مراقبون: «المجازر» المرتكبة في تعز تتم بدافع «حقد شخصي» من صالح

أنصاره يسهلون تحركات المتمردين.. والمدينة تتعرض لحصار خانق

شابان ينقلان صبيًا أصيب بقذيفة من الحوثيين على دراجة بخارية إلى أحد المستشفيات في تعز التي تتعرض لانتهاكات من الميليشيات الانقلابية (رويترز)
شابان ينقلان صبيًا أصيب بقذيفة من الحوثيين على دراجة بخارية إلى أحد المستشفيات في تعز التي تتعرض لانتهاكات من الميليشيات الانقلابية (رويترز)
TT

مراقبون: «المجازر» المرتكبة في تعز تتم بدافع «حقد شخصي» من صالح

شابان ينقلان صبيًا أصيب بقذيفة من الحوثيين على دراجة بخارية إلى أحد المستشفيات في تعز التي تتعرض لانتهاكات من الميليشيات الانقلابية (رويترز)
شابان ينقلان صبيًا أصيب بقذيفة من الحوثيين على دراجة بخارية إلى أحد المستشفيات في تعز التي تتعرض لانتهاكات من الميليشيات الانقلابية (رويترز)

يؤكد أبناء تعز، بصورة لا تدع مجالا للشك، أن المخلوع علي عبد الله صالح يستهدف محافظتهم، بصورة مباشرة تنبع عن حقد دفين ضد هذه المحافظة، التي تشهد معادلة صعبة في المشكلة اليمنية، نظرًا لموقعها الجغرافي، الذي يتوسط قسمي البلاد، الشمالي والجنوبي، في الوقت الراهن وإبان مرحلة التشطير.
ويقول العديد من أبناء تعز إن المخلوع صالح ينظر إلى أن الشرارة الأولى للاحتجاجات التي أطاحت بنظامه في 2011، انطلقت من تعز، التي كان يعتبر أنها حديقته الخلفية، بالكوادر السياسية والتكنوقراط للدولة اليمنية وبالطاقة البشرية والتأييد العارم.
إضافة إلى مقاربة ماضيه في تعز، حيث كان المخلوع، قبل ترؤسه لليمن عام 1978، قائدا للواء تعز، عندما كانت المحافظات في اليمن تسمى «ألوية»، فيما كان يعرف بـ«الجمهورية العربية اليمنية»، وللمخلوع صالح تاريخ «أسود»، بحسب وصف البعض، في حقبة وجوده في تعز وممارسات لم تكن ترتقي إلى مستوى قائد عسكري.
وتمثل تعز أهمية في المعادلة اليمنية بشكل كبير، أولا نظرا للثقل السكاني الذي تمثله، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 4 ملايين نسمة، وينتشرون في معظم المحافظات اليمنية والغالبية العظمى منهم متعلمون، فأبناء تعز رواد في التجارة والفكر والثقافة والفنون والأعمال التي تمس حياة المواطنين في كل أنحاء البلاد، فهم عمال مهرة في مجال النجارة وإصلاح السيارات والمعدات، ولديهم المطاعم ومحال الوجبات الخفيفة والسريعة في معظم المحافظات، وفي مقابل ذلك وجود ضئيل في المؤسسة العسكرية.
ويرجع المراقبون ذلك إلى سياسة الحكم في صنعاء، والذي كان، وما زال، يعمد إلى تهميش أبناء تعز وأبناء الحديدة (تهامة)، وهي من أبرز المناطق المدنية في شمال البلاد، وإبعادهم عن المؤسسة العسكرية، التي أصبحت حكرا على مناطق ينتمي سكانها إلى المذهب الزيدي، الذي يعتنقه المخلوع صالح وزعيم المتمردين عبد الملك الحوثي، إضافة إلى استعانتهم ببعض أبناء القبائل من محافظات أخرى، تركيبتها السكانية هي أقرب إلى المذهب الزيدي منه إلى المذهب الشافعي.
وهذا هو الاعتقاد السائد في الساحة اليمنية، حيث يرون أن تحالف صالح - الحوثي يقوم على أساس مذهبي، غذته وتغذيه إيران لخلق صراع بين المذاهب في اليمن، لم يكن موجودا على مدى السنين.
ويشير الكثير من مثقفي تعز وروادها إلى أن المخلوع صالح، وخلال العقود الثلاثة الماضية، عمل على اللعب على المتناقضات، في طول البلاد وعرضها، بشكل عام، وفي تعز، بصورة خاصة، حيث دعم قبائل ومناطق ضد بعضها البعض، وغرس قيمًا دخيلة على المجتمع، حيث أحيا لدى المجتمع المدني المتحضر تقاليد قبلية وسلالية لم تكن موجودة، إضافة إلى عمليات شراء الذمم، وهو ما نتج عنه وجود عناصر من أنصاره في حزب المؤتمر الشعبي العام يؤيدون الانقلاب ويساندونه لوجيستيًا في تعز، على حساب مصالح مناطقهم وسكانها، كما تقول نخب تعز، التي تؤكد أن معركة تعز هي معركة بين التحضر والتخلف، العلم والجهل، الماضي والمستقبل، حسب تعبيرها.
وفيما تسربت تهديدات للمخلوع صالح، عبر بعض المقربين، وهو يتوعد بتدمير تعز وتحويلها إلى قرية، فإن تعز تمثل معادلة في عدن، كما هي في صنعاء، والحديدة وغيرها من المحافظات.
في عدن، كان أوائل الناشطين في الكثير من المجالات هم من أبناء تعز، ولأن التعايش كان ممكنًا في الجنوب، على العكس من الشمال، فقد تبوأ أبناء تعز مناصب مهمة في الجنوب، بينها منصب رئيس الجمهورية، الذي شغله الرئيس الراحل عبد الفتاح إسماعيل، الذي بدأ حياته في عدن عاملا في مصافي البترول.
وأكد مراقبون في الساحة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» أن المعركة التي تجري في تعز، حاليا، تتداخل فيها الكثير من العوامل، ففي مقابل وضع التحالف لخطط لتحرير المحافظة والتعزيزات التي أرسلها إلى المقاومة والجيش، هناك تعزيزات ومخططات كبيرة للمخلوع والمتمردين لمنع أي تقدم في تعز لصالح تحريرها.
وتشير معلومات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المخلوع ينهب ويبتز تجار تعز في صنعاء بعشرات الملايين من الريالات ومئات الآلاف من الدولارات تحت ذرائع كثيرة لدعم حربه على مناطقهم، وأخيرًا إجبارهم على توقيع وثيقة ولاء جديدة له وللحوثيين، ولا يستبعد المراقبون أن تشهد تعز «مجازر» جديدة ضد المدنين، كالمجازر التي تشهدها المحافظة منذ 2011، وحتى الآن، منها إحراق خيام المعتصمين بمن في داخلها.
وكذا قتل النساء، في ظل «المجازر» التي ترتكب والإجراءات المنافية لحقوق الإنسان، كقصف المدنيين والمستشفيات والحصار المطبق على المدنيين ومنع الغذاء والدواء وأنابيب أكسجين المستشفيات عن تعز، إضافة إلى مشكلة مياه الشرب، التي تعاني منها أصلاً تعز، ولم يُوجِد لها المخلوع، خلال ثلاثة عقود في الحكم، حلا.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.