طهران تضيف {عيد الحب} إلى قائمة الممنوعات.. وإسلام آباد تعتبره تهديدًا لقيم البلاد الإسلامية

الإيرانيون يستبدلون «الفالنتاين» بـ «سبندار مذغان»

متظاهرون باكستانيون ينددون بمظاهر احتفالات {عيد الحب} في كراتشي (أ.ف.ب)
متظاهرون باكستانيون ينددون بمظاهر احتفالات {عيد الحب} في كراتشي (أ.ف.ب)
TT

طهران تضيف {عيد الحب} إلى قائمة الممنوعات.. وإسلام آباد تعتبره تهديدًا لقيم البلاد الإسلامية

متظاهرون باكستانيون ينددون بمظاهر احتفالات {عيد الحب} في كراتشي (أ.ف.ب)
متظاهرون باكستانيون ينددون بمظاهر احتفالات {عيد الحب} في كراتشي (أ.ف.ب)

في الوقت الذي أصبح فيه {عيد الحب} (الفالنتاين) فرصة مربحة لتجار الورود والهدايا الشاعرية في العالم، يعتبر البعض هذه المناسبة غريبة ودخيلة على المجتمعات الإسلامية.
ومنذ أيام، أضيف عيد الحب إلى قائمة الممنوعات في إيران بإعلان قوات الأمن الإيرانية لمنع الاحتفال بالمناسبة في الأماكن العامة. إذ كشفت وكالة أنباء حقوق الإنسان الإيرانية «هرانا» أن الشرطة وزعت بيانا، حذرت فيه المحلات التجارية من الدعاية وبيع المنتجات التي تحمل شعار الفالنتاين، في إطار ما اعتبرته «ترويج الثقافة الغربية».
إلى ذلك، قالت وسائل إعلام إيرانية إن الشرطة وزعت بيانا حذرت فيه من تجمع الشباب من الجنسين في المقاهي والنوادي وتبادل الهدايا مثل الدمى والورود والشوكولاته، مؤكدة أنها ستعاقب أصحاب المحلات في حال تسجيل مخالفات.
يذكر أن الجمارك الإيرانية كانت قد فرضت منذ سنوات حظرا على استيراد منتجات عيد الحب مع اتساع دائرة أنصار الفالنتاين في المدن الإيرانية الكبيرة، والتي تشهد تحررا مقارنة بالمدن الصغيرة التي تحكمها أجواء الثقافة التقليدية والمحافظة.
واخترع الإيرانيون في السنوات الأخيرة يوما معادلا لعيد الحب بدعوى أن عيد الحب تعود أصوله إلى الثقافة الفارسية، ويأتي عيد الحب الفارسي الذي يطلق عليه «سبندار مذغان» بعد أربعة أيام من الفالنتاين.
وحول ذلك، قال عضو اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني، محمد مهدي بورفاطمي، في حوار مع صحيفة «آفتاب يزد»، إنه لا يعتقد أن ممارسات الحظر والمنع ستدفع الشباب الإيراني إلى الثقافة الإيرانية. واعتبر بورفاطمي أن ضعف الهوية الإيرانية بين الشباب يدفعه إلى بدائل أخرى في الثقافة الغربية لا مفر عنها. وأكد بور فاطمي أن فرض الحظر يثير فضول الشباب للتعرف على الثقافة والتقاليد الغربية.
ورأى بورفاطمي، الذي يعتبر من رجال الدين في البرلمان الإيراني، أنه لا تأثير للتدابير التي تتخذها قوات الأمن الإيرانية للحد من ظاهرة تسويق المنتجات الخاصة بعيد الحب في الأسواق الإيرانية.
وسخر من فكرة إغلاق المحلات التي تبيع المنتجات في عيد الحب، وعدّ إغلاق المقاهي في عيد الحب ليس الحل الأنسب في ظل وجود بدائل للتجمع مثل الحدائق العامة والأماكن الخاصة في المدن الكبيرة. كما تساءل: ماذا ستفعل السلطات بالمظاهر الغربية الأخرى في المجتمع الإيراني عندما تفرض الحظر على الفالنتاين.. وهل بإمكانها أن تمنعها في السنوات المقبلة؟
