مرت قرابة 20 عامًا على الجهود التي قادها العالمان الاسكوتلنديان، إيان ويلموت وكيث كامبل، والتي أثمرت مولد النعجة دولي، أول حيوان لبون (ثديي) مستنسخ على وجه الأرض. وترددت في مختلف أرجاء العالم أصداء هذا الحدث العلمي الهائل، مما أثار موجة عاتية مزجت بين الحماس والغضب.
وكان الخوف الأكبر، احتمال أن يقدم العلماء على أمر مماثل مع البشر. وعليه، سارع المجلس الأوروبي لتعديل ميثاقه المعني بحماية حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية فيما يخص تطبيقات علم الأحياء والدواء، بحيث حظر «أي تدخل يرمي لتخليق بشر مطابق جينيًا لبشري آخر حي أو ميت».
وعلى امتداد العقدين التاليين، جرى استنساخ الكثير من الثدييات الأخرى، لدرجة أن شركة كورية جنوبية تدعى «سوام»، أنشئت عام 2006، عرضت على الأثرياء ممن يقتنون كلابًا استنسخت من حيواناتهم الأليفة بعد موتها، مقابل 100 ألف دولار.
أما البشر فقد بدوا بمأمن من هذا الأمر، حتى الآن. ولا يعود هذا لدوافع أخلاقية بقدر ما يرجع إلى أسباب فنية، ذلك أن العلماء المتخصصين بعلم الوراثة في كل مرة كانوا يحاولون إجراء استنساخ لبشر كانوا يصطدمون بجدار صلب.
ولم يكن مسعاهم استنساخ كائن بشري على غرار دولي، الأمر الذي جرى حظره بجميع أرجاء العالم بعد تجربة ويلموت وكامبل، وإنما الحصول على أجنة يمكنونها من النمو داخل أنابيب اختبار لبضعة أيام بحيث تتحول إلى مخزونات من الخلايا الجذعية. ويطلق على هذه الجهود اسم الاستنساخ «العلاجي»، الذي تبيحه الكثير من الدول، مثل بريطانيا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، لكن ليس في فرنسا. ومع ذلك، بدا هذا النمط من الاستنساخ خارج حدود قدرات المختبرات.
استنساخ الإنسان
وبدا في وقت ما أن استنساخ الإنسان هو في حكم المستحيل. إلا أن الوضع تبدل الآن، فمنذ أسابيع قليلة أصدر الطبيب الصيني تشو تشياوشون Xu Xiaochun تصريحًا مثيرا للفزع. ويعمل تشياوشون رئيسًا تنفيذيًا لشركة «بويالايف»، التي استثمرت 31 مليون دولار على مصنع بمنطقة تيانجين لإنتاج 100 ألف جنين مستنسخ للأغنام سنويًا لتلبية الطلب الصيني. وقال الطبيب الصيني: «تتوافر بالفعل التقنية اللازمة. وحال السماح لنا بالاستنساخ البشري، فإن شركتنا تتمتع بالوضع الأفضل الذي يمكنها من تحقيق ذلك».
ولم يكتف تشياوشون بذلك، وإنما أضاف: «للأسف، السبيل الوحيدة للحصول على طفل في الوقت الراهن أن يكون نصفه من والدته ونصفه الآخر من والده. ربما في المستقبل ستتاح أمامنا ثلاثة خيارات، بدلاً من واحد. فإما أن يأتي الطفل بنسبة 50 في المائة مقابل 50 في المائة، أو يصبح لديك طفل يحمل 100 في المائة من جيناته من الأب أو 100 في المائة منها من الأم».
الغريب في الأمر أن تصريحان تشياوشون مرت من دون أن يلحظها الكثيرون، مثلما كان الحال مع تقرير صدر عام 2013 من قبل عالم أميركي متخصص بمجال الوراثة يدعى شوكرات مطاليبوف Shoukhrat Mitalipov، من جامعة أوريغون، والذي نجح في الحصول على جنين بشري عن طريق الاستنساخ وأشرف على إنمائه لمدة ستة أيام (حتى مرحلة الكيسة الأريمية blastocyst stage) قبل أن يحصل على خلايا جذعية منه (انظر: «نجاح علمي قد يؤدي إلى استنساخ الإنسان»، «الشرق الأوسط» 17 مايو (أيار) 2013 العدد 12589). وجرت محاكاة تجربته بنجاح بعد عام من جانب فريقين علميين آخرين.
