الأفلام الأجنبية تبدأ معركة أوسكار 2016

أفلام عربية تسعى إليه بمواضيع بعضها آني ومثير

من الفيلم الجزائري «زد»  -  «وينن» عمل جماعي يمثل السينما اللبنانية
من الفيلم الجزائري «زد» - «وينن» عمل جماعي يمثل السينما اللبنانية
TT

الأفلام الأجنبية تبدأ معركة أوسكار 2016

من الفيلم الجزائري «زد»  -  «وينن» عمل جماعي يمثل السينما اللبنانية
من الفيلم الجزائري «زد» - «وينن» عمل جماعي يمثل السينما اللبنانية

ليست مصر الدولة الوحيدة التي فاتها قطار اللحاق بترشيحات أوسكار أفضل فيلم أجنبي، مثلها أوكرانيا ونيجيريا وكوبا مما نعلم الآن.
بعض الدول، كالصين، استبدلت فيلمها المعلن بسواه. وبعضها الآخر مثل روسيا بعثت بفيلم من المخرج ذاته الذي يشرف على مركز السينما في بلاده.
وهناك حالتان على الأقل، حيث تم إرسال الفيلم المرشّح من قبل اللجنة الوطنية في كل بلد، حسب أحد شروط الترشيح، قبل الموعد المحدد، لكنهما لم يظهرا في القائمة التي أعلنت في نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر وهما البحرين وبنما.
إنه الأوسكار من جديد الذي يبدأ كالعادة بإعلان قائمة بالأفلام الأجنبية التي سيتم اختيار الترشيحات الرسمية من بينها. هذا العام، بلغ عدد هذه الأفلام 81، مقدّمة باسم 81 دولة من بينها - عربيًا - لبنان وفلسطين والعراق والجزائر والأردن والمغرب.
باقي الدول العربية إما لم تنتج، وإما أنتجت أفلاما لا ترتقي أو أنتجت ولم تعرض ما أنتجته، تجاريًا، في الوقت المناسب، ما بين الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي إلى الثلاثين من سبتمبر (أيلول) من هذا العام.
شرط آخر تحرص الأكاديمية عليه بشدّة هو أن لا يكون الفيلم المرشّح تلفزيونيًا لا من حيث إنتاجه (إلا إذا تم عرضه سينمائيًا أولاً) ولا من حيث عروضه، بما في ذلك أن يكون الإنتاج سينمائيًا لكنه عرض تلفزيونيًا ولم يعرض في صالات السينما.
إنها المناسبة الـ88 للأوسكار ونتائج كل الترشيحات، بما فيها ترشيحات هذا القسم الناشط، تعلن في منتصف الشهر الأول من عام 2016. ما يجعل لترشيحات الأوسكار الأجنبي أهمية كبيرة هو أنها اشتراكات أمم وبلدان مختلفة تسعى لدخول السباق الرسمي على أمل أن تنجح بالفوز فتضيف إلى سينماها لمعانًا يستمر أثره طويلاً.
لكن معظم الدول التي تظهر أسماؤها في القائمة العامة، كتلك التي أعلنت قبل أيام، لا تصل إلى المرحلة شبه النهائية وبالتالي لا تصل إلى الفوز مطلقًا. هذا الوضع يشمل سينمات عريقة مثل البرازيلية والبريطانية (تشارك بفاعلية أكثر في المسابقة الرئيسية) والبلجيكية والكورية الجنوبية والأسترالية والتركية. هذه الأسماء وردت في القائمة العامّة لكنها لم ترد في الترشيحات النهائية (وهي اللائحة القصيرة المؤلّفة من خمسة أفلام).
وهناك دول نالت أوسكار أفضل فيلم أجنبي مرّة واحدة من بين كثير من المرّات التي وصلت فيها إلى الترشيحات النهائية مثل بولندا التي تشترك هذا العام بفيلم «11 دقيقة» لييرزي سكوليموفسكي، وسبق لها أن أرسلت 46 فيلمًا لدخول المسابقة، وذلك منذ عام 1963 عندما اختارت فيلم رومان بولانسكي «سكين في الماء» لهذه المناسبة. أما الفيلم الذي نجح في نيل الأوسكار عنه فهو «آيدا» لبافل بوفيلوفسكي وذلك في العام الماضي.
وهناك دول تجاوزت بولندا في عدد المرّات التي أرسلت فيها أفلاما لدخول المسابقة مثل المجر التي بعثت حتى الآن خمسين فيلما دخل منها ثمانية في الترشيحات الرسمية لتفوز مرّة واحدة وذلك عن «مفيستو» لاستفان شابو (1981) ومثل إسرائيل التي شاركت 47 مرّة ودخلت الترشيحات النهائية عشر مرّات لكنها لم تنل الأوسكار ولا مرّة.
