طرق مبتكرة لإزالة البقع النفطية في البحار

مغنطة البقع الزيتية وإسفنج يمتص ما يعادل وزنه 50 مرة وشبكات نانوية

طرق مبتكرة لإزالة البقع النفطية في البحار
TT

طرق مبتكرة لإزالة البقع النفطية في البحار

طرق مبتكرة لإزالة البقع النفطية في البحار

يمكن لبقعة زيتية (نفطية) طافية على سطح بيئي مائي أن تلحق أضرارًا بالبيئة والإنسان تفوق سعرها بعشرات المرات. وأدى تسرب النفط من الحاملة «بريستيج» مقابل سواحل إسبانيا الأطلسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 إلى تسرب نحو 20 ألف طن من النفط الخام إلى مياه البحر من أصل حمولة تبلغ 70 ألف طن. تلوثت شواطئ إسبانيا والبرتغال بطول مائتي كم بفعل بقعة زيت «بريستيج» الكبيرة التي قدرت منظمة «السلام الأخضر» مساحتها من الجو بنحو 30 كم مربعًا، فضلاً عن عدد لا يحصى من البقع الأصغر. وقبل خمس سنوات ونصف حصل انفجار في محطة إنتاج النفط العائمة «ديب ووتر هورايزون»، في خليج المكسيك أدى إلى تسرب 8 ملايين لتر من النفط إلى البحر خلال بضعة أسابيع. وما زال علماء البيئة يلتقطون بقايا الطيور والأحياء البحرية التي خنقها نفط ديب ووتر حتى الآن.
وثبت حتى الآن بأن الطرق السائدة لامتصاص البقع النفطية من البحار بطيئة ومكلفة جدًا، بل أن بعضها يفوق بسعره سعر النفط المتسرب، وتكلفة الأضرار البيئية. وجاء في تقرير للبنك الدولي للبيئة أن التخلص من البقع الزيتية عن طريق رشها بالمواد الكيماوية من الطائرات يلحق أضرارا بالبيئة أكثر مما يلحقها النفط المتسرب نفسه.
الاكتشاف الجديد في مجال مكافحة البقع الزيتية لم يأت من الشركات المتخصصة ولا من مراكز البحوث المتقدمة المنتشرة في العالم، وإنما من أميركي محب للبيئة، تضررت بيئته قرب خليج المكسيك بفعل التسرب في المحطة النفطية العائمة. ويقول آردن وارنر وزوجته إنهما تساءلا بشكل ساذج حينها ما إذا كان من الممكن «مغنطة» البقعة الزيتية وسحبها من محيط الخليج إلى الساحل. ومن يومها صار يجري التجارب في قبو بيته باستخدام مغناطيس مستمد من ثلاجة (براد) قديمة وباستخدام زيت المحركات القديم وبعض النفط. وأثمرت تجاربه أخيرًا بطريقة جديدة يأمل أن يلتزمها العالم ويطورها بهدف توفير الحماية للبيئة البحرية من النفط المتسرب.
وذكر وارنر أنه، في تجاربه المنزلية، رش أملاح الحديد على النفط فامتزجت المادة مع النفط الخام العائم، ثم تمكن من سحبها بواسطة المغناطيس. ويبدو أن مركز الأبحاث العلمية الأميركي «فيرميلاب» مهتم بالنتائج التي توصل إليها وارنر وزوجته، لأنه نشر نتائج البحث على موقعه. وجاء في الموقع أن أملاح الحديد كونت كتلة متماسكة مع النفط الخام، مما أمكن سحبها بسهولة بواسطة المغناطيس.
وما اعتبره وارنر ثوريًا في عالم البيئية، وفي تقنيات التخلص من البقع النفطية، هو أنه استخدام أملاح حديد توجد بكثرة في البحر، وعلى شواطئ البحر بالذات. وعلى هذه الأساس فإن طريقة سحب النفط بالمغناطيس لن تلحق ضررًا بالبيئة، ثم إنها قليلة التكلفة وسريعة.
نال وارنر وزوجته براءة الاختراع الخاصة بـ«مغنطة البقع الزيتية» من السلطات الأميركية، خصوصًا بعد أن استكمل فكرته بحل مهم ثان. إذ توصل وارنر إلى طريقة لفصل كتلة أملاح الحديد والنفط عن المغناطيس، كما طور طريقة أخرى لفصل الأملاح عن النفط بغية استخدامهما مجددًا.
قبل طريقة «مغنطة البترول» توصل العلماء السويسريون من مركز أبحاث المادة «إيمبا» إلى إنتاج مادة من السليلوز النانوي الطبيعي يعد بتنظيف البحار من البقع الزيتية العائمة، الناجمة عن التسرب أو عن غرق ناقلات النفط الضخمة، بطريقة سهلة وسريعة واقتصادية.
والمادة السليلوزية عبارة عن نوع آلي من «الإسفنج»، الذي يشكل الورق القديم والقش أساس مادته، يمتص النفط بقوة لكنه لا يمتص الماء، وهو ما يميزه عن الإسفنج العادي. وقال الباحثون إن «الإسفنجة السليلوزية» تمتص زيتًا يعادل وزنها 50 مرة. وتبقى بعد هذا الإنجاز الحاجة إلى جمع ونقل الإسفنج المنتفخ بالنفط من البحر.
أما العلماء في جامعة أوهايو الأميركية فقد توصلوا إلى طريقة تحاصر بقع الزيت المتسربة إلى المياه وتمنعها من التوسع. ويعود الفضل في ذلك إلى الباحث باهارات بوهشان المتخصص بالتقنية النانوية في هذه الجامعة الأميركية. إذ إنه اخترع شبكة ذات ثقوب نانوية، ومصنوعة من حديد خاص، تسمح للماء بالمرور عبرها، لكنها تمنع البترول من اختراقها.
وقال الباحث الأميركي إن سعر الشبكة لا يزيد عن 10 دولارات للمتر المربع، وهذا يعني إمكانية تحميل شبكات من هذا النوع على البواخر لمحاصرة بقع زيتية متوسطة. وأشار إلى أنه قلّد في إنتاج الشبكة النانوية زهرة اللوتس التي يعرف العلم أن سطوحها طاردة للماء والغبار، بل أن العسل يسيل من عليها ويسقط دون أن يترك أثرًا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».