ومن بين «الحيل» الدقيقة التي أسهمت في نجاح تجربته، غمسه البويضة في حمام من الكافيين، والذي يعتقد أن يعوق عملية انقسام الخلية في مرحلة تعزز فرص نجاح الاستنساخ.
وحتى هذه اللحظة، لا أحد يدري ما كان يمكن أن تصبح عليه هذه الأجنة البشرية التي جرى زرعها داخل أم بديلة - تحديدًا ما إذا كانت هذه الأجنة ستنمو مشوهة أم ستعاني من إجهاض أم ستنمو حتى الاكتمال، لكن مع إعاقات ذهنية أو بدنية. أم أنها مثل دولي ستثمر ولادة أطفال أصحاء يحملون ذات التركيب الجيني لأشخاص آخرين؟
ورغم التصريحات المفزعة التي لا أساس للكثير منها الصادرة عن رجال أعمال صينيين، فإن المجتمع العلمي المعني بالوراثة لا يبدي اهتماما بالتجارب الأخيرة التي أجراها شوكرات ميتاليبوف وآخرون.
من جانبه، رفض آلان فيشر، البروفسور بـ«كوليدج أوف فرانس» وعضو مؤسس لمعهد دراسة الأمراض الجينية، «إيماجين»، إبداء اهتمام جاد بالأمر، قائلاً: «هذه القضية برمتها أصبحت رتيبة وجوفاء منذ اكتشاف الخلايا الجذعية الوافرة مستحثة القدرة».
جدير بالذكر أن الاكتشاف جاء على يد العالم الياباني شينيا ياماناكا (الذي حاز جائزة نوبل عام 2012). ونجحت الخلايا الجذعية الوافرة مستحثة القدرة iPS cells في تحقيق ثورة بمجال العلاج بالخلايا، الذي كان مقتصرًا على خلايا جذعية جنينية. الآن، ومع توافر سبيل أخرى أبسط فنيًا ومفضلة أخلاقيًا للحصول على الخلايا الجذعية، لماذا قد يرهق البعض أنفسهم بتخليق الأجنة عبر الاستنساخ؟ خاصة وأن معروضا هائلا من الأجنة متوافر.
عن هذا، قال إرفيه شنيويس، من المعهد الفرنسي للأبحاث الصحية والطبية، إن هناك 170 ألفا من الأجنة مجمدا حاليًا داخل فرنسا وحدها، «أكثر مما يكفي لتغطية احتياجات السكان في ما يتعلق بالخلايا الجذعية الجنينية».
إلا أن شنيويس أعرب عن اعتقاده بأن المتحمسين للاستنساخ البشري لا يستهدفون المرضى، وإنما تنصب أعينهم على السوق الأكبر والأكثر إدرارًا للربح للنساء الراغبات في الإنجاب في سن متقدمة - مثلاً، بعد بنائهم لحياة مهنية ناجحة. مع تقدم النساء بالعمر، تقل خصوبتهن تدريجيًا. وإذا لم يعثرن على زوج مناسب خلال الفترة التي يستطعن خلالها الإنجاب، فإن الأسلوب الذي ابتكره مطاليبوف بمقدوره مساعدتهن على الإنجاب، حيث سيمكنهن من الحصول على نواة داخل أجسادهن بحيث يجري نقلها لاحقًا لنساء أصغر سنًا.
من جهته، شدد أرنولد مونيتش، الذي يتولى إدارة «إيماجين» بالتعاون مع آلان فيشر، على رفضه جهود أقرانه من العلماء الساعين لتحقيق استنساخ بشري. وقال: «إن الناس يتطلعون إلينا لشفاء أطفالهم، أو على الأقل كشف ما يعانونه، لكنهم لا يشغلون أنفسهم بشطحات خيال الباحثين في أوريغون»، في إشارة قاسية واضحة إلى مطاليبوف.
خدمة «نيويورك تايمز»
بعد 20 عامًا على ميلاد النعجة «دولّي».. هل اقترب عصر استنساخ البشر؟
مخاوف عالمية من توافر التقنيات اللازمة له
بعد 20 عامًا على ميلاد النعجة «دولّي».. هل اقترب عصر استنساخ البشر؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة