لجأ تنظيم داعش الإرهابي لبوابة جديدة لتحسين اقتصاده الذي تأثر بالضربات المتلاحقة ضده من قوات التحالف الدولي، وأطلق مؤخرا عددا من المتاجر الإلكترونية لتسويق المُنتجات والسلع، ولجذب مُوالين جُدد من الشباب والفتيات لـ«الجهاد» تحت رايته في الأراضي الخاضعة لسيطرته في العراق وسوريا.
وحجز التنظيم مساحات لإطلاق هذه المتاجر على شبكة الإنترنت لعرض منتجات لرفاهية يحلم بها الكثيرون بأسعار منخفضة، وتُقدم المتاجر مُنتجات مُختلفة مثل «السيارات والهواتف والدراجات النارية وأجهزة التلفزيون والحاسب الآلي»، فضلا عن تدشين عدد من المتاجر الأخرى التي تبيع هدايا وجوائز لمسلحي «داعش» في العراق وسوريا.
وبينما أكد خبراء وعلماء دين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «داعش» يهدف إلى تُسويق منتجات وسلع للرفاهية بأسعار زهيدة لإغراء الشباب الطامحين لحياة مرفهة للإيقاع بهم في فخ التنظيم، لافتين إلى أن «هذه المتاجر تعكس مدى مرونة عقليات قادة التنظيم، فمن لا يمكن تجنيده من خلال القوة والترهيب ربما يتأثر بالصورة الحالمة التي تعكسها هذه المتاجر، والتي تدل على أن الحياة في ظل هذا التنظيم، ليست هي الصورة القاسية والفجة المتداولة في الإعلام».
قال مراقبون إن «مهمة المتاجر لا تكمن فقط في بيع السلع والمنتجات؛ بل في جذب أشخاص جدد للجهاد المزعوم، وتكمن خطة داعش الإرهابية في جذب الأشخاص المهتمين بالحياة الجميلة والثراء للانضمام إلى صفوف التنظيم».
من جانبه، قال الدكتور محمد أحمد الدش، مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة جامعة الأزهر بالمنوفية، إنه «نتيجة إحكام القبضة على التنظيم الإرهابي بشكل كبير، أدى ذلك لأن تقل موارده المالية التي ينفق منها على جنوده وعدته، فلجأ بطبيعة الحال لاختراع وسائل وأساليب دعم مادي جديدة، وهذا ما فعله داعش الإرهابي مستفيدا من المتاجر الجديدة كوسيلة يجني من خلالها مالا وفيرا، ويضم إلى صفوفه شبابا كُثرا ممن يتصفون بالأمية الدينية.. فلجأ للتسوق على شبكة الإنترنت وتصميم المتاجر الإلكترونية لعرض منتجات وسلع بأسعار زهيدة تغري كثيرا من الشباب الطامحين لحياة مرفهة فيسهل الإيقاع بهم في فخاخ هذا التنظيم الإرهابي»، لافتا إلى أن «داعش» يُدرك تماما أن «هذه المتاجر تجذب الكثيرين لمطالعتها مثلما يحدث لجميع المتاجر والمواقع التسويقية على مستوى العالم».
وأوضح الدش أن «الإرهاب الإلكتروني شكل من أشكال الإرهاب، يتزامن مع تطور وسائل الاتصالات والثورة التكنولوجية الهائلة التي أضرت بالبشرية أضعاف ما أفادت منها»، لافتا إلى أن «داعش» يحاول الاستفادة من هذه التكنولوجيا، لذلك فهو يطور من خلالها حيله ومكره لتجنيد كثير من الشباب سواء داخل الأراضي التي يسيطر عليها، أو الأراضي الجديدة التي ينتشر فيها، أو أماكن بعيدة في مختلف أنحاء العالم لنشر أفكاره لإقناع شباب جُدد بأهدافه، بطريقة ممنهجة ومنظمة.
ويؤكد المراقبون أن «داعش» يحاول تقوية اقتصاده الخاص، فقد تم إنشاء المتاجر أيضا لعرض أن عناصر التنظيم يعيشون حياة طبيعية على الأراضي الخاضعة لـ«داعش»، وأن الجهاديين يعيشون حياة أفضل، لأنهم يملكون عدة مصادر للدخل مثل «الجوائز» من هذه المتاجر والإيرادات من بيع السلع والمُنتجات.
وأضاف الدكتور الدش لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المتاجر تُضاف لآلاف الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك» والتي تحمل أفكارا متطرفة وبعضها تخص تنظيمات تكفيرية إرهابية وتتستر بأسماء وهمية، لافتا إلى أن كثيرا من المواقع والمُنتديات صُممت خصيصا لجذب واستقطاب الشباب رغبة في انخراطهم عن قناعة داخل صفوف هذه التنظيمات الإرهابية.. فهناك غرف الدردشة والشات الإلكتروني وما يحدث فيه من تجنيد للشباب.. إذ تبدأ المحادثة بشكل عادي لا يثير قلقا، ثم تأخذ شكلا آخر بعرض قضية معينة، تسلم في نهاية الأمر إلى صُنع إرهابي جديد.