الدولة العربية الوحيدة التي فازت بأوسكار أفضل فيلم أجنبي هي الجزائر. ففي عام 1969 شاركت للمرّة الأولى وذلك في فيلم لليوناني - الفرنسي كوستا - غافراس هو «زد» الذي موّلته الحكومة الجزائرية عبر ما سمي حينها «المكتب الوطني لتجارة وصناعة السينما». ذلك ورد خلال إقبال الدولة حينها على الاستعانة بفنانين أوروبيين لتحقيق أفلامهم في الجزائر، وكان المخرج الإيطالي الراحل جيلو بونتيكورفو سبق كوستا - غافراس في قطف هذه الفرصة عندما قام، عام 1966 بتحقيق «معركة الجزائر». ‬
«زد» بالمناسبة، فاز أيضًا بأوسكار أفضل مونتاج (لفرنسوا بونيه) وكانت بداية واعدة للسينما الجزائرية، و - بقدر معين - للسينما العربية ككل.‬
كان على السينما الجزائرية أن تنتظر حتى عام 1975 لكي تقدم فيلمها الثاني في ترشيحات الأوسكار وهو «وقائع سنوات الجمر» لمحمد لخضر حامينا، المخرج نفسه الذي يتقدّم هذا العام بفيلمه الجديد «غروب الظلال». وكرر لخضر حامينا (وقد ترأس مركز السينما لعدة سنوات) المحاولة مرّتين أخريين: عندما أنجز «ريح الرمال» (1982) و«الصورة الأخيرة» (1987). لكنه في كل هذه المرّات أخفق في الوصول إلى الخط الرسمي من الترشيحات.‬
‬على ذلك، السينما الجزائرية هي الأعلى بالنسبة للأفلام التي وصلت إلى الترشيحات الرسمية إذ أنجزت خمسة انتصارات في هذا المجال هي، لجانب «زد» الذي فاز بالأوسكار فعلاً، «خارج القانون» لرشيد بوشارب (2010) و«أيام المجد» لبوشارب أيضًا (2006) وقبلهما فيلم ثالث لرشيد بوشارب هو «غبار الحياة» (1995) والمرّة الخامسة كانت في فيلم آخر من فترة تمويل مخرجين أجانب عندما حقق الإيطالي المحتجب الآن إيتوري سكولا «قاعة الرقص» سنة 1983‬
إيطاليا تأتي في قمّة عدد الدول التي فازت بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وهي تشترك هذا العام بفيلم تمّت ترجمة عنوانه بالإنجليزية إلى «لا تكن سيئًا» للمخرج كلوديو كاليغاري مع بطولة للوكا مارينيللي وأليسندرو بورغي في دوري شابين صديقين يرتعان من نجاحات مادية في تسعينات القرن الماضي ويقبلان على الحياة حبًا بالمال والجنس والمخدرات.‬
وكان آخر فوز للسينما الإيطالية في هذا المجال عام 2013 عبر فيلم باولو سورنتينو «الجمال العظيم». قبله وقف بعض عظماء السينما الإيطالية لتسلم الأوسكار وفي مقدّمتهم فديريكو فيلليني عن «أماركورد» سنة 1974 وهو الذي رُشّح رسميًا لأوسكار آخر عن «روما» سنة 1972. لكن فيلليني كان نال الأوسكار أول مرّة سنة 1963 عن فيلمه الذائع «8 ونصف». ‬
فرنسا تأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد أفلامها الفائزة (12 فيلما) ولو أن آخر هذه الأفلام يعود إلى عام 1992 عندما نال «إندوشين» (إخراج ريغيه فارنييه) ذلك التمثال المذهب.‬
اشتراك فرنسا هذا العام مناط بفيلم عنوانه «موستانغ» وإخراجه مناط بدنيس غامزي إرغوفن. هي ممثلة وكاتبة تركية تتحوّل هنا إلى مخرجة للمرة الأولى مما يعني أنها شديدة الإعجاب بما أنجزته إذ يدخل فيلمها المحفل الفني الأول، ولو إلى حين إذا لم ينتقل إلى القائمة الأصغر. المثير للانتباه أن هذا الفيلم مموّل فرنسيًا (ويمثل السينما الفرنسية كما ذكرنا) لكنه تركي لا من حيث الإخراج والكتابة فقط، بل أيضًا من حيث الحكاية وشخصياتها وممثليها: حكاية خمس فتيات تجاوزن الأعراف الاجتماعية فتم فرض حبسهن في بيوت عائلاتهن ليبدأ البحث عن أزواج لهن للتستر على فضيحة لم نر الفيلم بعد لكي ندرك ما هي.‬
‬عربيًا هذا العام، وبينما يطمح محمد لخضر حامينا، لدخول الترشيحات الرسمية من جديد عبر «غروب الظلال» تطالعنا آمال خمس دول عربية أخرى تتنافس للغاية ذاتها. المشكلة هي أن ما هو جيّد منها (وليس كل ما تم إرساله جيدًا) ينافس أفلاما جيّدة أخرى قادمة من الشرق والغرب الأوروبيين كما من أميركا اللاتينية ودول آسيا غير العربية.‬
