المشهد: على بعد 50 سنة

المشهد: على بعد 50 سنة
TT

المشهد: على بعد 50 سنة

المشهد: على بعد 50 سنة

هناك عند التقاء «سانتا مونيكا بوليفارد» بساحل المحيط الأطلسي يُقام «سوق الفيلم الأميركي» حيث يكتظ بشر قادمون من شتّى الدول والصناعات السينمائية في الولايات المتحدة كما في سواها. لا أماكن كافية لإيقاف سيارتك إلا إذا كنت نزيل أحد الفنادق المكلفة المحيطة بالمكان وبينها الفندق الذي تحتله مؤسسة «سوق الفيلم الأميركي» (AFM) متيحة للمشترين والباعة عرض أعمالهم والتواصل مع بعضهم بعضا في جو سينمائي صاف.
> هناك سبب بسيط جدًّا وصغير يكاد لا يُرى وراء عدم وجود ما يماثله في العالم العربي: لا صناعة سينمائية من الحجم الكافي لإقامة مثل هذه السوق. أساسًا لا توجد صناعة تسويق ولا صناعة توزيع وعدد الصالات العربية التي تكترث لعرض فيلم من مصر لا يزيد عن ثلاثين صالة في طول وعرض العالم العربي خارج مصر.
> مهرجان دبي المقبل سيعيد افتتاح سوق سينمائية، برهن عن جدواه في العامين الماضيين لكن حجم مشترياته ومبيعاته يبقى محدودًا للسبب نفسه: لا تسويق محتمل. أصحاب صالات السينما وموزعو الأفلام مرتاحون لما يقومون باستيراده من أفلام الشركات الكبيرة. لم، والكلام لأحدهم الموجود حاليًا في «سوق الفيلم الأميركي» عليهم شراء أفلام ذات شعبية قليلة.
> «لقد جرّبنا وفشلنا»، يقول لي آخر. فأتدخل قائلاً: «أنت تعلم أن مسألة كهذه ترتبط بالإصرار. أن تعرض فيلمًا فنيًا لأسبوع واحد مرّة كل عامين بالكاد يمكن تسميه تجربة». في النهاية اعترف بأني على حق وقال: «نعم. المسألة تحتاج إلى مواصلة. عليك أن تؤسس هذا الجمهور».
> هذا لا يعني أن الموزعين وأصحاب الصالات العرب الموجودين في «سوق الفيلم الأميركي» سيقدمون على تغيير منهج عملهم لمجرد أن هناك حاجة (ثقافية؟) لوجود بديل للأفلام التجارية سواء أكانت أميركية أو هندية أو مصرية. وموقع السوق السينمائية العربي، إذا ما تم إنشاؤه بعد خمسين سنة مثلاً، هو مهم لأنه يعني بداية التغيير صوب توسعة الأنواع والبدائل وتحوّلها من الهامشي والمنسي إلى الأساسي ولو كان في الصف الثاني من حجم المعاملات.
> إلى أن يتم هذا (أو لا يتم) هناك «سوق الفيلم الأميركي» حاملاً هذا عام 2000 فيلم منجز ومشروع والاتفاقات من اليوم الأول (الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) بالملايين: خمسة أفلام يابانية من نوع المسرحيات الغنائية «المؤفلمة» بيعت إلى موزعين حول العالم. «أنيميشن» مستقل بعنوان «مايا النحلة» يطير من أول يوم في اتفاقات سريعة، وآخر عن «القط بوب» لم يعد يبحث عن تمويل إذ ابتاعته شركة سوني. وغاري ألدمان ورايان رينولدز وسامويل ل. جاكسون شوهدوا يروّجون لفيلم جديد عنوانه «حارس القاتل» وكيفن سبايسي يودع ثروة صغيرة من ماله الخاص في «نادي البليونيرية» وهو على ثقة من أنه سيبيع المشروع قبل تصوير لقطته الأولى.
> نعم، بعد خمسين سنة، قد تصبح الأحوال أفضل فترتفع وتيرة الإنتاج، وتتعدد الأساليب والمدارس والاهتمامات، وتقام الأسواق ويتم تأسيس ما يوازي الأوسكار عربيًا، وتصبح الثقافة السينمائية نشطة والنجاح التجاري لكل أنواع السينما سائدة.. لكن حتى هذا لم يعد مضمونًا لا في مستقبل قريب ولا في آخر بعيد.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.