في «بيوت أمهاتنا».. فنانات من عسير يعرضن نقوشهن الملونة في الأمم المتحدة

ضمن فعالية لدعم طلب إدراج قرية «رجال ألمع» السعودية ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي

جدارية من النقش العسيري لإحدى سيدات المنطقة، و فاطمة أبو قحاص من أشهر فنانات النقش العسيري، و متحف الفنانة فاطمة جابر
جدارية من النقش العسيري لإحدى سيدات المنطقة، و فاطمة أبو قحاص من أشهر فنانات النقش العسيري، و متحف الفنانة فاطمة جابر
TT

في «بيوت أمهاتنا».. فنانات من عسير يعرضن نقوشهن الملونة في الأمم المتحدة

جدارية من النقش العسيري لإحدى سيدات المنطقة، و فاطمة أبو قحاص من أشهر فنانات النقش العسيري، و متحف الفنانة فاطمة جابر
جدارية من النقش العسيري لإحدى سيدات المنطقة، و فاطمة أبو قحاص من أشهر فنانات النقش العسيري، و متحف الفنانة فاطمة جابر

اشتهرت منطقة عسير في السعودية ببيوتها التراثية الجميلة المعمار الخارجي والداخلي، وجذبت تلك البيوت وغرفها الملونة جدرانها وأركانها بأيدي نساء المنطقة اهتمام الزوار والسائحين. وتحديدا تفردت قرية «رجال ألمع» في عسير بكثير من الجمال الطبيعي والطراز المعماري والنقوش العسيرية التي يطلق عليها اسم «القط العسيري»، مما أدخلها ضمن قائمة المواقع التراثية التي تعمل هيئة السياحة والآثار في السعودية على ضمها لقائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
ودعمًا لجهود هيئة السياحة تقام فعالية فنية تدعمها البعثة السعودية الدائمة للأمم المتحدة تشارك فيها نساء من «رجال ألمع» لرسم جداريات تعكس فن النقش العسيري الذي يعود لمئات السنين. ويتضمن البرنامج الذي يحمل عنوان «بيوت أمهاتنا» إلى جانب المعرض الفني حلقة مناقشة من تنظيم معهد الشرق الأوسط بواشنطن تهدف إلى تأطير دور المرأة في تكوين وأرشفة التاريخ المحلي، وهو بذلك يحتفي بالإبداع والعزيمة لدى النساء المحليات لحفظ الهوية الثقافية في مجتمعاتهن.
وتقام الفعالية التي انتظمت بناء على فكرة من الفنان السعودي أحمد ماطر والفنانة أروى النعيمي بتنظيم ودعم من مؤسستي «آرت جميل» و«إيدج أوف آرابيا»، ويقوم الكاتب والباحث في التراث العسيري علي مغاوي بالإشراف على عمل الفنانات المشاركات.
يعلق فادي جميل رئيس شركة عبد اللطيف جميل للمبادرات المجتمعية «آرت جميل تفخر بدعم هذا المشروع الذي يتعامل مع قضايا هامة مثل تمكين المرأة والحفاظ على التراث في الشرق الأوسط.. (بيت أمنا). يسجل المشاركات المستمرة للفنانات في عسير وجهدهن لحفظ نسيج ووحدة مجتمعاتهن المحلية، كما يدعم روح الابتكار وحفظ التراث في السعودية». ويختتم جميل بأمنية أن تسهم هذه الفعالية في تحقيق «نتائج ملموسة وإيجابية على الأرض في عسير».
الفنان أحمد ماطر الذي عمل على تسجيل وتوثيق التراث المعماري والثقافي وآثار التطور العمراني على منطقة مكة المكرمة، قال بفخر مشيرا للحدث القادم: «نتخيل أن يشاهد زوار الأمم المتحدة عمل نساء عسير ويستمتعون بالجداريات التراثية إلى جانب أعمال لفنانين عالميين أمثال بيكاسو»، أما الفنانة أروى النعيمي فتقول إن «الفكرة نتجت من الخوف من اندثار تلك المهنة التي تتقنها النساء في عسير، التي تأثرت بالتطور الحضاري وانحسار الاهتمام بها من قبل الأجيال الجديدة، هذه الأعمال بدأت في الاختفاء وستضيع تلك المهارات التي أبدعتها النساء في بيوتهن». وتشير النعيمي إلى أن الحفاظ على ذلك التراث من خلال دعم إضافة قرية «رجال ألمع» لقائمة اليونيسكو للتراث العالمي، سيكون له أثره في الحفاظ على ما تبقى من تلك النقوش الجدارية وتوثيق الموجود منها. من آثار التطور الاجتماعي نزوح أبناء القرى للمدن، وهو ما يحدث في «رجال ألمع» كما تشير النعيمي، وينعكس ذلك على تراث النقش على الجدران.
