلاث ندوات سيستضيفها متحف الفن المصري الحديث، حول الصالون وواقع الفن التشكيلي المصري، كم ستقام عدد من الورش الفنية تنظمها إدارة الورش الفنية بقطاع الفنون التشكيلية.
ولدت فكرة الصالون كما يقول الناقد التشكيلي الشاعر أسامة عفيفي، رئيس تحرير مجلة «المجلة»، على يد الفنان المصري الرائد فؤاد أفندي عبد الملك، وأقيمت دورته الأولى بجهوده ورعايته في 15 أبريل (نيسان) عام 1921، بدار الفنون والصنائع بالقاهرة، وشارك فيها آنذاك 55 فنانا، منهم 33 فنانا مصريا، و23 فنانا أجنبيا من جنسيات مختلفة، ورأس لجنة تحكيم هذه الدورة نحات مصر الشهير الفنان محمود مختار. وأشرف فؤاد أفندي على أعمال الدورة الثانية للصالون أيضا، ثم تولت بعد ذلك جمعية محبي الفنون عملية تنظيمه بالتعاون سنويا مع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، وقد تعثر انعقاد الصالون على مدار سنوات كثيرة، لأسباب مختلفة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)