وأكد بورفاطمي أن منع الفالنتاين لا يمنع «التغلغل» الثقافي الغربي، ودعا إلى تعزيز الثقة بين الشباب الإيرانيين وتشجيعهم على معرفة الثقافة الإيرانية والبحث عن بدائل، مشيرا إلى أن فئة الشباب في بلاده حاليا لا تعرف شخصية واحدة من الشخصيات الثقافية المهمة في نصف القرن الأخير.
وعلى صعيد متصل ومن إسلام آباد، حث الرئيس الباكستاني ممنون حسين مواطني بلاده على عدم الاحتفال بعيد الحب. إذ قال الرئيس إن عيد الحب، الذي يوافق تاريخ اليوم، 14 فبراير (شباط)، مستورد من الغرب ويهدد بتقويض القيم الإسلامية في باكستان. وقال حسين، في احتفال لإحياء ذكرى زعيم وطني: «لا صلة لعيد الحب بثقافتنا.. ويجب تحاشيه».
إلا أن وسائل إعلام محلية كانت قد ذكرت في وقت سابق هذا الأسبوع أن إسلام آباد ستمنع الاحتفال بعيد الحب بوصفه «إهانة للإسلام»، لكن مسؤولين بالمدينة قالوا في وقت لاحق إن مثل هذا القرار سيكون غير قابل للتنفيذ. وعلى الرغم من أنه مناسبة مسيحية في الأصل، فإن عيد الحب يكتسب شعبية بين الباكستانيين. ويقول بائعو الزهور إن مبيعاتهم مزدهرة هذا العام كما هو الحال في السنوات الأخيرة. وغالبا ما تشمل تلك العادات الوافدة من الخارج إهداء باقات الزهور والبطاقات وقوالب الشوكولاته. وتأييدا لكلام الرئيس الباكستاني، تظاهر بعض المواطنين أمس في مدينة كراتشي تنديدا بمظاهر الاحتفال بعيد الحب.
وفي سياق متصل، قالت وسائل إعلام محلية إن مدينة بيشاور قرب الحدود مع أفغانستان حظرت مظاهر الاحتفال بعيد الحب. إلا أن قوات الشرطة لا تعتزم على ما يبدو تطبيق هذا الحظر.
ويحظر بيع البطاقات والزهور وأشياء أخرى بمناسبة عيد الحب في مقاطعة كوهات (200 كم) غرب العاصمة إسلام آباد، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية يوم الجمعة المنصرم. وقال رئيس المجلس المحلي، الذي أصدر قرار الحظر: «عيد الحب أصبح جزءا شائعا وغير ضروري لثقافتنا». ومن المنتظر أن تتفقد الشرطة المحلية الأسواق وتمنع تجار التجزئة من بيع هذه المواد، التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، حسبما نقلت تقارير صحافية محلية عن رئيس المجلس المحلي. إلا أن تقريرا آخر أشار إلى أن الشرطة لا تعتزم فرض الحظر. ونقلت صحيفة «إكسبريس تريبيون» المحلية، عن مسؤول رفيع المستوى في الشرطة اشترط عدم الكشف عن هويته، القول: «تم تجاهل الأمر لأنه غير قانوني»، مشيرا إلى أن الدستور لا يمنع المواطنين من الاحتفال بعيد الحب.
يذكر أن عيد الحب أو «يوم القديس فالنتاين» هو اليوم التقليدي الذي يعبر فيه المحبون عن حبهم لبعضهم بعضا عن طريق إرسال بطاقات عيد الحب أو إهداء الزهور أو الحلوى لأحبائهم.
ولكن تحمل العطلة في حقيقة الأمر اسم قديسين مسيحيين كانا يحملان اسم فالنتاين تكريما لذكراهما. وبعد ذلك أصبح هذا اليوم مرتبطًا بمفهوم الحب الرومانسي الذي عبر عنه الأديب الإنجليزي جيفري تشوسر في أوج العصور الوسطى التي ازدهر فيها الحب الغزلي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)