الهدن المحلية في سوريا متنفس للمدنيين حتى نضوج الحل السياسي الشامل

موسكو تعد أنّها تخلق جوًا إيجابيًا لتعزيز التسوية السورية ـ السورية

صورة عرضتها وكالة الأنباء السورية (سانا) لحطام لبقايا سيارة مفخخة انفجرت في منطقة تسيطر عليها الحكومة في حمص أمس وادت لمقتل 16 شخصا وجرح 100 أمس (أ.ب.إ)
صورة عرضتها وكالة الأنباء السورية (سانا) لحطام لبقايا سيارة مفخخة انفجرت في منطقة تسيطر عليها الحكومة في حمص أمس وادت لمقتل 16 شخصا وجرح 100 أمس (أ.ب.إ)
TT

الهدن المحلية في سوريا متنفس للمدنيين حتى نضوج الحل السياسي الشامل

صورة عرضتها وكالة الأنباء السورية (سانا) لحطام لبقايا سيارة مفخخة انفجرت في منطقة تسيطر عليها الحكومة في حمص أمس وادت لمقتل 16 شخصا وجرح 100 أمس (أ.ب.إ)
صورة عرضتها وكالة الأنباء السورية (سانا) لحطام لبقايا سيارة مفخخة انفجرت في منطقة تسيطر عليها الحكومة في حمص أمس وادت لمقتل 16 شخصا وجرح 100 أمس (أ.ب.إ)

