مالك جندلي يوظف قوة الموسيقى الناعمة في سيمفونياته لدعم أطفال سوريا

موسيقار المهجر يعزف «الصوت الحر» لبناء جسور السلام

المؤلف الموسيقي وعازف البيانو مع المتسابقين، الموسيقار السوري مالك جندلي
المؤلف الموسيقي وعازف البيانو مع المتسابقين، الموسيقار السوري مالك جندلي
TT

مالك جندلي يوظف قوة الموسيقى الناعمة في سيمفونياته لدعم أطفال سوريا

المؤلف الموسيقي وعازف البيانو مع المتسابقين، الموسيقار السوري مالك جندلي
المؤلف الموسيقي وعازف البيانو مع المتسابقين، الموسيقار السوري مالك جندلي

ترك المؤلف الموسيقي والعازف السوري الشهير مالك جندلي سوريا وهو في سن الثامنة عشرة. وفي غياب المسابقات الموسيقية آنذاك، لم تتح له الفرصة للبحث عن هويته الثقافية السورية. وبعد عقود في المهجر، أصبح هدف جندلي تحفيز الشباب الموهوبين موسيقيا للتعرف على الفن الحقيقي واستكشاف هويتهم الموسيقية التي تصاحب مواطنتهم، بعيدا عن المناخ المرتبك. ويعتبر جندلي نفسه فنانا مستقلا بعيدا عن الانتماءات السياسية يحمل رسالة سامية إنسانية، فهو «الصوت الحر» لبناء جسور سلام بين الشعوب من خلال الموسيقى: القوة الناعمة الجامعة للبشر. ويظهر ذلك في أعماله الموسيقية وجولاته العالمية ومسابقته الدولية السنوية للعازفين الشباب.
إلى ذلك، أعلنت هيئة الحكام بمسابقة مالك جندلي الدولية للشباب في العزف على البيانو فوز الأميركية من أصل كوري كيونا ليم روز (14 عاما) بالجائزة الكبرى في مسابقتها السنوية. إذ استطاعت كيونا إبهار الحكام بإحساسها وأسلوبها الفريد وتغلبت على 29 متسابقا من مختلف أنحاء العالم، من كندا، وتونس، وفرنسا، والبرازيل، وسوريا، والولايات المتحدة، ومصر. وتناصفت المركز الثاني التونسيتان أميرة كناني (14 عاما)، وليلى شلبي (16 عاما)، في حين نال جائزة المركز الثالث أحمد محمود (18 عاما) من مصر. وضمت هيئة الحكام الملحن والمايسترو الأميركي توماس لودوينغ والبروفسور محمد الصعيدي. وحول أهم أهداف المسابقة، قال المؤلف الموسيقي وعازف البيانو السوري مالك جندلي في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن «الهدف الرئيسي من المسابقة الدولية هو استقطاب وتحفيز المواهب الشابة على البحث عن هوياتهم الثقافية في العالم كله وبالأخص في العالم العربي». وأضاف جندلي: «هذه أول مسابقة دولية يقوم بها فنان عربي في المهجر».
من أحد متطلبات المسابقة أن يعزف المتسابق مقطوعة على البيانو من بلده الأم والمقطوعة الثانية تحت اسم «يافا» من تأليف جندلي. وذلك لتعريفهم على هويتهم الثقافية التي عادة تكون مهمشة لأن الرائج أن يعزفوا مقطوعات كلاسيكية غربية لبيتهوفن وموزارت فقط، بحسب جندلي الذي أوضح أن «الهدف الثاني بناء جسور بين الثقافات والحضارات والشعوب بفضل التكنولوجيا والفضاء الحر (العالم الافتراضي) الذي يتيح التواصل مع كل الشباب في كل أنحاء العالم للمشاركة في هذه المسابقة كل عام».
وتسلم الفائزون دعوات لحضور حفل جندلي المقرر إقامته بقاعة كارنيغي للموسيقي في نيويورك في 6 فبراير (شباط) 2016 ليتسلموا جوائزهم. وعن حفله السنوي في تلك القاعة قال جندلي: «قاعة كارنيغي أنشأها مهاجر أيضا لتكون مركزا ثقافية للناس أجمع». وأردف بقوله: «أن يعزف المتسابقون في هذه القاعة يعد فرصة عظيمة لهم حيث سيعزفون أمام أساتذتهم وأهاليهم وسفراء دولهم وستكون الفعالية وكأنها محاولة لم شمل».
