إرهاب في صورة مختلفة.. وربما أكثر خطورة

المثلث العملاق: امتداد جغرافي مقلق للقوى المرتبطة بتنظيم القاعدة

أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم {داعش}
أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم {داعش}
TT

إرهاب في صورة مختلفة.. وربما أكثر خطورة

أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم {داعش}
أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم {داعش}

يبدو أن حالة النكران التي كان من الواضح أنها تهيمن على تقييم معظم القادة الأميركيين والأوروبيين لوضع تنظيم القاعدة خلال السنوات الثلاث الماضية قد انتهت؛ فقد أشار اثنان من كبار المسؤولين بالاستخبارات الأميركية خلال الشهر الماضي بوضوح أمام الكونغرس إلى أن التنظيم يشهد تحولا جذريا حيث تتزايد الجماعات التابعة له ويوسع نفوذه على الساحة العالمية. وبالمثل، تحدث رئيس المخابرات البريطانية الخارجية (إم آي 6)، جون سويرز، إلى البرلمان البريطاني قائلا: «علينا التعامل مع بزوغ تنظيم القاعدة وإنشائه لأفرع جديدة في عدد من البلدان الجديدة»، مضيفا: «ليس هناك أدنى شك أن الخطر يتزايد».
مما لا شك فيه أن هذه التقييمات مختلفة تماما عن النبرة التي كنا نستمع إليها قبل سنة على كلا جانبي الأطلسي، فقد ظهر الخطاب الذي يروج إلى أفول نجم تنظيم القاعدة في العواصم الغربية في بداية عام 2011، حيث بثت الشهور الأولى لما يطلق عليه الربيع العربي الأمل في نفوس المراقبين الغربيين وهم يشهدون آلاف المتظاهرين في أنحاء العالم العربي يقاتلون من أجل الديمقراطية ولا يتبنون شعارات «القاعدة» أو مثلها. وكانوا يقولون إن رسالة «القاعدة» منيت أخيرا بالهزيمة، مؤكدين أن الديمقراطيات التي ستبزغ من رماد الأنظمة الطغيانية لمبارك وبن علي والقذافي سوف تدفع العرب والمسلمين بعيدا عن قيم ذلك التنظيم.
بالإضافة إلى أن مقتل أسامة بن لادن في مايو (أيار) 2011 عزز ذلك الخطاب الحالم، حيث نظر إلى الواقعة باعتبارها المسمار الأخير الذي جرى دقه في نعش «القاعدة». ووفقا لهذا الخطاب، لم يمن التنظيم فقط بالهزيمة على المستوى الآيديولوجي عبر خروج جماهير المسلمين إلى الميادين للمطالبة السلمية بالديمقراطية. ولكن التنظيم أصبح أيضا على المحك حيث لم يعد بإمكان قياداته تنفيذ أي هجمات مؤثرة، بل إنهم أصبحوا يختبئون لحماية أنفسهم. وبناء عليه فإن الحرب على الإرهاب (الذي أصبح ينظر إليه باعتباره مصطلحا بائدا وعتيق الطراز) يمكن أن يستبدل بها عمليات متفرقة محدودة النطاق تستهدف أفرادا أو جماعات محددة؛ فقد كان الغرب الذي رزح تحت وطأة عقد كامل من المواجهات العسكرية والسياسية تواقا لتقليل خطر إرهاب «القاعدة» إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) والذي كان يقتصر على كونه إزعاجا ومسألة تتعلق بإنفاذ القانون ليس لها سوى أهمية ثانوية. وتزعم أوباما، الذي كان دائما ما يعرب عن انتقاده الواضح لرد الفعل الأميركي المبالغ فيه في أعقاب هجمات 11-9 ويؤكد على رغبته في توجيه الاهتمام إلى الاقتصاد المحلي والأجندة الاجتماعية، ذلك الاتجاه. وبالمثل كان الأوروبيون الذين تأثروا على نحو أكبر بالأزمة المالية والتوترات الناجمة عن الحرب على الإرهاب داخل جالياتهم المسلمة، تواقين لتقليل أهمية القضية.