لم يعد مئات الآلاف من السوريين، الذين يشهدون يوميا ومنذ خمس سنوات حلقات متواصلة من العنف والقتل، قادرين على التأقلم مع واقعهم المرير بانتظار قرار إقليمي - دولي كبير يضع حدا لمأساتهم المتواصلة، لذلك وجدوا بالاتفاقيات الداخلية والهدن المحلية والتي تتم معظمها بعد حصار خانق، متنفسا مؤقتا لهم، بانتظار بلورة اللاعبين الدوليين والإقليميين تسوية تؤسس لحل شامل لا يبدو أنّه قريب.
وليست سياسة الهدن التي يدفع باتجاهها وبمعظم الأحيان النظام السوري، جديدة، باعتبار أن أكثر من 35 عملية تفاوض على مستوى محلي، أُجريَت في أرجاء سوريا منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2011، نجحت آخرها بعقد اتفاق أدى لوقف إطلاق النار في حي الوعر في حمص ومغادر نحو ثلاثمائة مسلح وأربعمائة مدني إلى محافظة إدلب.
ويسعى نظام الرئيس السوري بشار الأسد وبشكل أساسي لإنهاء ملفات البلدات المحيطة بالعاصمة دمشق من خلال عقد اتفاقيات يتم على أثرها نقل مقاتلي المعارضة إلى إدلب بعد إنهاكهم والمدنيين المؤيدين لهم بحصار محكم يؤدي لرضوخهم لشروط القوات الحكومية، وهو ما حصل في قدسيا في ريف دمشق الغربي، وفي أحياء برزة والقابون وتشرين وبلدات بيت سحم ويلدا وببيلا ومعضمية الشام.
وفيما ترى منظمات دولية بالاتفاقيات المحلية فرصة لتخفيف معاناة المدنيين عبر الحد من مستويات العنف، وتوفير ملاذات آمنة داخل سوريا، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية، لا يبدو أن من ألزموا على السير بهذه الاتفاقيات راضون عما آلت إليه أوضاعهم. وهو ما تحدث عنه داني قباني، الناشط في المركز الإعلامي في معضمية الشام لـ«الشرق الأوسط»، مذكرا بأنّه تم الاتفاق على وقف إطلاق نار في المعضمية والدخول في مفاوضات هدنة بتاريخ 25/ 12/ 2015، وتم وضع بنود للعمل عليها بين طرفي النزاع وبالتحديد الفرقة الرابعة والتي تعد راعية المفاوضات واللجنة المفوضة من معضمية الشام، «ولكن البنود لم تنفذ على الإطلاق منذ ذلك التاريخ لتعنت النظام وطلباته المتكررة إما بتسليم السلاح الموجود بيد الجيش الحر، وإما بتشكيل لجان تابعة له داخل المعضمية وذلك ما لم يحدث». وأوضح قباني أنّه وبعكس ما نص عليه الاتفاق، «لم يتم كذلك رفع الحواجز الثلاثة المنتشرة على طول المعبر الوحيد للمدينة، حيث تقوم قوات النظام بعمليات تفتيش مهينة ومذلة»، لافتا إلى أنّه «ومنذ عام 2012 لا كهرباء في المعضمية، ولا مياه صالحة للشرب منذ تسعة أشهر ولا أدوية أو وقود أو غاز».
واعتبر قباني أن الهدن المحلية «ليست الحل المثالي ولا حتى الجذري لما يمر به سكان المناطق المحاصرة، وذلك لأنها عرضة في أي لحظة للانهيار»، لافتا إلى أنها «تعطي النظام فسحة من الزمن وفرصة لكي يعيد تأهيل نفسه ليُظهر للمجتمع الدولي أنه قادر على إعادة فرض نفسه عبر الحل السياسي، بينما هو بالحقيقة يرمي آلاف البراميل على داريا ومعضمية الشام، ويستعين بالمحتل الروسي ليقتل أطفال الغوطة الشرقية ويتعاون مع الأمم المتحدة لتغيير ديموغرافية سوريا عبر تهجير سكان حمص إلى إدلب».
بالمقابل، يرى رئيس مركز «الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» هشام جابر أنّه «وحتى لو لم تؤد التسويات المحلية إلى نتيجة أساسية على صعيد التسوية السياسية الشاملة، إلا أنها تبقى مفيدة وضرورية من الناحية الإنسانية، وخصوصا للمدنيين بعد حصار يدوم شهورًا وسنوات»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حين نتحدث عن هدن محلية، فنحن نتحدث عن حوار تكتيكي لا استراتيجي باعتبار أن البحث بحل سياسي شامل لا شك سيكون أكثر تعقيدا». وأشار جابر إلى أن «أولوية النظام هي دائما المناطق المحيطة بالعاصمة والمدن الكبرى، لذلك فإن الهدن لا تشمل الأرياف البعيدة بل دمشق والساحل والمنطقة الوسطى». ويبدو أن الطرف الروسي يتلقف بإيجابية الهدن المحلية التي يدفع باتجاهها حليفه السوري، والتي حّلت رحالها أخيرا في حي الوعر في حمص، وهو ما عبّر عنه غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي، مؤكدا تأييد موسكو لجهود المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لتحقيق الهدن المحلية في سوريا.
وقال غاتيلوف في ختام المشاورات الروسية الأميركية الأممية في جنيف: «نؤيد الهدن المحلية، أعتقد أنه يمكن خلق جو إيجابي لتعزيز التسوية السورية السورية»، وأضاف أن الاتفاقيات من هذا القبيل «تزيد من فرص وآفاق جعل الوضع في سوريا أكثر استقرارا».
ولا توافق قوى المعارضة السورية على الرؤية الروسية للهدن المحلية، إذ تشدد على أن الهدف الأساسي للنظام من خلالها تهدئة الصراع حول العاصمة دمشق، وهو ما عبّر عنه عضو الائتلاف السوري المعارض سمير نشار منتقدا «السياسة التي ينتهجها النظام لجهة تجويع السكان لدفعهم مجبرين للخضوع لشروطه للسير بالهدنة ووقف إطلاق النار». وقال نشار لـ«الشرق الأوسط»: «ما يعني النظام أولا وأخيرا هو أمن العاصمة، لذلك نراه لا يعمم سياسة الهدن على إدلب أو حماه والأرياف».
وبحسب تقرير أعده مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بالتعاون مع منظمة «أوكسفام»، فإن فصائل المعارضة المسلحة ترضخ في أوقات كثيرة لشروط النظام، وتوافق على وقف إطلاق النار نتيجة الضغوط التي تتعرض لها من المدنيين للانخراط في المفاوضات المحلية، باعتبار أنّه ثبت في كثير من الحالات أن القدرة على توفير الخدمات، تعتبر دافعًا قويًا لأطراف النزاع للتواصل والتعاون، وفي أغلب الأحيان أدى هذا التعاون إلى تحسينات مهمة وملموسة في الأوضاع الإنسانية.
وعد التقرير المذكور أن المفاوضات المحلية أنقذت حياة كثير من الناس، ورأى أن «المفاوضات التي أدت لوقف إطلاق النار في مدينة برزة في دمشق هي أحسن مثال على نجاعة التفاوض المحلي الذي أعاد الاستقرار للمدينة، ودفع نحو 30 ألفا من السوريين الفارين بالتفكير في العودة إليها».



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.