يذكر أن القاعة تحتفل هذا العام بالذكرى السنوية الـ125 لتأسيسها. وسيطرح جندلي سيمفونيته الأخيرة تحت عنوان «إشراق» لأول مرة خلال الحفل مع الفرقة الفيلهارمونية الكرواتية التي تحتفل بعيدها الـ145.
ومن اللافت أن قائد الأوركسترا الكرواتي كريزيمير باتينيش وكل أعضاء الفرقة تضامنوا مع مشروع جندلي لبناء جسور ثقافية بين الشعوب ونشر رسالة السلام في العالم. وحول ذلك، قال جندلي: «لقد أدرك الشعب الكرواتي من خلال معاناته ويلات الحرب في القرن الماضي أهمية دور الفن في المحافظة على الهوية الثقافية، وها هم الكرواتيون اليوم يشاركون شعوبا أخرى للمطالبة بحقوقهم المشروعة من أجل الإنسانية».
كما سيُطلق جندلي في قاعة كارنيغي ألبومه الجديد «سوهو» نسبةً إلى حي سوهو بنيويورك. ويقدم الفنان في هذا المشروع مؤلفاته لآلة العود بريشة البروفسور السوري عبد الرحيم الصيادي وتقاسيم الموسيقى العربية الأصيلة بطريقة مبتكرة تواكب مستجدات في الموسيقى العالمية. يتميز هذا الألبوم بكيفية طرح الألحان السورية وإيقاعات الموسيقى العربية من الموشحات والوصلة الحلبية ضمن ثلاثي فريد من نوعه بتشكيلته وتطبيقه نظريات الهارموني المعاصرة برفقة عازفة التشيللو الأميركية لورا متكاف. وقال: «ألحان الألبوم مستوحاة من طريق الحرير والموشحات العربية في قالب كلاسيكي راق». وأضاف: «نطرح آلة العود في المكان الملائم مع ألحاننا العريقة وسيكون الريع الكامل لتذاكر الحفل ومبيعات الألبوم للمساعدات الإنسانية للأطفال السوريين».
وتكمن أهمية مشروع جندلي الإنساني في إيصال صوت أطفال سوريا إلى العالم من خلال الموسيقى الجادة. ويعلق: «عنوان وألحان سيمفونية الإشراق مستوحاة من بريق عيون أطفال المخيمات وأناشيدهم ورسوماتهم». وأضاف: «الشعب السوري شعب عريق وعظيم جدا، وهو شعب بلاد الرافدين مهد الحضارات والديانات وفي آخر الأمر نحن بشر مثل أي أمة نطالب بحقوقنا المشروعة».
ويأتي طرح هذا العمل الفني في وقت تنادي فيه منظمة الأمم المتحدة بحماية الآثار والتراث الثقافي في سوريا من خلال مشروع «حماية التراث السوري»، حيث أشارت منظمة اليونيسكو إلى أن الوقت قد حان «لإيقاف التدمير وضرورة الحفاظ على تراثنا الإنساني المشترك من أجل السلام».
ويتطابق هذا النداء العاجل مع أهداف مشاريع جندلي المستمرة منذ أعوام بدءًا من «أصداء من أوغاريت»، و«صوت أطفال سوريا الأحرار»، و«طائر الفينيق في المنفى»، و«السيمفونية السورية»، وصولاً إلى «سيمفونية إشراق» الجديدة. وعن تطلعاته واهتماماته بهذه الأعمال، أكد الجندلي أنها «كلها أمل؛ فمن عنوان الجولة العالمية (صوت أطفال سوريا الأحرار) كل اهتمامي يتمحور حول الطفولة والأمل والمستقبل». وأضاف موضحا: «الرسالة هي رسالة أمل ومحبة وسلام وهذه هي رسالة الشعب السوري الذي يطالب بكرامة وحقوق مشروعة». واستطرد بقوله: «الموسيقى خير مثال لجمع البشر وتوضيح هذه الرسالة السامية وهذا لسبب بسيط وهو اختلاف الموسيقى عن مختلف الفنون لأنه لا يمكن للإنسان أن يلمس أو يرى الموسيقى ولا يمكن تدميرها ولذلك هي قوة ناعمة فعالة وهادفة وملتزمة جدا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».