جزر بيئية تنمو ذاتيًا من بلاستيك البحار

تتسع كل منها لمعيشة 20 ألف إنسان

جزر بيئية عائمة تنمو مع نمو النباتات البحرية
جزر بيئية عائمة تنمو مع نمو النباتات البحرية
TT

جزر بيئية تنمو ذاتيًا من بلاستيك البحار

جزر بيئية عائمة تنمو مع نمو النباتات البحرية
جزر بيئية عائمة تنمو مع نمو النباتات البحرية

تتحدث منظمة «أوشن كير» عن نفايات بلاستيكية تتجمع في 5 مستعمرات رئيسية في بحار ومحيطات العالم، وتتجمع هذه النفايات هناك بفعل حركة الموج وتنوعات التيارات المائية. وتعتبر المستعمرة الكبيرة في شمال المحيط الأطلسي أكبر هذه المستعمرات.
وقارنت سيلفيا فير، من «أوشن كير»، مساحة مستعمرة البلاستيك في شمال الأطلسي بمساحة بلدان وسط أوروبا مجتمعة. وهي كميات هائلة من الأكياس والقناني تتجمع على سطح الماء، وتمتد في الماء إلى عمق 100 و200 متر. وإذ يستقر75 في المائة من هذه النفايات البلاستيكية في قاع المحيط، في المناطق غير العميقة منه، تبقى نسبة 15 في المائة منها عائمة على سطح الماء، بينما تتوزع نسبة الـ15 في المائة المتبقية على الشواطئ.
للتخلص من هذه الجزر العائمة من نفايات البلاستيك يقترح المهندس البيئي البلجيكي (المقيم والعامل بباريس) فنسنت كاليبو تحويلها إلى جزر بيئية عائمة تنمو مع نمو النباتات البحرية، التي تدخل في تركيبتها، ويمكن أن تتسع كل منها لمعيشة 20 ألف إنسان.
وقدم المهندس كاليبو مشروعًا متكاملاً إلى المنظمات البيئية العالمية يقترح فيه جمع نفايات المستعمرات البلاستيكية بواسطة زوارق خاصة، وإعادة تدويرها بعد مزجها مع الطحالب والأشنات البحرية إلى بلاستيك بيئي، ومن ثم تكوينها بالأشكال المطلوبة بواسطة جهاز الطباعة الثلاثي الأبعاد (المجسم). ويقول كاليبو إن قطع البلاستيك المدور مع الأشنات قابلة للنمو ذاتيًا بمرور الوقت مع نمو النباتات البحرية فيها.
أطلق كاليبو على جزره البلاستيكية النباتية العائمة اسم «أكويريا Aequorea» وقدم على أساسها مخططات هندسية تظهر الشكل المستقبلي الجميل لهذه الجزر. ويفترض أن الجزر، كما هي الحال مع مستعمرات نفايات البلاستيك، لا تنمو فوق سطح البحر فحسب، وإنما تحت السطح أيضًا. وزود المهندس البيئي الجزيرة من الأسفل باستطالات تشبه الأبراج تتسع لسكن المزيد من البشر، أو كمخازن وأقبية، وتمنح الجزيرة ثباتًا ضد حركة الأمواج والريح والعواصف والزلازل.
وواقع الحال، وعندما يشاهد المرء تصاميم كاليبو الهندسية، يلاحظ أن هذه الجزر ليست واطئة، وتشبه بالتالي الجزر الصخرية التي ترتفع قممها إلى عدة مئات من الأمتار. ويقول كاليبو نفسه إن ارتفاع الجزيرة إلى الأعلى، وامتدادها إلى الأعماق يحولها إلى «ناطحات محيطات» لا يقل ارتفاعها عن ارتفاع ناطحات السحاب.
ويتصور كاليبو أن تعتمد الجزر «المطبوعة»، الخارجة من جهاز الطباعة المجسم، على نفسها ذاتيًا في توفير الطاقة البديلة، وفي توفير مياه الشرب والغذاء لآلاف البشر. وفضلاً عن الطاقة المستمدة من الشمس والريح ومياه البحر، يقترح المهندس، للكهرباء الداخلية، استخدام نوع من الطحالب المشعة التي تحتوي على إنزيم يطلق الضوء عند تفاعله مع الأكسجين.
وطبيعي ستكون الطحالب والأشنات والأسماك والأصداف الطعام الأساسي لسكان الجزيرة البلاستيكية البيئية التي يعيش عليها نحو 20 ألفًا. هذا إضافة إلى الفواكه والخضراوات التي سيجري زرعها على سطح جزيرة «أكويريا».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».