روسيا وتركيا: التصعيد تمهيدًا للتهدئة ورسم حدود النفوذ في شمال سوريا

يُرجح انتقال الأزمة إلى المجال السياسي على هامش قمة المناخ بباريس

روسيا وتركيا: التصعيد تمهيدًا للتهدئة ورسم حدود النفوذ في شمال سوريا
TT

روسيا وتركيا: التصعيد تمهيدًا للتهدئة ورسم حدود النفوذ في شمال سوريا

روسيا وتركيا: التصعيد تمهيدًا للتهدئة ورسم حدود النفوذ في شمال سوريا

بالنظر إلى حدة التصريحات الروسية في الأيام السابقة وخطورة الاتهامات التي وجهها مسؤولون روس إلى القيادة التركية، فإن العقوبات التي تبناها الكرملين تبدو ضمن الحد الأدنى، وتحمل رسائل في عدة اتجاهات. ذلك أنه ومع وجود رغبة لدى كثيرين في روسيا بتوجيه رد مناسب إلى تركيا يتجاوز المستوى الاقتصادي، إلا أن الجميع يدركون أيضًا أن الذهاب نحو قطيعة شاملة مع تركيا واعتماد رد يشمل قطع العلاقات الدبلوماسية وإلغاء كل مشاريع التعاون الاقتصادي الحساسة عمل سيحمل نتائج سلبية جدًا لروسيا أيضًا، في المجالين السياسي والاقتصادي وعلى المستويات الداخلية والخارجية. لذا، يُرجح أن تنتقل أزمة إسقاط تركيا للقاذفة الروسية «سو – 24» إلى المجال السياسي الذي قد يشهد أولى البوادر على هامش قمة المناخ بباريس اليوم.
ومن الواضح أن بوتين لم يكن مهتما بالتصعيد، ولذلك لم تطل العقوبات التي فرضها مجالات التعاون ذات الطابع الاستراتيجي بين موسكو وأنقرة، وفي مقدمتها الغاز الطبيعي، حيث تعتمد أنقرة في استهلاكها المحلي على الغاز الروسي بنسبة النصف تقريبًا، بينما تعلق روسيا الآمال على إنجاز مشروع «السيل التركي» للتخلص من الارتهان لشبكة الأنابيب الأوكرانية لنقل الغاز إلى السوق الأوروبية. كما لم تطل العقوبات مشاريع التعاون بين البلدين في مجال الطاقة النووية وتحديدًا مشروع تشييد روسيا محطة أككويو الكهروذرية في تركيا، بتمويل روسي مائة في المائة.
وفي أول ردود الفعل الروسية على العقوبات ضد تركيا، قال قسطنطين كوساتشيف رئيس لجنة الشؤون الدولية في المجلس الفيدرالي إن الرئيس التركي أظهر منذ الساعات الأولى لحادثة إسقاط الطائرة الروسية «مسؤولية لكن بالحد الأدنى». أما فرانتس كلينتسيفتش نائب رئيس لجنة الأمن الدفاع والأمن في المجلس الفيدرالي، فلفت إلى أن روسيا أبقت الأبواب مفتوحة طيلة أربعة أيام لسماع توضيح مقبول من الجانب التركي، لكن هذا لم يحدث.
ولم تكن التهدئة واحتواء الأزمة هاجسا روسيا فقط، بل ومسألة غاية في الأهمية بالنسبة إلى تركيا أيضًا التي تحرص هي الأخرى على استمرار علاقات التعاون المميزة مع روسيا. ولما كان من الصعب على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن يقدم اعتذارا رسميا لروسيا لأسباب كثيرة، بما في ذلك المتعلق منها بهيبة الرئيس والدولة على حد سواء، فقد اختار إردوغان عبارة للتهدئة قريبة من الاعتذار حين عبر عن «ندمه» على ما حدث، و«حزنه» لسقوط الطائرة الروسية، مشددًا على تمسكه بالعلاقات الطيبة مع روسيا، وداعيًا إلى لقاء مع بوتين لبحث الأزمة ومجال القضايا بين البلدين.
بعد هذه المستجدات التي تكشف عن رغبة لدى الجانبين الروسي والتركي بالتهدئة، يُرجح أن تنتقل أزمة إسقاط تركيا للقاذفة الروسية «سو – 24» إلى المجال السياسي، وأن يتم بحثها خلال اتصالات ولقاءات روسية - تركية، لا يستبعد أن تكون فاتحتها بلقاء غير مقرر بين بوتين وإردوغان اليوم في باريس على هامش قمة المناخ الدولية. وإن لم يتم هذا اللقاء فمن المرجح أن تتجه الأمور بداية نحو محادثات على مستوى وزراء الخارجية، تمهد للقاء أو اتصالات بين الرئيسين الروسي والتركي. وبغض النظر عن المستويات التي ستنطلق عليها محادثات التهدئة بين موسكو وأنقرة، فإنه من الواضح اليوم أن البحث السياسي بين الجانبين لن يركز على حادثة إسقاط الطائرة بحد ذاتها، بقدر ما ستكون المحادثات حول الأسباب أو المناخات التي تسببت بالحادثة، بما في ذلك النشاط العسكري الروسية والتركي في منطقة شمال سوريا وضرورة التنسيق الوثيق بين العسكريين الروس والأتراك لتفادي وقوع حوادث مشابهة.
ولا بد أيضًا من بحث المستوى السياسي من الأزمة بين موسكو وأنقرة، التي ترتبط بشكل مباشر بالأزمة السورية، لا سيما مناطق النفوذ، وتصنيف المجموعات المسلحة السورية لتحديد من يجب مواصلة توجيه الضربات إليه في سياق عملية التصدي للإرهاب من جانب روسيا وكذلك من جانب قوات التحالف الدولي. وستحرص أنقرة على إقناع موسكو بالكف عن قصف مواقع المعارضة السورية في شمال غربي سوريا. ولا شك أن المحادثات السياسية الروسية - التركية ستتطرق أيضًا إلى الموضوع الكردي وسعي روسيا لدعم الأكراد في شمال سوريا، فضلا عن المنطقة الآمنة التي تنوي تركيا إقامتها على الشريط الحدودي السوري مع تركيا، وجوانب أخرى غاية في الحساسية تتعلق بالتسوية السياسية السورية بشكل عام.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.