مهرجان مراكش السينمائي يستعرض تجارب كبار المخرجين

أبرزهم الإيراني كيارستامي والكوري تشان ووك والألماني ـ التركي فاتح آكين

المخرج الإيراني عباس كيارستامي  -  المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الألماني من أصول تركية فاتح آكين  -  المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك
المخرج الإيراني عباس كيارستامي - المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الألماني من أصول تركية فاتح آكين - المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك
TT

مهرجان مراكش السينمائي يستعرض تجارب كبار المخرجين

المخرج الإيراني عباس كيارستامي  -  المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الألماني من أصول تركية فاتح آكين  -  المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك
المخرج الإيراني عباس كيارستامي - المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الألماني من أصول تركية فاتح آكين - المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك

مع فقرة «دروس السينما»، تحول مهرجان الفيلم بمراكش، برأي عدد من المتتبعين، إلى أكثر من مجرد إطار للمنافسة والتنشيط السينمائي، عبر سعي متواصل إلى تكريس تقليد النقاش والتبادل الخلاق للأفكار بين المتخصصين وطلاب وعشاق السينما، من جهة، وأسماء وازنة في عالم الفكر والفن السينمائي، من جهة ثانية.
ثماني سنوات من «دروس السينما» بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، توالى خلالها على كرسي الدرس عدد من بعض كبار رجال الفكر والسينما في العالم، بينهم المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي (2007)، والمخرج الصربي أمير كوستوريتشا (2009)، والمخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا (2010) والمخرج البريطاني جون بورمان (2012)، والمفكر الفرنسي إدغار موران (2012)، والمفكر الفرنسي ريجيس دوبري (2013)، فضلاً عن المخرج وكاتب السيناريو الدنماركي بيلي أوغيست، والمخرج وكاتب السيناريو والمنتج الإسباني أليكس دي لا إغليسيا، والمخرج السينمائي والمسرحي وكاتب السيناريو الفرنسي بونواجاكو (2014).
وخلال دورته الخامسة عشرة، التي ستنظم من 4 إلى 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، سيكون الموعد مع ثلاثة أسماء مشهود لها بالتجربة والقيمة الفنية في عالم السينما: المخرج الإيراني عباس كيارستامي، والمخرج وكاتب السيناريو والمنتج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك، والمخرج وكاتب السيناريو والمنتج الألماني من أصول تركية فاتح آكين.
وسبق لكيارستامي أن حصل على عدد من الجوائز في أكبر المهرجانات العالمية، كـ«السعفة الذهبية» لمهرجان «كان» عن فيلمه «طعم الكرز»، والجائزة الخاصة بلجنة التحكيم لمهرجان «البندقية» عن فيلمه «الريح ستحملنا». وبتكريمه سنة 1992 بمهرجان «كان»، عن مجموع أعماله، كان كيارستامي ولا يزال، يبني فنًا راقيًا وكونيًا يمزج فيه وبطريقة شعرية بين القوة والصلابة، من جهة، والهشاشة، من جهة أخرى.
وكان المهرجان المغربي قد كرم كيارستامي في دورته الخامسة، كما ترأس في دورته التاسعة، لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، قبل أن يعود، في دورة هذه السنة، إلى مراكش، ليتبادل مع عشاق السينما تصوره للفن السابع، ضمن فقرة «دروس السينما».
من جهته، يتميز بارك تشان ووك، الذي سيتم تكريمه في دورة هذه السنة، إلى جانب الممثلين الأميركيين بيل موراي وويليام دافوو، والنجمة الهندية مادهوري ديكسيت، ومدير التصوير المغربي كمال الدرقاوي، بأعماله القوية التي حازت على عدد من الجوائز العالمية، حيث نال في مهرجان «كان» الجائزة الكبرى لسنة 2004، كما فاز بجائزة لجنة التحكيم سنة 2009.
ويتناول تشان ووك، في أعماله، بكل إحساس ولباقة، وحشية وتعقد العلاقات الإنسانية، فيما يعد فيلمه «ستوكر»، الذي أنجزه سنة 2013، نموذجًا في الإخراج، يعيد من خلاله مراجعة إبداع ألفريد هتشكوك بطريقته الخاصة.
ويعتبر فاتح آكين، الذي سيلقي الدرس الأخير من «دروس السينما» بالمهرجان المغربي، من الأسماء القوية في السينما الألمانية، ترعرع في الضاحية العمالية والشعبية لمدينة هامبورغ، وكان حلمه الأول أن يصبح ممثلاً من طينة «بروس لي»، قبل أن يمر وراء الكاميرا وينجز أفلامًا أثارت الانتباه إليه بسرعة فائقة.
وتتطرق أفلام آكين، الذي سبق له أن حصل على جائزة «الدب الذهبي» في برلين، سنة 2004، عن فيلمه «هيدأون»، للواقع متعدد الثقافات للمجتمعات المعاصرة، بعيدًا عن المقاربات المغلقة من ناحية الهوية، بحماس يذكرنا بسينما المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي الذي يعتبره آكين مثالا وقدوة. لذلك، كان طبيعيًا أن يتناول آكين، سنة 2014، في فيلمه «دو كيت»، قضية التطهير العرقي ضد الأرمن، وهو موضوع يعد من أكبر التابوهات في بلده الأصلي، تركيا.
يشار إلى أن اللجنة المنظمة لمهرجان مراكش كانت قد اختارت المخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة؛ والمخرج وكاتب السيناريو البلجيكي جواكيم لافوس رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة سينما المدارس. كما ستتميز دورة هذه السنة من المهرجان المغربي بتكريم السينما الكندية، بحضور وفد مكون من ممثلين ومخرجين ومنتجين كنديين، يعتبرون، اليوم «أفضل مثال عن حيوية هذه السينما التي لا تتوقف عن التطور».
وجرت العادة أن تسلم، في حفل اختتام المهرجان، أربع جوائز، هي الجائزة الكبرى (النجمة الذهبية) وجائزة لجنة التحكيم وجائزة أفضل دور رجالي وجائزة أفضل دور نسائي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».