مصر تحتفي بمرور 150 عامًا على أول طابع بريد بمعرض لتاريخ «البوستة»

يضم طوابع نادرة توثق لأحداث وشخصيات تاريخية

مجموعة طوابع بفئة 5 مليمات، أول الطوابع المصرية صادر عام 1866
مجموعة طوابع بفئة 5 مليمات، أول الطوابع المصرية صادر عام 1866
TT

مصر تحتفي بمرور 150 عامًا على أول طابع بريد بمعرض لتاريخ «البوستة»

مجموعة طوابع بفئة 5 مليمات، أول الطوابع المصرية صادر عام 1866
مجموعة طوابع بفئة 5 مليمات، أول الطوابع المصرية صادر عام 1866

لوحات فنية مصغرة تعكس وقائع التاريخ، هي ما ضمه المعرض الإقليمي الثالث لطوابع البريد، الذي أقيم بمناسبة الاحتفال بمرور 150 عاما على صدور أول طابع بريد مصري، ويحتضنه مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا المصرية، ونظمته الجمعية المصرية لهواة طوابع البريد برعاية وزارة الثقافة، والآثار والاتصالات والتعليم، وجامعة الدول العربية، والبريد المصري، والاتحاد الأوروبي للبريد.
شارك في المعرض عدد من هواة الطوابع من عدة دول منها: إنجلترا، وإيطاليا، وقبرص، واليونان، والسعودية، والإمارات، والكويت، وسوريا، والعراق، ولبنان، وسلطنة عمان، والبحرين. وقام بافتتاحه عصام الصغير، رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية المصرية للبريد، والمهندس إبراهيم محلب مستشار رئيس الجمهورية.
ضم المعرض مجموعات نادرة من الطوابع من مختلف الدول المشاركة، فضلا عن مجموعة من كروت البوستال والمراسلات الهامة التي تكشف عن محطات تاريخية هامة، تعود لنهايات القرن التاسع عشر والقرن العشرين الحافل بالأحداث، مثل: تتويج الملوك، أو أحداث سياسية فارقة، مثل: معاهدة 1936 الشهيرة بين مصر وإنجلترا، وحفل تتويج الملك فاروق الأول، وإعلان الوحدة بين مصر وسوريا. كما يمكن من خلال التجول بين المعروضات رصد التحولات الثقافية التي مرت بها مصر أثناء فترات الهيمنة الفرنسية على اللغة المستخدمة في كل المؤسسات الرسمية للحكومة المصرية، ثم تحولها إلى اللغة الإنجليزية ثم التحول التام للغة العربية.
وثق المعرض لتاريخ صناعة طوابع البريد المصرية، التي طبعت لأول مرة في «جنوة» بإيطاليا عام 1866 وكانت فئاتها 10 و20 بارة، و1، 2، 5 قروش (البارة عملة مصرية منقرضة تساوي ربع المليم، والجنيه يساوي 100 قرش، والقرش يضم 10 مليمات). وتم تمصير طوابع البريد بعد ذلك في عام 1867، حيث طبعت الطبعة الثانية في مطبعة «برناسون» المجرية بمدينة الإسكندرية، ثم صدرت الطبعة الثالثة في سنة 1872 بالمطبعة الأميرية ببولاق.
عصام الصغير، رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد قال: «إن أول مجموعة طوابع عادية صدرت أول يناير 1866 وكانت تضم سبعة طوابع وإن تلك الطوابع كانت تحمل نقوشا عثمانية وكتب عليها «بوستة – تمغاي، بينما صدرت طوابع المناسبات (التذكارية) لأول مرة عام 1925».
وتعود قصة البريد في مصر إلى عهد الفراعنة، حيث قاموا بتنظيم نقل البريد خارجيا وداخليا، وكانوا يستخدمون سعاة يسيرون على الأقدام يتبعون ضفتي النيل في ذهابهم وإيابهم داخل البلاد، ويسلكون إلى الخارج الطرق التي تسلكها القوافل والجيوش. واستمر البريد في مصر بعد استيلاء الرومان عليها، وحتى الفتح العربي لها. كما اهتم العرب بالبريد واستخدموه في نقل أخبار الدولة والولاة وإلى الخليفة، كما ساروا على النظام نفسه الذي وضعه الفرس والبطالمة من قبل، ويعتبر محمد علي هو أول من فكر في إنشاء البريد لنقل الرسائل الرسمية في العصر الحديث. وكان أول مكتب بريد في مصر قد أنشئ في مدينة الإسكندرية وأسسه الإيطالي كارلو ميراتي في شارع البحرية أمام باب «الكراستة»، لوجود عدد كبير من أفراد الجاليات الأجنبية الذين تجري بينهم وبين مواطنين بلادهم عدد كبير من المراسلات اليومية. وبدأ نقل الرسائل من السفن التي تصل إلى الميناء ويوزعها أو يرسلها إلى المرسل إليهم. وعندما قررت الحكومة الإنجليزية في عام 1835 إرسال البريد من إنجلترا إلى الإسكندرية مرة كل شهر في طريقه إلى الهند كان كارلو ينقله إلى السويس، حيث يسلمه لسفن شركة الهند الشرقية فتحمله إلى الجهات المرسل إليها، وفي عام 1843م قام كارلو بجمع وتوزيع البريد بين القاهرة والإسكندرية، وبعد ذلك امتد إلى المدن الرئيسية بالدلتا، ولما توفي كارلو خلفه في مؤسسته التي عرفت باسم «البريد الأوروبي» أبناء أخته وهم إخوان «تشيني» ثم ضموا إليهم في سنة 1847 «جياكمو موتسي» الذي أصبح مديرًا عامًا «للبوستة» المصرية فيما بعد، لكن ظلت الإسكندرية المنفذ الرئيسي لاستقبال وإرسال البريد المصري.
وفي عام 1864 انتبهت الحكومة إلى أهمية «البوستة» فقامت بشرائها وانتقلت ملكيتها في 2 يناير 1865 الذي أصبح «يوم البريد المصري».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».