«الست نجاح والمفتاح» سخرية سوداء من هستيريا أهالي بيروت

عايدة صبرا.. حبيسة المصعد تكتشف المستور

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

«الست نجاح والمفتاح» سخرية سوداء من هستيريا أهالي بيروت

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

تكاد تكون العمارة التي تسكن فيها الست نجاح، ببنيانها وسكانها، وتعقيداتها اليومية، نموذجًا مصغرًا لوطن كليل يئن بصوت خفيض، لكنه لا يتوقف عن السخرية من ذاته. لكل من الجيران قصته وهمومه وانشغالاته وهوسه الخاص. العمارة نفسها، التي عتقها الزمن دون أن تحظى بعناية أو تجديد، مليئة بالأعطال التي تجعل حياة القاطنين فيها أشبه بالجحيم. السكان هم أيضًا، بلامبالاتهم وتناقضاتهم التي تلامس الجنون، يحيلون الحياة إلى عبث.
الفنانة المسرحية عايدة صبرا التي كتبت وأخرجت ولعبت دور الست نجاح في المسرحية الكوميدية الدرامية المعنونة «الست نجاح والمفتاح»، وتعرض حاليًا في «المركز الثقافي الروسي» في بيروت، أسكنت بمهارة داخل العمارة عددًا من الكاريكاتيرات، تسمح للمتفرج خلال ساعة وربع من الضحك بالدخول إلى عمق الجرح اللبناني الغائر في مأساويته.
الست نجاح إذن هي المحور، نراها على الخشبة وهي تستعد للخروج من بيتها إلى دكان الحلويات الذي ورثته عن زوجها الراحل لتسير أعماله. حدث صغير سيقلب نهارها رأسًا على عقب، حيث يتوقف المصعد وتنحبس داخله، طوال فترة العرض، لتكتشف أن أحدًا من جيرانها الذين يتناوبون على الحديث معها وطلب الخدمات منها وهي سجينة قفصها، لا يقوم بأي مبادرة فعلية لتخليصها من ضائقتها. الأكسجين يشح، ولا يعبأ أحد، تصرخ ولا يهتم جارها مسؤول العمارة، تنادي أبو محمود بواب العمارة، طالبة مساعدته، لكنه في كل مرة، يذهب للبحث عن مفتاح المصعد، ثم يغيب ويعود دونه، وكأنما الجميع نسوها في هذا القفص الحديدي، رغم أنها تحت أنظار الجميع.
الخشبة تبدو فارغة لكننا سرعان ما نكتشف أن هذه السينوغرافيا البسيطة، من تصميم حسن صادق، ستسعف في جعلنا ننتقل إلى مدخل العمارة بكل ما يعج به، من حركة الداخلين والخارجين، مع إطلالة على بلكون إحدى الجارات المشغولة أبدا، إما بتنظيف البيت أو تحضير الطعام، وهي لا تتوانى عن الطلب من جارتها حبيسة المصعد، أن تساعدها في تنقية البقدونس لعمل التبولة، ولا تتأخر بأن تمدها بـ«آيباد»، كي تساعدها في تحضير المأكولات لمعازيمها، بدل محاولة إخراجها من قمقمها. ثمة جارة أخرى تقف أمام الست نجاح السجينة الباحثة عن مخرج لتعرض عليها فساتينها التي غنمتها من حفلة تسوق لا تفوت، وتسألها عن رأيها بالمشتريات. كل شخص في العمارة له مزاجه وشواغله ودوامته الذاتية، التي يستعصى كسرها، ولو للحظات، للاهتمام بنجاحها وإنقاذها، هذا عدا زوار العمارة من جباة الفواتير، وأصدقاء السكان.
يبلغ الاستغلال أشده، مع الصحافية التي جاءت تجري تحقيقًا حول معاناة الست نجاح التي مع مصورها بدل أن تسعى لنجدة المرأة الحبيسة، تفضل أن تراها تتألم لتسجل عدستها ما يحلو للمشاهد رؤيته. يكاد وجود نجاح في المصعد، العالقة فيه، يمين الخشبة يصبح أمرًا عاديًا، بدل أن يبدو مستهجنًا، لا بل تتحول إلى حالة مسلية يمكن للجميع أن يعتاد عليها، دون أن يغير ذلك من يوميات العابرين شيئًا.
