بوتين يطلق حملة جني الثمار السياسية للعملية العسكرية في سوريا

استراتيجي روسي: الهدف ليس دفع الغرب للتنسيق بل اختيار الأسد أو المتطرفين

بوتين يطلق حملة جني الثمار السياسية للعملية العسكرية في سوريا
TT

بوتين يطلق حملة جني الثمار السياسية للعملية العسكرية في سوريا

بوتين يطلق حملة جني الثمار السياسية للعملية العسكرية في سوريا

يترقب العالم بحذر العمليات العسكرية التي تنفذها طائرات روسية في الأراضي السورية، التي انضمت إليها يوم أمس (الأربعاء) طرادات صاروخية قامت بإطلاق صواريخ مجنحة من بحر قزوين على أهداف في سوريا.
ويرى مراقبون أن مجمل الخطوات العسكرية الروسية في سوريا تهدف منذ البداية إلى تحقيق أهداف سياسية عدة، لعل أهمها، على المستوى التكتيكي، سعي موسكو لإجبار الغرب على التنسيق العسكري في سوريا، تمهيدًا لتنسيق حول طاولة التفاوض السياسي بشأن مستقبل سوريا، تضمن موسكو لنفسها فيه مكانة مؤثرة. في هذا السياق قد لا يكون خرق الطائرات الروسية للأجواء التركية أمرًا حدث بالخطأ، وفق ما يقول المراقبون، وكذلك الأمر بالنسبة لقصف مواقع بعض قوى المعارضة السورية. ذلك أن خرق الأجواء التركية قد يكون شبه تحذير من أن الأمور قد تخرج عن السيطرة إذا بقيت الأمور دون تنسيق بين الأطراف الإقليمية المنخرطة في الأزمة السورية، إن كانت تلك التي تدعم دمشق أو التي تقف مطالبة برحيل الأسد. أما استهداف مواقع المعارضة، حسب ما يرى البعض في موسكو، فسيدفع القوى الإقليمية التي تدعم فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى التنسيق مع القيادة الروسية لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث، وهنا ستعمل موسكو دون شك على فرض رؤيتها للحل السياسي في سوريا من جديد، انطلاقًا من تفاهمات عسكرية وسياسية بين الأطراف الدولة والإقليمية المتنازعة في سوريا حاليًا.
وفي الوقت الذي حذرت فيه تركيا من مغبة العملية العسكرية الروسية، ملوّحة بخسارة موسكو لعلاقات الصداقة مع أنقرة إن استمرت على نهجها الحالي، سارع الكرملين إلى التأكيد على العلاقات المتينة بين البلدين، وأكد المتحدث الصحافي باسم الرئاسة الروسية أن هذه العلاقات لن تتأثر بتطورات الأزمة السورية. وتعهدت موسكو بالتحقيق في حوادث خرق طائرات روسية للأجواء التركية. إلا أن خبراء في الشؤون العسكرية اعتبروا أن مثل هذه الحوادث قد تتكرر في المستقبل نظرًا لمحدودية الأجواء التي تتحرك فيها الطائرات الروسية خلال استهدافها مواقع في شمال وشمال غربي سوريا، الأمر الذي سيفرض على الجانبين، الروسي والتركي، التنسيق في هذا الشأن، تفاديًا لتكرار حوادث كهذه قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
من جانب آخر، أكد حلف الناتو وجود مصلحة مشتركة مع روسيا في التصدي لـ«داعش» الإرهابية، إلا أنه ربط موافقته بالتنسيق الاستخباراتي مع روسيا بتخلي الأخيرة عن دعمها للأسد. وأكد مندوب الولايات المتحدة في الحلف أن الناتو لا يريد أن تنزلق الأمور نحو منعطفات خطرة وصولاً إلى مواجهة مع روسيا في سوريا، ومن هذا المنطلق رحب ببدء الاتصالات بين موسكو وواشنطن عبر القنوات العسكرية والدبلوماسية لبحث إمكانية التنسيق حول الوضع في سوريا.
واعتبر المحلل السياسي يفغيني ساتانوفسكي، مدير «معهد الشرق الأوسط»، أن «روسيا تصرفت بلباقة وموضوعية، لكنها بحزم اقترحت على كل الراغبين إما التعاون وفق شروط موسكو، أو أفسحوا لنا المجال لنحارب ضد المجموعات الإرهابية، حيثما وكيفما نراه ضروريًا».
وفي خطوة اعتبرها البعض أولى محاولات من جانبه لجني ثمار مغامرته العسكرية في سوريا، قال الرئيس الروسي: «نحن ندرك أن مثل هذه النزاعات يجب أن تنتهي بحل المسائل السياسية». وجاء كلام بوتين بهذا الصدد بعد أن استمع من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لعرض حول العمليات في سوريا، وطلب منه ومن وزارة الخارجية الروسية مواصلة العمل مع القوى الإقليمية، لدراسة اقتراح قال بوتين، إن نظيره الفرنسي اقترحه عليه، وينص على توحيد جهود الجيش الحر مع الجيش السوري ضد «داعش». وشدد بوتين على أن «هذا الأمر لا يمكن تحقيقه من دون مشاركة المملكة العربية السعودية، وتركيا والولايات المتحدة والعراق وإيران».
في هذا السياق، قال المحلل السياسي الروسي ألكسندر شوميلين لـ«الشرق الأوسط»، إنه «من الصعب التعليق على ما يقول بوتين إنه اقتراح قدمه الرئيس الفرنسي، ولو أن هولاند نفسه قال هذا الكلام فإن الأمر سيختلف، لأنه منذ أيام قليلة عاد الرئيس الفرنسي وأكد أن الأسد لا يمكن أن يكون شريكًا في أي حرب بما في ذلك الحرب ضد (داعش)». واعتبر شوميلين أن العملية العسكرية الروسية في سوريا، بما في ذلك قصف مواقع المعارضة السورية «ترمي ضمان أمن ونجاح الأسد سياسيًا، وإلى إضعاف هذه المعارضة السورية عسكريًا لإضعاف تأثيرها في التفاوض مستقبلاً خلال العملية السياسية المحتلمة للتسوية». ولفت المحلل السياسي الروسي إلى أن الجانب الروسي يقول: «إن الضربات ليست ضد المعارضة، لكن ضد (داعش)، إلا أن الشعار الرئيسي الذي يرفعونه أنه لا توجد معارضة معتدلة والجميع متطرفون يجب القضاء عليهم»، من هنا فإن هدف موسكو حسب ما يرى شوميلين، ليس «دفع الغرب للتنسيق، بل وضعه أمام خيارين هما: إما الأسد وإما المتطرفون».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».