متحف الغزل في أربيل يعرض حضارة تمتد إلى آلاف السنين

نمط حياة ومنسوجات وآلات موسيقية تراثية

قاعة الملبوسات التقليدية
قاعة الملبوسات التقليدية
TT

متحف الغزل في أربيل يعرض حضارة تمتد إلى آلاف السنين

قاعة الملبوسات التقليدية
قاعة الملبوسات التقليدية

مفروشات متنوعة الألوان والتصاميم تزين حيطان متحف الغزل والنسيج الكردي في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، ويحتضن بين أروقته حضارة تمتد جذورها إلى آلاف السنين، أما المعروضات فيه فتنقسم ما بين ملابس نسائية ورجالية تراثية وحُلي وأدوات وعُدد قديمة تروي لزائرها قصص الحياة في كردستان القديمة.
«الشرق الأوسط» تجولت بين أروقة المتحف الذي يقع على الشارع الرئيسي في قلعة أربيل التاريخية، كما أنه يعتبر من المباني ذات التصميم المعماري القديم، ويتكون من طابقين، وباحة أرضية ذات سقف مفتوح ليدخل إليها ضوء الشمس فينير كل أجزائها، بينما تتوزع قاعات العرض في الأجزاء الأخرى.
المتحف يتألف من طابقين، الطابق الأرضي يضم أربع قاعات، إحداها تعرض نماذج لأنواع الملابس الكردية النسائية والرجالية وملابس الأطفال، وتضم إلى جانب الملابس الآلات الموسيقية التراثية كالمزمار والناي والبوق، فالشعب الكردي يعشق الموسيقى والفن منذ القدم. أما القاعة الثانية فتضم الإكسسوارات والمقتنيات المنزلية المصنوعة يدويا ونماذج من الأسلحة القديمة. وأما الثالثة فتشمل إلى جانب السجاد اليدوي أدوات الزراعة القديمة وأدوات غزل الصوف والشعر ونسجهما. والرابعة تُعرض فيها الأواني المنزلية ومجموعة من التوابل المصنوعة في كردستان وثمار البلوط والجوز وأنواع أخرى من المكسرات. أما الباحة الوسطية فتُعرض فيها أنواع مختلفة من سجاد الحائط ولوحات تصور الحياة القديمة في كردستان منسوجة يدويا من الصوف والشعر، وتعرض أيضًا أشكال مختلفة من الحقائب الصوفية. وكل موديلات السجاد اليدوي وآلة الغزل والنسيج اليدوية القديمة مصنوعة من الخشب والحبال.
أما الطابق العلوي فيحتوي على غرفة لعرض الأواني والإكسسوارات المنزلية المصنوعة يدويا من الفضة والفخار بالإضافة إلى نماذج من سروج الأحصنة المصنوعة يدويا من الصوف والجلد، وهناك مقهى مصمم بطابع تراثي لاستراحة الزوار. مقتنيات المتحف عبارة عن السجاد اليدوي واللُباد والمنسوجات اليدوية الأخرى والملابس المصنوعة بالغزل والنسيج من شعر الماعز وصوف الخراف. وتمثل كل واحدة منها قبيلة من القبائل الكردية المنتشرة في كل أرجاء كردستان. وكل قاعة خاصة لعرض المقتنيات التراثية لمناطق كردستان، على سبيل المثال يوجد قاعة خاصة لمنطقة سهل أربيل. الأشياء الموجودة في هذا المتحف أشياء قديمة ونادرة وضعت هنا للحفاظ عليها، لأنه من الصعب الحصول عليها أو صناعة مثلها الآن.
يقول سرتيب مصطفى المشرف على المتحف إنه يتوافد يوما أكثر من أربعين زائرا على المتحف، لأن بوابة القلعة المطلة على السوق لم تفتح بعد، وبالتأكيد إن فتحت فإن الزوار سيزدادون. جميع الملابس الرجالية منسوجة بالخيط، أما الملابس النسائية فهي خُيطت من الأقمشة القديمة، وكل تصميم يختلف عن الآخر ويمثل منطقة مختلفة من مناطق كردستان، خصوصا العاصمة أربيل، وقسم منها يعود للقبائل الكردية المتجولة، بالإضافة إلى الإكسسوارات الخاصة بهذه الملابس، من القلائد والأحزمة والخلخال والأقراط والأساور الفضية، والسِبح الرجالية والخناجر والأحذية المنسوجة يدويا والمسماة (كلاش).
افتتح المعرض عام 2004، وفي عام 2012 بدأ مشروع ترميمه الذي استمر عامين وافتتح مرة أخرى بعد الترميم بهيئة جديدة عام 2014، بعد إضفاء تغيرات على الإنارة والكتابات التوضيحية الموجودة في المتحف، لتكون متوافقة مع المقاييس الدولية للمتاحف.
وكشف مصطفى أن المتحف كان يمتلك معملا لصناعة السجاد، لكنه توقف الآن عن العمل. وبيّن بالقول: «قبل الأزمة الاقتصادية كان لدينا معمل لصناعة السجاد اليدوي تعمل فيه مجموع من النساء اللاتي دُربن على صناعة السجاد اليدوي، وكان يمول السوق بمصنوعاته، لكن بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الإقليم توقف هذا المعمل عن العمل ونحتاج إلى ممول من أجل إعادة تشغيله».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».