ارتفاع عدد ضحايا السيول في جنوب فرنسا إلى 19

شركات التأمين تحصي خسائرها.. والفيضانات المدمرة تعيد قضية المناخ إلى الواجهة

لا يزال نحو خمسة آلاف منزل دون كهرباء (رويترز)  -  وضعت شركات التأمين «إجراءات عاجلة» لدفع تعويضات خلال شهرين لقسم كبير من المنكوبين وفقًا للجمعية الفرنسية لشركات التأمين (رويترز)
لا يزال نحو خمسة آلاف منزل دون كهرباء (رويترز) - وضعت شركات التأمين «إجراءات عاجلة» لدفع تعويضات خلال شهرين لقسم كبير من المنكوبين وفقًا للجمعية الفرنسية لشركات التأمين (رويترز)
TT

ارتفاع عدد ضحايا السيول في جنوب فرنسا إلى 19

لا يزال نحو خمسة آلاف منزل دون كهرباء (رويترز)  -  وضعت شركات التأمين «إجراءات عاجلة» لدفع تعويضات خلال شهرين لقسم كبير من المنكوبين وفقًا للجمعية الفرنسية لشركات التأمين (رويترز)
لا يزال نحو خمسة آلاف منزل دون كهرباء (رويترز) - وضعت شركات التأمين «إجراءات عاجلة» لدفع تعويضات خلال شهرين لقسم كبير من المنكوبين وفقًا للجمعية الفرنسية لشركات التأمين (رويترز)

قال مسؤولون فرنسيون إنه بحلول، منتصف أمس (الاثنين)، تم العثور على قتيلين آخرين؛ مما رفع عدد القتلى إلى 19 شخصًا سببتها السيول التي نجمت عن أمطار غزيرة في الريفيرا الفرنسية في مطلع الأسبوع، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إعلان المنطقة السياحية في جنوب شرقي البلاد منطقة كوارث. وقال مصدر قريب من الملف لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «بين الضحايا بريطانيًا وإيطالية وبرتغاليًا»، دون مزيد من التفاصيل.
لكن لا يزال شخصان في عداد المفقودين، أمس (الاثنين)، ولا يزال نحو خمسة آلاف منزل دون كهرباء حتى صباح أمس، بعد أن عانى قرابة 70 ألفًا من انقطاع الكهرباء الليلة السابقة.
وأبلغ وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف الذي زار المنطقة المنكوبة، أول من أمس (الأحد) مع الرئيس فرنسوا هولاند راديو أوروبا، أمس (الاثنين)، أنه وقعت حالات نهب واعتقل تسعة أشخاص. وقال: «تدخلت الشرطة بشكل سريع للغاية لوقف هذه الأفعال الخسيسة». وأضاف أنه لا يزال نحو 300 شرطي و543 من رجال مكافحة الحرائق ينفذون عمليات البحث والإنقاذ في المناطق المنكوبة بسبب السيول. وغمرت الأمطار الغزيرة منطقة الألب المتاخمة لإيطاليا، مساء السبت الماضي، واجتاحت السيول البلدات المحلية بما في ذلك منتجع كان وعطلت مسارات النقل.
وبدأت منطقة الكوت دازور، أمس (الاثنين)، عمليات التنظيف. وفي بلدة بيو حيث قضى ثلاثة مسنين في دار للعجزة حمل عشرات المتطوعين المكانس لمساعدة المنكوبين في إزالة الوحول التي جرفتها السيول.
وقالت امرأة إن «الوحول في كل مكان ورائحتها كريهة وتتلف الأثاث» مؤكدة أنها «بحاجة إلى ثلاثة إلى أربعة أيام» لإصلاح منزلها. وعلى مسافة قريبة حاول نحو مائة عنصر متخصص بلباس الغطس، تنظيف مجرى نهر براغ الذي سقطت فيه أشجار مقتلعة وحواجز على أنواعها.
وصرح مسؤول في فرق الإغاثة لوكالة الصحافة الفرنسية: «إما يتم سحب قطع الخشب لإخراجها من المياه أو نقطعها إلى أجزاء صغيرة لكي لا تسد مجرى النهر» في حال ارتفاع منسوب المياه مجددًا. ومساء السبت الماضي، أعلن إنذار عن عواصف رعدية في جنوب شرقي فرنسا، لكن الأمطار الغزيرة التي تركزت على ثلاثين كلم فاجأت السكان. وفي بعض المناطق، وصل منسوب المياه إلى 180 ملم خلال ثلاث ساعات.
وفي ماندوليو لا نابول حيث كانت الحصيلة الأسوأ، عثرت فرق الإغاثة ظهرًا على جثة جديدة؛ مما يرفع عدد الضحايا في هذه المنطقة إلى ثمانية. وقضوا جميعًا في مواقف سيارات تحت الأرض أثناء محاولتهم إخراجها منها. وفي مدينة كان عثر على جثة أخرى ظهرًا في موقف للسيارات. وبعد العثور على هاتين الجثتين ارتفعت حصيلة القتلى إلى 19 مع مفقودين؛ واحد في مدينة كان، والآخر في أنتيب، وفقًا للسلطات المحلية.
وحتى الأحد لم يقدر حجم الأضرار المادية، لكن المنكوبين، وبينهم تجار أو سكان خسروا كل شيء بعد أن جرفت الوحول ممتلكاتهم، بدأوا أمس (الاثنين) باحتساب الأضرار.
وأعلن الرئيس فرنسوا هولاند الذي زار، أول من أمس (الأحد)، المنطقة المنكوبة، أن اجتماعًا لمجلس الوزراء سيعلن الأربعاء حالة الكارثة الطبيعية وهو إجراء أساسي لدفع التعويضات.
ودون تأخر وضعت شركات التأمين «إجراءات عاجلة» لدفع تعويضات خلال شهرين لقسم كبير من المنكوبين وفقًا للجمعية الفرنسية لشركات التأمين.
وقالت أديت بينكوفاري المحامية في بلدية بيو إن ممثلي شركات التأمين بدأوا يجولون في المنطقة المنكوبة و«طلبوا عدم رمي أي شيء قبل زيارة الخبير المختص والتقاط أكبر عدد من الصور عن الأضرار».
وعاد الجدل إلى الواجهة، أمس (الاثنين)، حول توقع هذه التقلبات المناخية العنيفة التي قد تزداد مع ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقال المتحدث باسم الحكومة ستيفان لو فول: «علينا أن ندرس ما إذا كان في إمكاننا توقع مسبقًا ما حدث»، متسائلاً حول مستوى الإنذار الذي أعلن السبت الماضي.
من جهته، قال وزير الخارجية لوران فابيوس، إنه لإنهاء هذا النوع من الكوارث الطبيعية يجب التوصل إلى اتفاق خلال المؤتمر الدولي حول المناخ في باريس في ديسمبر (كانون الأول). وأضاف: «مع التقلبات المناخية أصبحت الكوارث الطبيعية أعنف وأقوى». وأوضح: «إذا لم نتحرك بسرعة كافية أو بقوة كافية فإن هذه المأساة الفظيعة قد تتكرر».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».