نصير شمة يحلق بالعود مع الجاز الدنماركي في مهرجان «كايرو جاز»

بمشاركة 13 دولة عربية وأجنبية وتختتمه الجزائرية سعاد ماسي

حفل الفنان نصير شمة في مهرجان «كايرو جاز»
حفل الفنان نصير شمة في مهرجان «كايرو جاز»
TT

نصير شمة يحلق بالعود مع الجاز الدنماركي في مهرجان «كايرو جاز»

حفل الفنان نصير شمة في مهرجان «كايرو جاز»
حفل الفنان نصير شمة في مهرجان «كايرو جاز»

للعام السابع على التوالي، انطلقت فعاليات مهرجان القاهرة للجاز «كايرو جاز»، 15 - 18 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، الذي أنعش أجواء العاصمة المصرية بدفقات موسيقية راقية تمزج بين الأصوات والأنامل العربية والأجنبية من 13 دولة في 15 حفلاً موسيقيًا، على مسارح الحرم اليوناني «غريك كامبس» بالجامعة الأميركية بالتحرير. وقد أضفت جماليات معمار الحرم اليوناني أجواء أسطورية للحفلات اختفت فيها الحواجز بين الفنانين والموسيقيين والجمهور المتنوع في جنسياته وفئاته العمرية المختلفة وصولاً للأطفال الرضع.
وشهدت فعاليات اليوم الثاني من أيام المهرجان، تكريم الموسيقار العراقي نصير شمة الذي فاجأ جمهور المهرجان بتجربة موسيقية جديدة جمعت بينه وبين أوركسترا الجاز الدنماركي BSDB المكون من 26 عازفًا بقيادة جينس كريستيان جينسن، وتتميز بمزج موسيقى الروك والتريب هوب الحديثة؛ حيث قدموا مقطوعة بديعة بعنوان «الطريق إلى دمشق»، مستوحاة من قصائد للشاعر الراحل نزار قبّاني، باستخدام نغمة الربع تون الشرقية بآلات الساكسفون والترومبيت والترومبون والكيبورد والكونترباص والدرامز في حوارية رائعة بينها وبين أوتار عود نصير شمة، وغناء المطربة الدنماركية تووريد جوليد.
كما أهدى نصير شمة معزوفة «القدس العتيقة» للفنانة الكبيرة فيروز لفلسطين تضامنًا مع انتفاضتها، كما حلق مع عوده مقدمًا أشهر معزوفاته زمن النهاوند، وإشراق، وللروح حديث، وكان شمة قد أشار في المؤتمر الصحافي الذي عقد قبيل انطلاق المهرجان، «أحلم بـ( عولمة العود) منذ فترة دراستي في معهد الدراسات الموسيقية بالعراق قبل نحو 30 عامًا لكي يصل العود إلى العالم أجمع وأطمح إلى أن يكون ضمن مناهج الموسيقى حول العالم كما فعل عازف الغيتار الهندي رافي شانكر الذي وصل بآلته إلى الأذن الغربية»، مشيرًا إلى أنه قدم تجربة مماثلة لمزج ألحان العود مع الجاز بمصاحبة فرقة إيطالية، وأن تلك التجارب الفنية التي يقدمها لا تعني تخليه عن أصالة الموسيقى العربية، خصوصًا أن الجاز أسلوب موسيقي يعبر عن حالات مختلفة للإنسان.
يقول عمرو صلاح، رئيس المهرجان: «الدورة السابعة تتميز بوجود جمع عربي مميز وإن هذا الأمر كان أحد أهداف المهرجان، كما تمتاز بعدة ورش للعمل ومشاريع مشتركة بين الموسيقيين بعضهم البعض، وبرنامج جاز تعليمي للأطفال من خلال مشاركة الأطفال للعازفين الكبار بالتعاون مع مؤسسة «آرت ميديا».
وبشكل عام، يتميز المهرجان بتوليفة غنية من الفرق والمطربين الذين استطاعوا اجتذاب جمهور كبير يكشف تعطش المصريين لموسيقى الجاز، التي اختفت من معظم الألحان المصرية بعد أن كانت متألقة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. واكتسى المهرجان هذا العام بروح تمزج الشرقي بالغربي مع الحنين للأغاني التراثية العربية والغربية، وإعادة تقديمها بتوزيعات جديدة تتماشى مع ألحان الجاز ونوتاته الموسيقية، حيث قدم مطرب الجاز المصري الشهير أحمد حرفوش، من فرقة «Riff Band»، في اليوم الأول للمهرجان مجموعة من أغاني العندليب عبد الحليم حافظ («كنت فين وأنا فين»، و«أهواك»، و«الحلو حياتي»، و«شغلوني») بتوزيعات جديدة رائعة. كما قدمت الفنانة اللبنانية ريما خشيش، مجموعة أغنيات تنتمي لفئة الموشحات العربية بمرافقة أوركسترا هولندية فيما يشبه الارتجال الموسيقى. كما قدم الفنان نور عاشور مع فرقته «Nour project» مجموعة من الألحان والمقطوعات التي تعتمد بشكل أساسي على آلة الساكسفون مع الإيقاع الشرقي، التي أنعشت أجواء المهرجان. كما لعبت عازفة البيانو اليابانية ماكيكو هيراباياشي الموسيقى الآسيوية ممزوجة بالجاز الأميركي.
وسوف تختتم فعاليات المهرجان، اليوم (الأحد)، بأغنيات المطربة الجزائرية الشهيرة سعاد ماسي التي سوف تمزج موسيقى الراي بالموسيقى الغجرية الإسبانية، ويشاركها الغناء رباح خليفة، كما سوف تقدم فرقة الأندرغراوند المصرية «افتكاسات» مجموعة من أشهر أغانيها التي لقيت إقبالاً جماهيريًا كبيرًا في العالم العربي لتقديمها ألحانًا عربية بآلات غربية وتبرز الآلات الشرقية بشكل معاصر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».