هناك فيلم فلسطيني يستحق دخول التصفيات عنوانه «المطلوبون الـ18» من إخراج مشترك لعامر شومالي وبول كووان. رسوم متحركة (في أغلب مشاهده) حول 18 بقرة رغبت قرية فلسطينية في استحواذها للاستغناء عن شراء الحليب ومشتقاته من المستوطنين الإسرائيليين، فما كان - ويقال إن الحكاية حقيقية - أن تم إرسال فوج من الجنود الإسرائيليين لإلقاء القبض على هذه البقرات. الفيلم منفّذ بسخرية كاملة ويأتي بينما تعيش فلسطين لحظات حاسمة بعدما نجح المستوطنون الإسرائيليون وحكومتهم الحالية، على حد سواء، في استعداء الرأي العام العالمي بسبب اعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين وممتلكاتهم.‬
لبنان أرسل 11 فيلمًا للأوسكار لم يتم ترشيح أي منها رسميًا، من بينها فيلم الراحلة رندة الشهال «طيارة من ورق» (2003) وفيلم نادين لبكي «كرامل» (2007) وفيلم فيليب عرقتنجي «تحت القصف» (2008) وفيلم «غدي» لأمين درة في العام الماضي. أما المرّة الأولى فوردت في عام 1978 عبر فيلم مجهول اليوم عنوانه «وعد الحب» لساركي مراديان. بعد عشرين سنة على ذلك الفيلم، بدأت الوتيرة الدؤوبة التي ما زالت مستمرة بفيلم زياد الدويري «بيروت الغربية».‬
فيلم «وينن» المشترك هذا العام عمل متوسط الجودة. أخرجه ستة مخرجين ومخرجات كل تسلم سرد حكاية، والتفاوت واضح بين مهارة ودونها. وأثار بعض النقاد في لبنان أن الفيلم الذي كان من الأفضل له أن يُمثل لبنان في الأوسكار هو «الوادي» لغسان سلهب. وهذا الفيلم في الواقع جيّد في الإجمال ولو أنه لا يخلو من الوهن، لكن الحقيقة أن كليهما لا يمكن لهما تجاوز المرحلة الأولى صوب الثانية.‬
‬ونجد أن العراق متمثل بفيلم «ذكريات على حجر» لشوكت أمين كوركي: دراما حول تلك الذاكرة المؤلمة لأكراد عانوا الجور الذي لحق بهم خلال سنوات النظام البعثي، وما زالوا واقعين تحت أسر تلك الذاكرة. هناك مخرج يصور فيلمًا عن الأحداث ويستمد من تجربته الشخصية بينما تقوم ممثلة بالعودة إلى تاريخها الشخصي أيضًا مؤمنة بضرورة المشاركة في هذا الفيلم. ‬
أربعة من هذه الأفلام كردية المنشأ إنتاجيًا وثقافيًا (بينها «ذكريات على الحجر») بينما مثل فيلما الدراجي الاشتراك العراقي في جانبه العربي.‬
اللافت جدًا أن المخرج العراقي سمير (كما يكتفي هو بالذكر) يقف وراء الفيلم المقدّم هذا العام باسم السينما السويسرية وعنوانه «أوديسا عراقية» (تناولناه هنا، كما سواه، في مرّات سابقة). وهو فيلم تسجيلي طويل (من نحو ثلاث ساعات) يتناول فيها المخرج الحديث عن الشأن العراقي من خلال الهم الفردي إذ يتحدّث عن هجرته وهجرة أقاربه وعائلته وذكرياتهم.‬
الاشتراك المغربي موجود بفيلم عنوانه «عايدة» لإدريس المريني وهي المرّة الحادية عشرة التي تقدّم فيها السينما المغربية فيلمًا لهذه الجائزة. الأولى تعود إلى عام 1977 عندما قام سهيل بن بركة بتحقيق فيلمه الجيد (وإن لم يكن أجود أفلامه) «عرس الدم». من عام 1998 تلاحقت المحاولات بفضل أعمال لنبيل عيوش وكمال كمال ورشدي زم وفوزي بنسعيدي وحسن بنجلون وإن لم يخترق أي منها القائمة الأخيرة.‬
«عايدة» هو عن امرأة يهودية مصابة بالسرطان تعود إلى وطنها الأول (المغرب) لتعيش أيامها الأخيرة. الموضوع أثار بعض التعليقات السلبية المسبقة للعرض وتحت عناوين عريضة مثل «اليهود أبطال السينما المغربية في (عايدة)». أمر يتصدّى له المخرج المريني عندما يقول: «هذه مسألة إنسانية بحتة وليست دينية. هي حكاية امرأة قررت العودة إلى الديار بسبب مرضها والمغرب بلد غير طائفي مفتوح على الديانات جميعًا كما هو معروف».‬



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».