السعودي محمد حسن علوان يفوز بجائزة الرواية المترجمة في باريس

«القندس».. هذا الذي يدمر غابة ليبني سدًا

الفائزان علوان وعلي المقري مع رئيس لجنة التحكيم وجاك لانغ رئيس معهد العالم العربي
الفائزان علوان وعلي المقري مع رئيس لجنة التحكيم وجاك لانغ رئيس معهد العالم العربي
TT

السعودي محمد حسن علوان يفوز بجائزة الرواية المترجمة في باريس

الفائزان علوان وعلي المقري مع رئيس لجنة التحكيم وجاك لانغ رئيس معهد العالم العربي
الفائزان علوان وعلي المقري مع رئيس لجنة التحكيم وجاك لانغ رئيس معهد العالم العربي

لم يكن مستغربًا أن تفوز رواية «القندس» التي صدرت ترجمتها الفرنسية، العام الحالي، بجائزة «معهد العالم العربي» للرواية التي تمنح بالتعاون مع مؤسسة «لاغاردير».. فحال صدور الترجمة عن منشورات «سوي»، لقيت اهتماما نقديًا ونشرت عنها صحيفة «لوموند» مقالاً يتوقف عند أهمية موضوعها وموهبة كاتبها. ومن المعروف أن نقاد ملحق الكتب في الصحيفة لا يختارون إلا الكتب اللافتة للانتباه، وهم لا يكيلون المديح جزافًا.
ما «القندس»؟ سألنا علوان، فأجاب بأنه «ذلك القارض الذي يدمر الغابة من أجل أن يبني سدًا.. إنه حيوان أناني لا نكاد ننتبه لسلوكه حتى نتذكر سلوكنا كبشر، ونحن ندمر الطبيعة من أجل أن نبني بيوتًا أكبر وشوارع أوسع». ويضيف الروائي الشاب الذي عاش شطرًا من حياته في الولايات المتحدة الأميركية ويقيم حاليًا في مدينة تورنتو في كندا: «لا أحد يزور ولاية أوريغون الأميركية دون أن يلتقي بالقندس في بيئته الطبيعية، وقد عشت في هذه الولاية سنتين، درست خلاهما لشهادة الماجستير». فهل وجد علوان نفسه يراقب ذلك الحيوان الدؤوب ويتأمل سلوكه ويبحث عن أوجه الشبه بينه وبين سلوك بعض البشر، ومنهم بطل روايته؟
يقول: «نعم، من بعض النواحي أجدني أتصرف بسلوك يشبه القندس. كلما أوصدنا الباب وانكفأنا على أنفسنا، فنحن نبني سدًا على طريقة القندس. وكلما استأثرنا بخيرات الطبيعة وبددناها بأنانية، فلا فرق بيننا وبين القندس الذي يقضم شجرة هائلة من أجل أن يغير بها مسار النهر. تموت الغابة ويموت السمك. والقندس لا يأبه لذلك».
أما عن وصول الرواية إلى يد ناشر فرنسي، فيقول المسؤول في دار «سوي» إنهم حصلوا على حقوق نشر الرواية بالفرنسية بعد أن تابعوا أعمال علوان لبضع سنوات، لا سيما منذ أن تم ترشيحه ضمن 39 كاتبًا في مهرجان «هاي فيستفال» في بيروت وحتى دخلت الرواية إلى القائمة القصيرة للجائزة العربية للرواية «البوكر» عام 2013. وهو ليس الأثر الوحيد لـ«البوكر» على الرواية، فهو قد كتب فصولاً منها أثناء ورشة كتابة تعهدتها إدارة الجائزة في أبوظبي عام 2009، ودعت إليها كتابًا شبابًا وفرت لهم كل متطلبات الإبداع. وهناك، في جزيرة «بني ياس» الهادئة والمعزولة، تشكلت الرؤية الأولية للعمل.. وولد «القندس».
سبق لمحمد حسن علوان أن أصدر ثلاث روايات هي «طوق الطهارة» و«صوفيا» و«سقف الكفاية». وكلها من منشورات دار «الساقي». أما جائزة «معهد العالم العربي»، التي فازت بها «القندس»، فقد سبق أن فاز بها روائيون عرب مرموقون، أمثال المصري جمال الغيطاني واللبناني جبور الدويهي. وهي تشتمل على شهادة تقدير ومبلغ مالي. كما تمنح شهادة مماثلة ومبلغ مالي للفائز الثاني. وقد حل ثانيًا، هذا العام، الروائي اليمني علي المقري عن روايته المثيرة والجريئة «حرمة» التي صدرت ترجمتها الفرنسية عن دار «ليانا ليفي». وتسلم الفائزان جائزتيهما من يد فيليب لوروا، المدير المساعد لدى «لاغاردير» ورئيس لجنة التحكيم التي ضمت شخصيات عربية وفرنسية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».