القوى المرتبطة بـتنظيم القاعدة
ومع ذلك، حذر الكثيرون، بداية من وكالات الاستخبارات الغربية وصولا إلى القيادات العربية، من ذلك التفكير الحالم، وأثبتت أحداث العام ونصف العام الماضي أنهم كانوا محقين في تلك التحذيرات. ومع ذلك، حاول المسؤولون الأميركيون تصوير حقيقة أن القوى المرتبطة بـ«القاعدة» تستحوذ على مساحات واسعة من الأراضي في الصحراء الكبرى واليمن باعتبارها نكسات مؤقتة للربيع العربي. كما حاولوا أيضا التقليل من شأن هجمات سبتمبر 2012 على القنصلية الأميركية في بنغازي التي أسفرت عن مقتل السفير ستيفنز باعتبارها أعمال شغب عفوية ضد فيلم مسيء للإسلام. ولكن تلك الحالة من النكران لم تعد قابلة للاستمرار في ظل الأخبار التي تتردد يوميا من جميع أنحاء العالم والتي تؤكد أن تنظيم القاعدة في حالة تعاف.
والحقيقة هي أن تنظيم القاعدة يشهد ازدهارا يمتد جغرافيًّا من السواحل الأطلسية لأفريقيا ويمتد إلى كبرى مدن باكستان بالإضافة إلى بعض المناطق المتفرقة في الغرب.
وربما تكون أكبر المكاسب التي حققها التنظيم تلك التي كانت في القارة الأفريقية، حيث تنشط الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة» في المثلث العملاق الذي تحده من الشرق سيناء وتنزانيا، وتحده نيجيريا وموريتانيا من الغرب. فقد تمكنت الكثير من الجماعات الجهادية من توسيع نشاطاتها في تلك الحدود الواسعة والغامضة التي لا تحظى بحماية أمنية، مستفيدة من الاضطرابات السياسية والفقر والموارد المحدودة للحكومات التي تهددها. ورغم هزيمتها على يد الجيش الفرنسي في مالي، ما زال تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وفروعه يجوب أنحاء الصحراء الأفريقية محققا المكاسب من الكثير من الأنشطة غير القانونية، ومدد الأسلحة الليبية الذي سهل الحصول عليه بعد سقوط القذافي. وقد أظهر هجوم يناير (كانون الثاني) 2013 على مجمع البترول بأميناس بوضوح أنه حتى أقوى الدول بالمنطقة، وهي الجزائر، يمكنها أن تتعرض لضربات حادة من التنظيم. وبالمثل، كانت الحكومة التونسية تخوض معركة شرسة ضد الميليشيات الجهادية العاملة في الجبال.
وبالاتجاه شرقا، نجد الكثير من الميليشيات الجهادية التي تمارس نفوذا قويا في جميع أنحاء ليبيا خاصة في منطقة «درنة» وتمثل خطرا جديا على الحكومة الوطنية الهشة. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الجماعات الجهادية تعزز أنشطتها في مصر، حيث لم تعد تهاجم فقط المنشآت الحكومية، ولكن أنشطتها امتدت إلى السائحين في إعادة إنتاج للآليات الكارثية التي كانت تمارسها في التسعينات من القرن الماضي. وفي أفريقيا جنوب الصحراء، تمثل آليات التنظيم القدر نفسه من الخطر. فرغم أن حركة الشباب لم تعد تسيطر على مقديشو وقطاعات واسعة من البلاد فإنها ما زالت قادرة على أن تمثل خطرا محدقا سواء داخل الصومال وفي الدول المجاورة (كما حدث في هجوم سبتمبر 2013 على المركز التجاري «وستجيت» بنيروبي). وفي نيجيريا، يبدو أن السلطات غير قادرة على السيطرة على «بوكو حرام» وعمليات القتل الواسعة التي تمارسها ضد المدنيين المسلمين والمسيحيين.

