«هالو باربي» تنتهك خصوصية الأطفال وتصبح جاسوسة للآباء

بعد أن أصبحت لها قدرة على الاستماع والتنصت

«هالو باربي»
«هالو باربي»
TT

«هالو باربي» تنتهك خصوصية الأطفال وتصبح جاسوسة للآباء

«هالو باربي»
«هالو باربي»

اعتاد الأطفال في الولايات المتحدة التحدث إلى دمى باربي منذ أجيال عديدة، أما الآن فإن المدافعين عن الخصوصية يهبون لمهاجمة دمية باربي الجديدة التي أصبحت لها القدرة على الاستماع والتنصت.
وكان مقررا أن تطرح شركة «ماتيل» متعددة الجنسيات للعب الأطفال يوم أمس الثلاثاء في الأسواق الأميركية وقبل موسم التسوق في عطلات أعياد الميلاد دمية جديدة «ذكية» تحت اسم «هالو باربي» مزودة بمكبر للصوت، وبإمكانية الدخول على شبكة الإنترنت، حسب وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ). وتأمل هذه الشركة العملاقة ومقرها مدينة لوس أنجليس في أن يساعد الجيل الجديد من دمية باربي البلاستيكية على إعادة حصتها في السوق التي فقدتها خلال الأعوام الأخيرة، بسبب منافسة نسخ أخرى من الدمى من بينها دميتان للملكة إليزا والأميرة آنا بطلتا فيلم «فروزن» (ملكة الثلج)، وهو من إنتاج «والت ديزني»، والذي حقق نجاحا هائلا. غير أن ما حدث حتى الآن هو أن تسليط الأضواء على الدمية «هالو باربي» جلب لهذه اللعبة مزيدا من سوء السمعة بأكثر مما حقق لها من شهرة، فقد حصلت على سبيل المثال على جائزة «الأخ الأكبر» في إشارة للرواية الشهيرة من مجموعة ألمانية تدافع عن حماية البيانات تطلق على نفسها اسم «الشجاعة الرقمية».
ووجه الآباء الذين يشعرون بالقلق والجماعات المدافعة عن الخصوصية انتقادات حادة لما سموه «باربي التي تسترق السمع»، منذ أن عرضت شركة «ماتيل» الدمية الجديدة في معرض نيويورك للعب الأطفال في فبراير (شباط) الماضي، وجمع التماس إلكتروني يعارض الدمية «المخيفة» أكثر من 37 ألف توقيع. ومع ذلك، تقدم عشرات الآلاف بطلبات مسبقة لشراء الدمية التي يبلغ سعرها 75 دولارا، وذلك على موقع الشركة الإلكتروني.
وبالنسبة لجيل الأطفال الذين اعتادوا على استخدام الهواتف الذكية لآبائهم، فإنهم سيجدون أن «هالو باربي» تعمل بالطريقة نفسها تقريبا، مثل تطبيق «سيري» الناطق لهاتف «آيفون».
وتم تثبيت ميكروفون في رقبة الدمية ليسجل الكلام ثم يرسله لتحليله عن طريق الإنترنت إلى خوادم الحاسوب في ما يعرف بـ«السحابة الإلكترونية» التي تقوم بتخزين البيانات في الفضاء الإلكتروني، ويختار البرنامج الإجابات المناسبة عن أسئلة الأطفال من بين ثمانية آلاف من الخيارات المبرمجة مسبقا.
ويتم تخزين محادثات المستخدم في ذاكرة «الدمية» من أجل تحسين القدرة على الاستجابة للحديث في المستقبل، وهو أمر يثير قلق المدافعين عن الخصوصية.
وتقول شركة «ماتيل» إن البيانات المخزنة تستخدم فقط لتحسين خبرات المستخدم وليس من أجل أغراض الإعلان، ويتم حذفها من خادم الحاسوب بعد عامين، ويتطلب ذلك من الآباء أن يوافقوا على تسجيل أحاديث أطفالهم كشرط لبدء تشغيل وظائف الدمية الكلامية.
غير أن المنتقدين أعربوا عن شكوكهم، ويشير بعضهم إلى التلفاز الذكي من إنتاج شركة «سامسونغ» والمزود بميكروفون، والذي تسمح فيه موافقة المستخدم للشركة بتسجيل المحادثات التي تجرى بين الأفراد في غرفة المعيشة، وذلك كمثال على عدم قدرة الشركات على مقاومة إساءة استخدام البيانات التي يتم جمعها عن طريق منتجاتها «الذكية».
وتعد «هالو باربي» جزءا من اتجاه أوسع نطاقا لإدخال مزيد من التقنية في أماكن رعاية الأطفال الصغار، بما في ذلك استخدامات أخرى لتقنية الكلام البشري.
وكانت شركة «إليمنتال باث» الأميركية المبتدئة قد طورت خطا إنتاجيا لحيوانات الديناصور الصغيرة التي تتحدث وتقدم المعلومات ويتم تشغيلها بتقنية الذكاء الاصطناعي لبرنامج «واتسون» الإلكتروني الذي أنتجته شركة «آي بي إم»، وهو برنامج يتيح الإجابة التي يطرحها المستخدم، ويصف إعلان الشركة لهذه الديناصورات بأنها «ألعاب ذكية تتعلم وتنمو مع طفلك».
وانضم المحامون في الولايات المتحدة أعضاء حملة «طفولة خالية من الممارسات التجارية» إلى الأفراد والجهات المعارضين لهذا الاتجاه، ودشنوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار «إلى الجحيم.. لا لباربي»، وهي تلاعب بمفردات اللغة الإنجليزية باسم الدمية الأصلي.
وأعرب جوش كولين، المدير التنفيذي لحملة «طفولة خالية من الممارسات التجارية»، عن خشيته من أن يتم استخدام بيانات الأطفال لأغراض التسويق، وأن يتم إرسالها لجهات أخرى. وقال في مقابلة تلفزيونية: «إن الأمر يثير مجموعة من المخاوف الأمنية وقلقا من انتهاك الخصوصية».
ومن بين الأشياء الأخرى التي تثير المخاوف أن «هالو باربي» لا تستطيع الاحتفاظ بالسر، فهي ليست لعبة يمكن الوثوق فيها، لكنها مؤهلة لأن تصبح جاسوسة على الأطفال لصالح الآباء، فكل التسجيلات الصوتية للطفل تخزن على حساب إلكتروني للأب لأغراض السلامة، وفقا لما تقوله الشركة المنتجة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».