أول ماسحة أحذية في إيطاليا: عملي مثل جراح التجميل.. وأعشق الموضة الرجالية

إليونارا لوفو تكشف أسرار اختيارها هذه المهنة وكيف كانت رحلة نجاحها

إليونارا لوفو خلال أدائها عملها مع أحد الزبائن
إليونارا لوفو خلال أدائها عملها مع أحد الزبائن
TT

أول ماسحة أحذية في إيطاليا: عملي مثل جراح التجميل.. وأعشق الموضة الرجالية

إليونارا لوفو خلال أدائها عملها مع أحد الزبائن
إليونارا لوفو خلال أدائها عملها مع أحد الزبائن

تحظى المصنوعات الجلدية الإيطالية وبخاصة الأحذية، بشهرة عالمية سواء لجودتها أو أناقتها، وتحتل العلامات التجارية الإيطالية مكانة مرموقة في صناعة الأحذية، ورغم ثمنها الباهظ الذي يبلغ مئات اليورو وربما الآلاف أحيانا فإن الإقبال على شرائها لا يتوقف وذلك بسبب متانتها وعمرها الطويل في الاستخدام.
كان هذا أحد أبرز دوافع إليونارا لوفو، أول ماسحة أحذية في إيطاليا، حينما فكرت في خوض غمار مهنة رجالية من الدرجة الأولى، وهي مسح وتلميع الأحذية الرجالية، لتعيدها كما لو كانت جديدة.
وتقدم إليونارا خدماتها بشكل مختلف وغير معتاد، حيث تعتبر مهنتها فنا لا يقل أهمية عما يفعله جراحو التجميل مع زبائنهم والعناية بجلد الحذاء شأنه شأن العناية بجلد البشرة.
وروت إليونارا المنحدرة من مدينة فيرونا (شمال إيطاليا) – في لقاء هاتفي - أسرار انجذابها لهذه المهنة تحديدا وشغفها بها، وقالت: «تأسرني دائما الموضة الرجالية، خاصة فيما يتعلق بالأحذية، وهكذا قررت منذ ست سنوات العمل في العناية بها وتلميعها لتعود كما كانت عند شرائها، كما أن بعض الرجال يحتفظون بأحذيتهم لمدة تصل إلى خمسة عشر أو عشرين عاما، ولا يريدون التفريط فيها، ومع بعض اللمسات تعود لحالتها الأولى من اللمعان والنظافة».
وتضيف أن هذا الأمر يستهوي كثيرين خاصة في دول مثل إيطاليا وإنجلترا بحثا عن الأفضل، وهو ما دفعها للتخصص في العناية بالأحذية الرجالي، كما تصف ما تقوم به.
وتستخدم إليونارا (42 عامًا) التي زاولت الكثير من المهن بعد تخرجها بمعهد للفنون من بينها العمل في المطاعم وفي مجال الأزياء، صندوقا خشبيا مميزا صنعه صديقها لها وكرسيا فخمًا، تضعه في منزلها ويأتي الزبائن إليها ليجلسوا عليه، وفي بعض الأحيان –كما تقول- تذهب لمنازل الزبائن لأخذ الأحذية ثم إعادتها إليهم بعد تلميعها وتنظيفها.
وتكتب إليونارا التي ترتدي نظارة كبيرة على الموقع الإلكتروني الخاص بها إنها تجد هذه المهنة مناسبة لها «كما لو كانت فستانا على مقاسها تماما». ويمكن للزوار أن يختاروا الخدمة التي يحتاجونها من تلميع أو عناية، أو كانت خدمات فندقية، بأن تقوم بتلميع أحذية نزلاء الفندق، عبر الحصول على الأحذية وإعادتها بعد الانتهاء من تلميعها، ويمكنها كذلك حضور فعاليات لتقديم خدماتها للحضور بالاتفاق مع المنظمين.
وتضيف «يمكن لضيوفكم، وهم مستريحون على مقاعدهم، أن يقوموا بتلميع أحذيتهم، في خدمة فريدة ولا شك أصيلة وغير تقليدية».
وعن المقابل الذي تحصل عليه، قالت: إنها تتقاضى ما يتراوح بين 20 و100 يورو عن الحذاء الواحد، ويتوقف الأمر على ما ستقوم به من تلميع فقط أو تنظيف أو عناية بوضع دهانات معينة، وأحيانا تلوين الأحذية لتأخذ شكلا جديدا وأنيقا.
وتلميع الأحذية ليس الشيء الوحيد الذي تتقنه إليونارا، حيث تجيد أيضا الحلاقة بعدما التحقت بدورة تدريبية في ميلانو كانت هي المرأة الوحيدة فيها، حيث تعلمت «فلسفة اللحية» على حد وصفها.
ومن أبرز المشكلات التي واجهتها خلال عملها كماسحة أحذية على مدار سنوات، هو انعدام الثقة في البداية، فبعض الزبائن كان ينظر إليها ويقول: «أنت امرأة لماذا تريدين ممارسة هذه المهنة هنا؟».
ولا تنكر أن أحد أسرار نجاحها وصيتها الذي ذاع مؤخرا في أنحاء إيطاليا، هو الاهتمام الإعلامي ومواقع التواصل، حيث سلطت الكثير من الصحف الضوء عليها كنموذج جديد على المجتمع الإيطالي، وصفحتها على «فيسبوك» التي تشهد إشادة وتشجيعا من جانب المتابعين لها.
وقالت إليونارا في حوار سابق مع صحيفة «لاستامبا» الإيطالية إنها «عاشقة للجمال، ويروق لي ارتداء ملابس بشكل معين، لكنني منجذبة إلى عالم الموضة الرجالية. أحب الرجال وكل ما يجعلهم أنيقين. إنهم يثقون بي وأنا أعتني بأحذيتهم».
وتذكر إليونارا إنها حاولت الالتحاق ببعض متاجر الأحذية الإيطالية، لكن الجميع منغلق على مهنته ولا يعلم غيره شيئا، كما عملت لدى بعضهم وسافرت إلى الخارج لإيجاد الخامات المناسبة للأحذية وكذلك حصلت على بعض أسرار المهنة التي يحرص الجميع على كتمانها.
وتقول: «الأحذية معي تدخل إلى مركز تجميل، جلودهم تستحق المعاملة مثل جلد الوجه، وصادف أن نظفت حذاء تربو قيمته على ألف يورو (نحو 1084 دولارا)». وتضيف «الأشياء الجميلة صنعت بالفعل، ويجب الاعتناء بها. إنني أستخدم في عملي أشياء جديدة وتقليدية، لكن الآن لدي أسرار المهنة الخاصة بي ولا أخبر أحدا بها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».