تدور الحياة، وكأن لا شيء استثنائيًا يحدث. اعتماد شكل المصعد القديم بقضبانه الحديدية المفرّغة، بما يتناسب والبناية العتيقة الموجود فيها، يسمح للجيران بتبادل الأحاديث مع الست نجاح، ومناولتها ما يشاءون، لمعاونتهم في تدبير شؤونهم. فنحن أمام ما يشبه قفص سجن في وسط مأهول.
يتناوب على دخول العمارة موظف اشتراك المحطات التلفزيونية، جابي الكهرباء، اشتراك المولد، فاتورة الماء، ولا ينسون الطلب إلى الست نجاح دفع مستحقاتها التي تفتح جزدانها لتسددها صاغرة وهي في المصعد.
عمارة شعبية بيروتية نموذجية، بشخصيات أهلها، مشكلاتهم اليومية، شواغلهم، اهتماماتهم، وحواراتهم. بطرافة كتبت عايدة صبرا نصها، بمهارة حركت شخصياتها، وبظرف شديد أخرجت من التراجيديا كمًا من الهزأ يكفي لجعل متفرجها يدرك فداحة العبث الذي يعيش دون أن يصاب بالغمّ.
ثمة على الخشبة المثقف الثوري الذي لا يعنيه سوى إلقاء الخطابات الفارغة والوقوف خلف الميكروفونات، وربة المنزل المحشورة في أعمالها المنزلية الضيقة، والموظفون الصغار الذين يريدون إنهاء مهمتهم بسرعة غير عابئين بما يدور حولهم، والمرأة المسروقة بمظهرها المنطوي على خواء قاتل، والصحافية التي تتسلق الفرص للفوز بلقطات تجذب الرأي العام، والمتسلق الذي يريد أن ينتهز الفرص ليبلغ مركزًا بارزًا، مهما صغر أو كان ثمنه.
وبعد انتصاف العرض، واشتداد الإرهاق على الست نجاح، يدخل عنصر جديد، وكأنما هذه السيدة الحبيسة تحولت إلى فأرة اختبار، تزود بأجهزة لمساعدتها على الصمود، غير الأدوية التي تبتلعها كي تتمكن من احتمال الضغط المتزايد عليها.
حالة هستيرية، في عمارة ككل العمارات البيروتية في المناطق الشعبية، يعيشها المتفرج مع الست نجاح وجيرانها، حيث لا تغيب أزمة النفايات اللبنانية المزمنة، وأكياس الزبالة عن المسرح أيضًا. ونكتشف في النهاية، أن أزمة الست نجاح لم يكن يحتاج حلها لأكثر من لحظة تركيز من البواب أبو محمود، الذي ينسى كل شيء، بما في ذلك أسماء قاطني العمارة، وأماكن المفاتيح.
بعد مسرحيتها الجميلة «من الآخر» والمعبرة عن أزمة النساء في منتصف العمر، عادت الممثلة المبدعة عايدة صبرا، هذه المرة بشخصية «الست نجاح» التي كان المتفرج التلفزيوني قد أحبها في المسلسل الرمضاني «حلونجي يا إسماعيل». اختيار موفق لفنانة منخرطة في مجتمعها، ملتصقة بهموم محيطها، ضاربة عرض الحائط بجمال الأنثى في طلتها. عايدة صبرا تبتغي الصدق والعمق والطرافة، وكان لها ما أرادت.
فاجأها التفجير الإرهابي المزدوج، في «برج البراجنة» قبل ساعات قليلة من العرض الأول لمسرحيتها. وكان لا يزال البحث عن الجثث جاريًا، لحظة تجمع محبوها وجمهورها لافتتاح عملها الساخر، ومضت دون تردد. لحظة صمت على أرواح الضحايا، وعبارة مقتضبة من زوجها الممثل زكي محفوظ للجمهور كانت كافية لفهم موقف عايدة صبرا في تلك الليلة الأليمة: «إذا بقينا في البيت، فهذه جريمة ثانية»، ولا أحد هنا يريد أن يحقق للإرهابيين مبتغاهم.
المسرحية مستمرة حتى 12 من الشهر المقبل، والفرجة ممتعة، والنهاية بعد أن تخرج الست نجاح من المصعد، وقد سبقتها الاحتفالات وحلقة الدبكة، لاستثمار الحدث، لحظات من الجنون الجماعي، تستحق من المشاهد دمعة تأثر حيث تختلط الفكاهة بقيح الجرح النازف.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).