بلدة في قلب الولايات المتحدة تضم 12 مسجدًا

تنتخب مجلسًا بلديًا غالبية أعضائه من المسلمين

مسجد في هامتراميك الأميركية  -  تنتخب مجلسًا بلديًا غالبية أعضائه من المسلمين
مسجد في هامتراميك الأميركية - تنتخب مجلسًا بلديًا غالبية أعضائه من المسلمين
TT

بلدة في قلب الولايات المتحدة تضم 12 مسجدًا

مسجد في هامتراميك الأميركية  -  تنتخب مجلسًا بلديًا غالبية أعضائه من المسلمين
مسجد في هامتراميك الأميركية - تنتخب مجلسًا بلديًا غالبية أعضائه من المسلمين

في الشارعين الرئيسيين تتقاطع نساء بالحجاب والنقاب مع فتيات يرتدين بنطال الجينز الضيق، ورجال بلحى خفيفة وشباب بسراويل فضفاضة؛ إنه الحال في بلدة بولاية ميتشغن الأميركية.
كما يبرز رسم يغطي جدارا بأكمله لأحد المطاعم في الشارع الرئيسي في هامتراميك الأميركية التي تضم 12 مسجدا، إحدى الأمهات وابنتها ترتديان حجابا ووالدا معمما؛ مما يؤكد احتضان البلدة للمسلمين في حين تشهد بقية البلاد انقساما حولهم.
ودخلت بلدة العمال هذه في ولاية ميتشغن، وتبعد 15 دقيقة بالسيارة عن ديترويت، التاريخ الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كأول بلدة تنتخب مجلسا بلديا غالبية أعضائه من المسلمين. وبعد الاعتداءات في باريس ومجزرة سان برناردينو (كاليفورنيا)، يعتبر انتخاب هذا المجلس البلدي وجهة نظر مغايرة للتصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها دونالد ترامب، الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس، والداعي إلى إغلاق حدود الولايات المتحدة بوجه المسلمين. وقالت رئيسة البلدية كارين مايفسكي إن «هامتراميك تؤكد ما ينبغي أن تكون عليه أميركا: أرض الفرص» معربة عن اعتزازها بإيواء لاجئين سوريين قبل فترة وجيزة. وضمن مساحة ستة كيلومترات مربعة، تنتشر المنازل الصغيرة وغالبا من طابق واحد بشكل متلاصق. وتنقل محلات البقالة والمطاعم الخاصة بكل جالية الزائر إلى الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وبولندا، كما ينتشر باعة اللحم المشوي جنبا إلى جنب مع المطاعم الهندية.
وفي وسط البلدة، تم تشييد مسجد الإصلاح، الأكبر بين 12 مسجدا، قبالة إحدى الكنائس. منذ عام 2004، يرفع المؤذن صوته خمس مرات يوميا داعيا إلى الصلاة من مئذنة أقيمت كيفما اتفق.
وقال مسعود خان المسؤول عن المسجد: «ليس لدينا مشكلة هنا مع البولنديين، ولا مع السود. نعيش معا في سلام»، مشيرا إلى العطلة خلال أعياد المسلمين، مع إغلاق المدارس والمباني العامة في البلدة.
وعلى مسافة خمس دقائق سيرا يرتفع تمثال للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني للتذكير بالتقاليد الكاثوليكية في هذه البلدة التي بناها مهاجرون ألمان عام 1910.
وسرعان ما تحولت بعدها إلى معقل للمهاجرين البولنديين الفارين من القوانين التي تضمنت تمييزا ضدهم في ديترويت.
وكان أحد أبناء عم يوحنا بولس الثاني عضوا في المجلس البلدي في المدينة إبان الأربعينات والخمسينات.
وقد تقلصت أعداد المهاجرين البولنديين من 90 في المائة من السكان عام 1970 إلى 12 في المائة من أصل أكثر من 22 ألف نسمة اليوم، وفقا للمؤرخ تاديوش راديلوفسكي.
وأضاف أن معظمهم استقروا في أحياء الضواحي. وهناك أيضا هجرة مستمرة من السود من هذه البلدة. وفي الوقت نفسه، ارتفعت نسبة المهاجرين من بنغلادش (20 في المائة) واليمن (23 في المائة) والبوسنة (7 في المائة)، يجذبهم انخفاض معدل الجريمة، وسوق العقارات الجيدة وطفرة في صناعة السيارات، وفقا للمؤرخ.
لكن عددا من المصانع التي تزود «الثلاثة الكبار» (جنرال موتورز، وفورد، وكرايسلر) بمعدات أغلقت أبوابها. وباتت البلدة تضم الرقم القياسي لأعلى معدلات الفقر في ولاية ميتشغن. أمام كنيسة القديس فلوريان، حيث لا تزال خدمة القداس بالبولندية، يقول الأب ميريك فرانكوفسكي إن التحول الديموغرافي والسياسي السريع للبلدة يثير القلق بين الأجيال الأكبر سنا.
وأضاف الكاهن: «إنهم يخشون أن تفقد البلدة تماما طابعها الأوروبي الشرقي»، مؤكدا أن شبانا مسلمين يعرقلون المواكب الدينية، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. بدوره، يثير المؤرخ المخاوف من أن يؤدي التطرف إلى اختفاء الاحتفالات البولندية، بما في ذلك يوم ثلاثاء الشكر الذي يسبق الصوم الكبير لأن مجلس البلدة بأيدي غالبية مسلمة. لكن رئيسة البلدية قالت: «نحن معروفون بالحياة الليلية، ومطاعمنا وحاناتنا، فهذا جزء مهم من هويتنا وحيويتنا الاقتصادية. ومن المهم عدم وضع حدود لذلك». من جهته، عبر انعام مياح، أحد أعضاء المجلس الأربعة المسلمين وهو من مواليد بنغلادش، عن اعتزازه بـ«التنوع الثقافي في مجتمعنا». ويفضل الكثير من السكان الحكم على الغالبية الجديدة بحسب قراراتها، مثل جوان بتنر التي تدير متجرا للهدايا التذكارية، التي قالت: «أنتظر ما الذي سيفعلونه». ولا تزال لافتات بيع الكحول حاضرة بقوة في كل مكان في الوقت الحالي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».