كرنفالات ومهرجانات العالم.. مواسم وتقاليد

تاريخيًا كانت تنحصر في فترة الصوم عند المسيحيين الكاثوليك وتحولت إلى احتفالات فنية ضخمة

كرنفال ريو في البرازيل من أشهر الكرنفالات حول العالم (أ.ف.ب)
كرنفال ريو في البرازيل من أشهر الكرنفالات حول العالم (أ.ف.ب)
TT

كرنفالات ومهرجانات العالم.. مواسم وتقاليد

كرنفال ريو في البرازيل من أشهر الكرنفالات حول العالم (أ.ف.ب)
كرنفال ريو في البرازيل من أشهر الكرنفالات حول العالم (أ.ف.ب)

من مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية إلى نيس الفرنسية وكولونيا الألمانية وفيينا النمساوية والبندقية الإيطالية وحتى لندن ونيو أوليانز وغيرها من المدن، تنشغل قطاعات ضخمة بالاحتفالات الشعبية والمهرجانات التي تسود الشوارع في أشكال كرنفالية موسيقية راقصة حيث البهرجة والأطعمة واللهو والمرح.
ورغم أن الكرنفالات تاريخيا كانت تنحصر في مدن وقرى قبل فترة الصوم عند المسيحيين الكاثوليك إلا أنها أضحت عموما احتفالات فنية ضخمة يبدع منظموها في بهرجتها والمنافسة في الخروج بها عاما تلو عام متجددة من حيث المظهر والملبس والتنكر وحتى الرقصات.
وفيما تقول مصادر إن أصل هذه الكرنفالات الشعبية وثني، بدأ كعادة لتمجيد آلهة تقول مصادر أخرى إنها سويسرية الأصل كانت تخرج لطرد الأرواح الشريرة.
إلى ذلك ظلت قطاعات مسيحية تحسبها كمظاهر للارتواء من حلو الطعام وملذات الحياة استعدادًا لفترة الصيام التي تسبق عيد القيامة وتمتد عند البعض لـ46 يوما وتبدأ بأربعاء الرماد الذي يسبقه الخميس السمين والثلاثاء السمين، حيث تصل الاحتفالات قمتها.
في كل الأحوال، وبالنظر لمعظم مظاهر وفعاليات هذه الكرنفالات أو «الفاشنق» كما يطلق عليها في النمسا فإنها أمست أبعد ما تكون عن الروحانيات، بل طغت عليها الماديات من حيث البهرجة في اللبس والمبالغات في التجديد في المظهر وما يسودها من تفسخ وبهرجات.
هذا وإن كانت الكرنفالات البرازيلية تشتهر بالرقص والأزياء البراقة العارية، فإنها تشتهر في مدينة البندقية بالملابس التنكرية والأزياء الأكثر ميلا للكلاسيكية الأرستقراطية مع الأقنعة التي يبدعون في صنعها. ولصناع الأقنعة بالبندقية مكانة خاصة، حيث يحرصون على التنكر. أما في النمسا، وإن كان بمستويات أقل كثيرا من حيث النفقات وأميل للمرح، فتنتشر الأزياء الرسمية «اليونيفورم» مثل زي الممرضات وعمال النظافة والأباطرة ورجال القوات النظامية والمهرجين وعلى هيئة حيوانات ونباتات.
وترجع مصادر تقليد الاختباء وراء أقنعة والتنكر للرغبة في حجب التميز بين الطبقات، إذ يمكن لرجل عادي أن يتنكر في زي أمير وللأمير أن يظهر في زي راع. هذا بجانب أن التنكر يساعد على التحرر من القيود لدرجة الفحش أحيانا وللتمرد على ما هو سائد من تقاليد.
وفي هذا السياق، تتميز الكرنفالات في المدن الألمانية على وجه الخصوص بالتمرد النسائي وإن كان ذلك في إطار اللهو والمرح، فيما تصفه مراجع بـ«ثورة النساء» وذلك حسب تقليد قديم يعود لعام 1824 عندما اقتحمت مجموعة من ربات البيوت مبنى بلدية، مطالبات بامتناع الرجال عن الشجار لأسباب تافهة توجع رؤوسهن.