تعرف المنطقة عددا من الفنانات العسيريات اللاتي برعن في فن «النقش» واستخدمن الألوان الطبيعية المصنوعة من النباتات والأعشاب لرسم وتزيين جدران منازلهن، ومنهن الشهيرة فاطمة أبو قحاص التي توفيت منذ أعوام. وهناك بعض من التلميذات ممن ما زلن يمارسن فن النقش، ومنهن فاطمة جابر زوجة الكاتب علي مغاوي، التي تواصلت معها وقمت بزيارة منزلها الذي أدهشني فهو متحف صغير من عملها اليدوي. وتشير النعيمي إلى أن النقش العسيري في الوقت الحالي أصبح مهنة للعمال الرجال الذين ينفذونه بسرعة وبناء على التقليد وليس ناتجا عن مشاعر وأحاسيس المرأة وصاحبة المنزل. وأضافت: «النساء يعرفن القط كأنه نوع من الفن، له رموزه ويختلف من امرأة لأخرى، ومن المهم أن يلتفت الناس لهذا الفن الجميل حتى لا يندثر». الجداريات المزمعة تحوي رموزا مشتركة ولكن كل فنانة تحكي قصة خاصة بها عبر استخدام تلك الرموز. تذكر النعيمي زيارتها لمنزل سيدة مسنة في عسير أخذت تشرح الرسومات على جدران منزلها، وتحكي قصصا وحكايات نابعة من الحياة اليومية، (مجلس للأم والأب، ومائدة الطعام، وفتيات يرقصن) مع ملاحظة أن هذا الفن يبتعد عن التشخيص.
المواد الأولية هل لا تزال هي؟ من المعروف أن النساء في عسير كن يستخدمن ألوان الخامات القديمة المستخرجة من أشجار الثعب والعصفر والبرسيم ومن المشقة والصخور الملونة والنيل والفحم، وكان الصمغ الطبيعي يوظف لتلميعها. تقول النعيمي: «هناك من لا تزال تحافظ على ألوان من الطبيعة، وقد تلجأ للصناعية أحيانا، ولكن النساء هنا يملكن المهارات الخاصة لاستخلاص الألوان من المواد الطبيعية». الكاتب علي مغاوي المشرف على المشروع في عسير يحكي بحب عن تفاصيل النقش العسيري وجمالياته وأهمية الحفاظ عليه. ويشير خلال حديثه معنا إلى أن زوجته فاطمة جابر، وهي إحدى الفنانات المشاركات في الجدارية قد أسست متحفا صغيرا لعرض فنون النقش، وقامت برسمها بيدها: «نقشت معظم النقوش الموجودة في المنطقة من شرقها وغربها، كما جمعت الملابس التقليدية التي تحمل نقوشا تتقاطع مع النقوش الجدارية». ويشير مغاوي إلى أن السيدات المشاركات، ويبلغ عددهن 12 في انتظار انضمام المزيد، وأنهن تبرعن للعمل في الجدارية بدافع الحب، وبهدف تأصيل هذا الفن النسائي بسياقاته وألوانه. وسألته إن كانت الفنانات يعملن من خلال منظومة واحدة وبمفردات لونية ورموز مشتركة فيما بينهن، فأجابني: «تعمدت أن أعيد تطور النقوش العسيرية لماضيها العريق عندما كانت الألوان مستخلصة من الطبيعة، وأردت أن تكون هذه ضمن العرض ولكن بحس الفنانات، حيث طلبت منهن فقط أن يبرز حس التراث القديم بألوانه مع ترك الحرية لهن في تفسيره بحسهن».
كما سألته هل تعتقد أن تعزز الجدارية من طلب السعودية لضم «رجال ألمع» لقائمة اليونيسكو للتراث العالمي؟ فأجاب بكثير من الثقة: «يجب أن أقول: هناك جداريات بهتت ولم يبق منها الكثير، لا يمكنك إلا أن تكون باكيا أمامها، أنا متأكد أنها ستلفت نظر المسؤولين إليها». ويلفت إلى أن دور الجداريات لدى عرضها في الأمم المتحدة هو التوعية بهذا الفن.
ورغم خوفه وخوف كثيرين من أهالي المنطقة من اندثار الفن العسيري بكل أصوله، خاصة مع دخول العمالة الأجنبية المجال واستخدام الألوان الصناعية، يشير إلى أن هناك من يهتم بالمحافظة عليه، مثل زوجته الفنانة فاطمة جابر التي ستقدم دورات للنساء والفتيات في جمعية الثقافة والفنون بأبها لتعريفهم بأصول «القط العسيري»، وقال: «نحاول تأصيله لإعادته للذائقة العامة ونعيده لمكانته بعد أن أزيح بفعل التطور».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».