* «القاعدة القديمة»

* وليس من الصواب أن ننظر إلى كل هذه الجماعات باعتبارها تابعة لتنظيم القاعدة، حيث إن درجة ولاء تلك الجماعات للتنظيم الذي يقوده حاليا أيمن الظواهري تتفاوت إلى حد كبير، كما أن لكل منها أجندتها المحلية التي تعتمد على تكتيكات مختلفة. ولكن في الوقت نفسه، تتعاون تلك الجماعات من وقت لآخر بعضها مع بعض كما تتبنى جميعها آيديولوجيا التنظيم ورؤيته العالمية. ويبدو أن عدم القدرة على استيعاب هذه الفكرة الأخيرة هو ما دفع الكثيرين في الغرب إلى تبني الرؤية المتفائلة المتعلقة بأفول تنظيم القاعدة.
وبالفعل، وكما كان أوباما يكرر بحماس لسنوات طويلة، فإن تنظيم القاعدة في حالة تراجع. ولكن ذلك صحيح فقط فيما يتعلق بـ«القاعدة القديمة»؛ تلك الجماعة المنظمة التي نفذت عمليات 11-9 والتي تعرضت لأزمة كبرى إثر عدد لا يحصى من عمليات القوات الخاصة وهجمات الدرون في أفغانستان وباكستان. ولكن سيكون من الحمق أن نتجاهل حقيقة أن «القاعدة الجديدة» هي لغم غير مركزي من الجماعات الحرة التي تتبنى آيديولوجيا «القاعدة» وترى نفسها جزءا من الحركة العالمية التي يبدو أيضا أن الظواهري لا يملك سوى قدر محدود من السيطرة عليها. وفي هذا السياق يمكننا القول إن تنظيم القاعدة في طريقه إلى الأفول، ولكن «القاعدية» في طريقها للازدهار.
ورغم أن البعض يرى أن انعدام القيادة المركزية هو أحد دلالات ضعف التنظيم، يبدو أن الجهاديين لا ينظرون للأمر على النحو نفسه؛ ففي عام 2000، قال أبو مصعب السوري، الذي يعد أحد أهم المنظرين للحركة الجهادية خلال السنوات العشرين الماضية، إن تنظيم القاعدة ينظر إليه ككيان مؤقت، حيث إن وجوده مؤقت بغرض خلق المزيد من الجماعات الجهادية المستقلة في جميع أنحاء العالم، مضيفا: «القاعدة ليس تنظيما، وليست جماعة، ونحن لا نريدها كذلك. القاعدة دعوة ومرجع ومنهج».
وعلى نحو ما، جرى تحقيق ذلك الهدف؛ حيث إن كل جماعة تعمل تحت مظلة «القاعدة» تتحرك محليا وتفكر عالميا وتركز معظم قواها على قتال الأعداء المحليين، ولكنها في الوقت نفسه تشن هجمات على المصالح الغربية وتتبنى فكرة إنشاء الدولة الإسلامية العالمية.
ويبدو أن تأسيس الدولة، على الأقل على المستوى المحلي، هو هدف كل الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة. وفعليا، أشار الظواهري في كتابه الصادر في عام 2011 تحت عنوان «فرسان تحت راية النبي» إلى تأسيس الدولة باعتباره أكثر الأهداف الاستراتيجية أهمية بالنسبة لتنظيم القاعدة. وخلال السنوات القليلة الماضية في الصومال وشمال مالي، وفي مقاطعة أبين اليمنية، كلما سنحت فرصة نتيجة الفراغ السياسي، استحوذت الجماعات الجهادية على بعض المناطق وأعلنت على الفور تشكيل إمارة بها.
ولتحقيق ذلك الهدف، تحولت الكثير من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة من كونها جماعات إرهابية تعمل عبر خلايا صغيرة تختبئ في الكهوف أو في المباني السكنية إلى قوات منظمة شبه عسكرية تشارك في التمرد. واليوم، وبفضل عملية التحول تلك وضعف القوى التي تواجهها، تمكنت القوات الجهادية من السيطرة على مساحات من الأراضي أكثر مما حدث في أي وقت سابق.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن كل تلك الجماعات ترتكب الخطأ نفسه، ففور تمكنها من السيطرة على مساحة من الأراضي، سرعان ما تفقد تلك الجماعات الدعم الذي كانت تحظى به في البداية من السكان المحليين نظرا لفرضها تطبيق تفسيرها المتشدد من الشريعة بالقبضة الحديدية. وكان ذلك الخطأ، الذي جعل تنظيم القاعدة يفقد دعم القبائل السنية في الأنبار في 2006، يتكرر مرارا وتكرارا. وكان آخر تكرار لذلك الخطأ هو ما حدث في شمال سوريا حيث أدت الأساليب الوحشية التي اتبعتها «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ليس فقط إلى إثارة غضب الشعب السوري لها، بل حتى الجماعات الأخرى التابعة لتنظيم القاعدة مثل جبهة النصرة والظواهري نفسه.