ولا يزال هذا التقليد قائما حيث تتهجم نساء على دور حكومية ومؤسسات رسمية يوم الكرنفال ويعثن فيها فسادا، ولا تزال بعض الكرنفالات في مدينة كولونيا «KOln» (التي أصبحت كرنفالاتها الأشهر)، تبدأ بتقليد تقطيع النساء لربطات عنق رجال في حركة ترمز لتجريد الذكور من سلطاتهم وهيمنتهم. وفي النمسا وطيلة أيام الكرنفالات أو «الفاشنق» وحسب تقاليد ثورية ضد سيطرة «النظام» وهيمنة الروتين يذهب البعض لأماكن عملهم وعلى وجوههم رسومات وتلوينات طريفة أو حتى بأزياء تنكرية فيما تخصص المدارس يومًا للاحتفال، حيث يرتدي التلاميذ ما يختارون من أزياء تنكرية يبدأ التسوق لاختيارها وأحيانا تفصيلها منذ فترة كافية.
وبالطبع انتشرت هذا العام أقنعة وأزياء مما ظهر به أبطال السلسة الأخيرة من فلم «ستار وورز» ولا تزال الأزياء العربية من عباءات ودشداشات لها مكانتها. وهذا العام أثار ظهور سيارة ضمن مسيرة كرنفالية وهي تحمل الرقم «88 لاجئون» وداخلها أشخاص يرتدون عمائم وصورًا لعلميات إعدام - أثار استياء الكثيرين.
هذا وتشتهر كرنفالات أخرى مثل اللندني الصيفي بمنطقة نوتنغ هيل بموسيقاه وأطعمته وعرباته المزينة بالورود وثقافة يعود أصلها لما جلبه المهاجرون معهم من دولة ترينداد وتوباغو وما حولها. ويحظى الكرنفال الذي أصبح فعالية لندنية بمعجبين إنجليز وسياح بالمدينة ينظمون فترات زيارتهم للمدينة، خلال شهر أغسطس (آب)، للاستمتاع بأجوائه ولياليه الثلاث وفيما تسوده روح كاريبية تسود كرنفال «ماردي غرا» بمدينة نيواورليانز، حيث الغالبية السوداء، تقاليد تعود لأصول فرنسية ومهارات عالية في تزيين الوجوه وملابس يغلب عليها اللون الأسود كرمز للقوة والأخضر للإيمان والأرجواني للعدالة وتعشق نساء الكرنفال التزين بالكثير من العقود الطويلة.
في سياق آخر، تتميز فترة الكرنفالات بالنمسا بالإضافة للمسيرات الموسيقية بالطرق والشوارع، وبالحفلات المسائية الراقصة الكلاسيكية الفخمة التي تقام داخل قصور، كما تتميز بفعاليات نهارية ومسائية موسيقاها ورقصاتها شعبية تقليدية تقام داخل قاعات واسعة تنصب فيها مسارح يعلوها ممثلون كوميديون متخصصون في السخرية من الساسة وأنظمة الحكم وطرق الإدارة في نقد لاذع للأوضاع السياسية والاجتماعية أمام الحضور من الولاة والوزراء والعامة.
وفي منشور تم توزيعه مطلع هذا الموسم دعت نقابة الإعلاميين المنضوية للقطاعات التي تنظم هذه المهرجانات للحرص على عدم التنكيت والسخرية من أزمة اللاجئين ومشكلات المهاجرين والتركيز على السخرية من رجال السياسة ومشاهير المجتمع كما هو التقليد السائد، والذي يحظى بإعجاب فائق بسبب روح الدعابة والتسامح التي تسود الكرنفالات.
* كرنفال ريو دي جانيرو يكرم بيليه ونيمار
* شهد كرنفال مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية تكريم نجمي المنتخب البرازيلي لكرة القدم بيليه ونيمار، وذلك
خلال اليوم الأول لانطلاق المسيرات الخاصة بالكرنفال الشهير أول من أمس الاثنين، بيد أنه لم يتمكن أي من اللاعبين الكبيرين من المشاركة في هذا الحدث الكبير.
وتم تكريم كلا اللاعبين من خلال الاستعراض الذي قدمته مدرسة «غراندي ريو» لراقصي السامبا في شوارع مدينة سانتوس، التي تضم النادي الذي يحمل نفس الاسم وتألق بين صفوفه كل من بيليه ونيمار. وطغت صورة بيليه خلال الكرنفال على صورة مواطنه نيمار، حيث ارتدى أحد الأطفال قميص النجم السابق وراح يرقص «السامبا» بشكل بارع. ولعب أحد الشباب أيضًا دور بيليه خلال الكرنفال حاملا كأس جولي ريمي الذي فاز به اللاعب الدولي السابق في مونديال.1970 ومثل نيمار في فاعليات الكرنفال، والده، نيمار دا سيلفا سانتوس، ووكيلة أعماله وشقيقته رافايلا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».