غابت الدراما في «ديور» وحلت محلها حداثة تخاطب جيلا جديدا من الزبونات

راف سيمونز يراهن على التغيير ويكسب

من عرض دار {ديور} (الصور خاصة بـ {الشرق الأوسط})
من عرض دار {ديور} (الصور خاصة بـ {الشرق الأوسط})
TT

غابت الدراما في «ديور» وحلت محلها حداثة تخاطب جيلا جديدا من الزبونات

من عرض دار {ديور} (الصور خاصة بـ {الشرق الأوسط})
من عرض دار {ديور} (الصور خاصة بـ {الشرق الأوسط})

الحديث عن الإثارة في باريس منذ بداية أسبوعها لخريف وشتاء 2014 إلى يوم الجمعة الماضي لا يكتمل من دون الحديث عن عرض ديور في متحف رودان. في البداية أججت هذه الإثارة سيدة فرنسا الأولى السابقة فاليري تريرفيلر، التي تسببت في عرقلة السير وتصادم المصورين خارج المتحف. في الداخل نجحت أيضا في أن تسرق الأضواء بسهولة من ريانا وجيسيكا ألبا وغيرهما من الضيفات. بيد أنها، ولحسن حظ راف سيمونز، لم تنجح في سرقتها منه.
والفضل يعود إلى أنه، ولأول مرة منذ دخوله ديور منذ عامين، ضرب بالحذر عرض الحائط وعاد إلى ما يتقنه أكثر، وهو التفصيل الذي جعل منه أهم مصمم أزياء رجالي على الساحة في العقد الأخير. فقد أظهرت التشكيلة قدراته الحقيقية، بعد أن كان يتلمس طريقه في المواسم الماضية بحذر شديد، إن لم نقل بوجل، محاولا أن يوازن بين رؤيته الشخصية، والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه في دار يعدها كل الفرنسيين مؤسسة قائمة بذاتها.
بعد عامين، بدأ المصمم البلجيكي الأصل يشعر بالانتماء إلى هذه المؤسسة، والأهم بالثقة، الأمر الذي تمخض عنه عرض عصري يخاطب الحاضر والمستقبل مع لفتة خفيفة إلى الماضي الجميل.. فهو لم ينس أن واحدة من أهم مسؤولياته ألا يخرج عن النص ويحترم إرث المؤسس والجماليات التي أرساها في الخمسينات، وبالتالي ما قام به أنه روض الأحجام الكبيرة وخفف من دراميتها حتى تناسب زبونات اليوم.
كل هذا من دون أن تؤثر العملية على أنوثتها، ولو بسنتيمتر واحد، لأنه وإن لم يتقيد بالنص بحذافيره، احترم الفكرة الأساسية وصاغها بطريقته الخاصة، التي أكسبته في الماضي تهليل أوساط الموضة وجعلته يفوز بمنصبه الحالي في الدار أساسا. طريقة تعتمد على التفصيل المتقن، والخطوط الواضحة والألوان المشعة، بما فيها درجات النيون.
كل هذا ظهر قويا هنا، من خلال تايورات وجاكيتات بعضها بصف أزرار واحد وبعضها الآخر مزدوجة بصفي أزرار، ومعاطف تظهر رشاقة الجسم وتزيده طولا، فضلا عن فساتين بعضها يستحضر «ذي نيو لوك» الإطلالة التي ترتبط باسم ديور والتي أطلقها السيد كريستيان ديور في الخمسينات، بتنوراتها المستديرة وخصرها الضيق، مع فرق واضح هذه المرة أنها غير مشدودة بل منسدلة نوعا ما.
كانت هناك أخرى مفصلة على الجسم زادتها الألوان الحية والمتناقضة جمالا، مثل فستان يتراقص على الأخضر الزمردي وطبقة تحته بالوردي، وآخر بالأصفر والليلكي، وكأنه يريد أن يذكرنا بمهارته في تنسيق الألوان وأنه أول من سوّق لنا ألوان النيون منذ سنوات وقدمنا لجمالياتها. لم يكن التفصيل وحده الحلقة الأقوى، بل أيضا التفاصيل التي شدت الأنفاس، وأتت أحيانا على شكل شال يتدلى من الخلف ويتحرك يمينا ويسارا، وما إن تقترب العارضة وتلف حتى يتضح أنه أصبح جزءا لا يتجزأ من الفستان أو المعطف من الأمام، وأحيانا أخرى على شكل تطريزات على حواشي فستان أو على جانب من جانبيه.
في الكتيب الذي جرى توزيعه على الحضور قبل العرض، قال راف سيمونز: «أردت أن أقترح صورة امرأة جديدة تتمتع بالقوة والحيوية»، ولم يبالغ. فقد كانت كل قطعة تصرخ بقوة وديناميكية لم نشهدها في تشكيلاته السابقة، مما يؤكد أنه تمكن أخيرا من زمام الأمور وفك رموز الدار وشفراتها، لتبدأ عملية تفكيكها من بعض المبالغات القديمة بقلب قوي ومقص حاد ورؤية واضحة.
مما لا شك فيه أن صراع الفنان بداخله كان قويا، تدفعه رغبة جامحة إلى أن يظهر إمكاناته الفنية بلغته الخاصة لكن كان هذا يعني أن يخرج من جلباب السيد ديور، وهو رهان قوي لا يحتمل الفشل. الحل أمامه أن يقنع الجميع برؤيته وأن ينجح في تسويقها لجيل جديد من الزبونات الشابات، وهو ما حققه. فقد اختفى الجاكيت «البار» مثلا، ذو التصميم المشدود عند الخصر، وحل محله الجاكيت المفصل بتقنيات رجالية لكن بصورة تقطر أنوثة، انطلاقا من رغبته في أن يقدم «خياطة مفصلة بشكل قوي لكي أطرح حقيقة أخرى، ووظيفة جديدة، فهذا الموسم يقوم على إيقاع مدني جديد»، كما يقول. هذه المدنية لم تنعكس فقط على التصاميم التي تنبض بالعصرية والحداثة بل أيضا على أسلوب «سبور» جسدته الأربطة التي تشبه أربطة الأحذية الرياضية، ظهرت في جوانب بعض المعاطف، ولا يبدو أنها للزينة فحسب، بل بإمكان المرأة أن تتحكم فيها لضبط الحجم الذي تريده.
التايورات والمعاطف والفساتين المفصلة والملونة نافست فساتين الكوكتيل جمالا، بما فيها التصاميم المستلهمة من «ذي نيو لوك» والتي جاءت بطول يلامس الركبة وتتميز برومانسية معاصرة. إذا كان لا بد من ذكر حلقة ضعيفة في هذا العرض، فربما تكون ثلاث فساتين سهرة شفافة طرزها بالترتر والخرز، أرسلها في الأخير لم تلهب الخيال ولم تؤثر على دقات القلب بنفس الوتيرة التي أثارتها كل قطعة قبلها، ومع ذلك لا يسعنا إلا أن نبارك لراف سيمونز، ونقول له: أهلا بك أخيرا في ديور، وشكرا لك على إعادة الحلم الجميل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».