* أخطاء الماضي

* ومن جهة أخرى، أثبت التاريخ أن الحركات الجهادية العالمية قادرة على التكيف والوعي بأخطاء الماضي؛ فقد كشفت الوثائق التي كشف عنها بعد سقوط مدينة تمبكتو المالية العام الماضي عن أن قيادة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي كانت تجري تحليلا استراتيجيا نقديا للأخطاء التي ارتكبتها في محاولتها تأسيس دولة في مالي؛ حيث كتب زعيم التنظيم أبو مصعب عبد الودود حول الدولة الإسلامية: «إن الطفل الحالي ما زال في الأيام الأولى يحبو ولم يقف بعد على قدميه. فإذا ما أردنا لذلك المولود أن يقف على قدميه في هذا العالم الذي يعج بالأعداء الذين يتحينون فرصة للقضاء عليه يجب أن نخفف أعباءه ونأخذ بيديه ونساعده وندعمه حتى يتمكن من الوقوف». ثم سرعان ما تبنت الجماعة توجها أكثر حنكة فيما يتعلق بالحوكمة والشريعة. وبالمثل، فإن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كان يحاول منذ زمن بعيد تأسيس علاقات طيبة مع الكثير من القبائل اليمنية خاصة عبر الزواج. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي وفي محاولة واضحة لتحسين صورتها بعد الكثير من الزلات، أعلنت الجماعة عن اعتذارها الرسمي عن مقتل المدنيين في الهجوم الذي شنته على المستشفى الملحق بوزارة الدفاع اليمنية.
لقد أقر الغرب أخيرا بأن تلك التطورات تعني أن تنظيم القاعدة لم ينهزم سواء على المستوى الآيديولوجي أو العملياتي، بل إنه غير شكله فقط إلى صورة مختلفة وربما أكثر خطورة. وأصبح من الواضح أن بعض الحركات التابعة للتنظيم تمثل خطرا وجوديا لمصالح الغرب وبعض حلفائه الرئيسين في العالم الإسلامي. كما أصبح من الواضح أن الأمن القومي للغرب ما زال معرضا للخطر، سواء خطر الأفراد الذين لا تربطهم صلة عملياتية بالجماعات التابعة لـ«القاعدة» ولكنهم يتبنون آيديولوجيتها (كما يتضح من حالة الإخوة تسارنييف المسؤولين عن العمليات التفجيرية بماراثون بوسطن) أو من الأفراد الذين يعودون للغرب بعد القتال إلى جانب الجماعات الجهادية (وهو ما يمكن أن يحدث بالنسبة لنحو ألفي أوروبي يقاتلون حاليا في سوريا).
ولن تتحسن قدرة الغرب على التقييم الصحيح لوضع تنظيم القاعدة إلا إذا قلل من الاهتمام الذي يوليه لتكتيكات الجماعة وركز على المناحي الآيديولوجية للحركة. وكما قال السوري، فإن جوهر «القاعدة» لا يعتمد على الأسلحة والتكتيكات العسكرية ولكنه يعتمد على الآيديولوجيا. وكما قال مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات الأميركية بمجلس النواب الأميركي والمنتقد الشرس لمقاربة إدارة أوباما تجاه الإرهاب، «فإن هزيمة الآيديولوجيا تتطلب ما هو أكثر من الهجمات بالدرون».

* باحث وكاتب إيطالي، خبير أكاديمي وأمني متخصص في الإسلام والعنف السياسي في أوروبا
وشمال أميرك



إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.