وعن توصيف خطورة هذه المتاجر، أوضح الدش ينبغي تحصين الشباب ضد جراثيم هذا التنظيم عن طريق تلك القوة البالغة الأثر – الإنترنت - بإنشاء مواقع مضادة تعرض قُبح أفكار هذا التنظيم المتطرفة، وضرورة احتواء تلك المواقع على التوعية الإيمانية وعرض المنهج الوسطي الذي قامت عليه تعاليم الإسلام، والتحذير من مخالطة الشباب مجهولي الهوية على مواقع ذلك العالم الافتراضي، والتعامل بحذر مع الأشخاص داخل غرف الدردشة الإلكترونية وداخل متاجر «داعش» الإلكترونية، رغبة في وأود أفكار ذلك التنظيم والقضاء عليهم، ثم يأتي دور الأجهزة المخابراتية في ضرورة رصد مواقعهم ومنتدياتهم، وتجفيف منابع تواصلهم مع الآخرين.
من جهته، لفت الدكتور أحمد سيد الأزهري، الأستاذ في كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بأسيوط، إلى أنه مع كل الجهود الحثيثة لإغلاق المواقع الداعشية التي تحث على الانضمام إليهم؛ إلا أنه تبين أنهم من أكثر الأنظمة تنظيما ومهارة في استخدام التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل في تجنيد الشباب، حيث يلعب الداعشيون على أحلام الشباب وأمانيهم في محاولة لكسب أكبر عدد من الشباب في تنظيمهم.
وتابع بقوله: بعد أن كان عناصر «داعش» ينشرون صور الإعدام والقتل والتفجير وغيرها، أصبحوا الآن أكثر تطورا، حيث بدأوا يدعون الشباب إلى التسوق وشراء السيارات والهواتف الحديثة، فضلا عن مواقع أخرى تخاطب الراغبين في قضاء إجازة ممتعة والخلود إلى الاسترخاء والراحة أن يقضوا عطلة فيما يسمى «دولة الخلافة المزعومة» بالعراق، حيث تتوفر لهم حمامات السباحة وملاعب الأطفال ووسائل الترفيه، إضافة إلى الاستمتاع بالصيد وتربية النحل وجني العسل، مما يعكس مدى مرونة عقليات عناصر التنظيم، موضحا أنه «من لا يمكن تجنيده من خلال القوة والترهيب بمشاهد القتل والعُنف ربما يتأثر بالصورة الحالمة التي تعكسها مثل هذه الدعوات، والتي تدل على أن الحياة في ظل هذا التنظيم ليست هي الصورة القاسية والفجة المتداولة في وسائل الإعلام».
واستطرد قائلا: ناهيك عن ألعاب الفيديو المصورة التي صمموها مع هذه المتاجر التي تضم سيارات ودراجات نارية وأجهزة تلفزيون ومحمول بأسعار رخيصة، وبأساليب ماكرة وخداعة للتغرير بالشباب، الذي لا رقيب عليه وهو على حاسوبه أو على محموله ولا يدري أحد من أهله ماذا يفعل؟، ولا من يكلم ولا في أي المواقع يبحث، ولا إلى أي تنظيم ينتمي.
ويرى المراقبون أن إطلاق هذه المتاجر محاولة من «داعش» لتحسين أوضاعه المادية، بعد الضربات الروسية الساحقة، التي دفعت التنظيم للبحث عن طرق جديدة لكسب المال.
وأضاف الأزهري لـ«الشرق الأوسط» أن إنشاء متاجر للداعشيين ينبئ عن أنهم يريدون زيادة اقتصادهم وكثرة جذب الشباب لهم، لافتا إلى أن العمليات الكثيرة التي يقوم بها «داعش» في العراق وسوريا تتكلف الكثير من الأموال، سواء كانت تلك العمليات داخل العراق بالتفجير اليومي للسيارات والقتال في الرمادي، وفي الفلوجة، وفي صحراء الأنبار وغيرها، فهذه العمليات مُجتمعة مع المتاجر الجديدة التي تبيع بأرخص الأسعار لجذب مُوالين جُدد، تؤكد أن «التنظيم أنفق بسخاء كبير ملايين الدولارات.. ويرغب في تعويض هذا الإنفاق خاصة بعد خسائره الفادحة التي يتعرض لها كل يوم في الأراضي الواقعة تحت سيطرته».
متاجر «داعش» الإلكترونية بوابة «خلفية» لتحسين اقتصاده وجذب موالين جدد
خبراء لـ {الشرق الأوسط}: تعكس مرونة في عقلية قادة التنظيم
متاجر «داعش» الإلكترونية بوابة «خلفية» لتحسين اقتصاده وجذب موالين جدد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة