القاهرة تعول على التزام أديس أبابا بـ«إعلان مبادئ سد النهضة» في ظل «خيارات محدودة»

مستشار وزير الري لـ «الشرق الأوسط»: وضعنا بدائل أمام صانع القرار المصري

مصر وإثيوبيا والسودان لدى توقيعهم وثيقة مبادئ سد النهضة في 25 مارس 2015 (صورة من الرئاسة)
مصر وإثيوبيا والسودان لدى توقيعهم وثيقة مبادئ سد النهضة في 25 مارس 2015 (صورة من الرئاسة)
TT

القاهرة تعول على التزام أديس أبابا بـ«إعلان مبادئ سد النهضة» في ظل «خيارات محدودة»

مصر وإثيوبيا والسودان لدى توقيعهم وثيقة مبادئ سد النهضة في 25 مارس 2015 (صورة من الرئاسة)
مصر وإثيوبيا والسودان لدى توقيعهم وثيقة مبادئ سد النهضة في 25 مارس 2015 (صورة من الرئاسة)

يعول مسؤولون مصريون على التزام أديس أبابا بوثيقة «إعلان المبادئ» لحسم الخلافات حول سد النهضة الإثيوبي، رغم انتقادات حادة للنهج الذي تتبناه القاهرة في المفاوضات الشاقة والمتعثرة حول السد الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، وتخشى القاهرة من تأثيره على حصتها التاريخية في مياه النيل.
ووقع رؤساء مصر والسودان (دولتا المصب)، وإثيوبيا، على وثيقة «إعلان مبادئ» كإطار للتفاوض حول السد في مارس (آذار) الماضي، لكن منذ ذلك التاريخ لا يزال مسار المفاوضات عالقا في «أزمات فنية»، بينما تواصل إثيوبيا بناء السد بسعة تخزينية قدرها 74 مليار متر مكعب، وهو ما تراه القاهرة سعة مبالغا فيها جدا بالنظر إلى الأهداف التنموية التي تعلنها إثيوبيا، بحسب الدكتور علاء ياسين مستشار وزير الري المصري.
واعترف ياسين أن مسار المفاوضات بطيء للغاية، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، المفاوضات تسير ببطء، كما لا نستطيع أن ننكر أن هذا البطء لا يصب في صالح مصر».
وتعتمد مصر بشكل شبه حصري على النيل لسد حاجاتها من المياه في الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي. ويمثل حجم الإنتاج الزراعي ما نسبته 14.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحسب تقديرات البنك الدولي.
وتقول الدول الثلاث إن إعلان المبادئ، الذي يتضمن 10 بنود، يعد أساسا للوصول إلى اتفاقات تفصيلية حول استخدام مياه النيل في تحقيق المصالح المشتركة، لكن الدكتور نصر الدين علام، وزير الري المصري السابق، يرى أن الإعلان يمثل إهدارا لحقوق مصر التاريخية، كما أنه لا يضع آليات «فض المنازعات».
وقال علام إن «على مصر أن توقف فورا مسار التفاوض بعد أن أثبت فشله.. فنحن لا نزال عند النقطة نفسها منذ 2011 عندما وضع الجانب الإثيوبي حجر الأساس، لكنهم لم يتوقفوا عن أعمال الإنشاء».
في المقابل، يرى مستشار وزير الري لشؤون السدود أن مسار التفاوض لم يفشل، وأن الجانب الإثيوبي عليه أن يجلس إلى مائدة المفاوضات قبل شروعه في الملء الأول للسد بحسب اتفاق المبادئ، ويضيف: «هذا أمر بالغ الأهمية وملزم».
وتظل الإشكالية من وجهة نظر وزير الري السابق أنه لا توجد جهة يمكن الاحتجاج لديها في حال عدم التزام أي من أطراف الثلاثة بإعلان المبادئ، ويضيف: «لا توجد آلية منصوص عليها في الاتفاقية لحسم الخلافات، والمفاوض المصري تجاهل الحصص المنصوص عليها في الاتفاقيات التاريخية واستبدل بها تعبيرات غائمة كالاستخدام العادل، والضرر، هذه أمور تقديرية.. والمشكلة الأساسية أن إعلان المبادئ لم يعكس المشكلات الحقيقية».
ويطالب علام بأن تلجأ القاهرة إلى وساطة دولية أو تحكيم دولي، وصولا إلى طرح القضية على مجلس الأمن، ويشدد على ضرورة أن تذهب بلاده في اتجاه تصعيد الأزمة سياسيا على الصعيد الدولي.
ويسود شعور لدى النخب المصرية بأن الأوضاع الدولية والإقليمية ليست مواتية لطرح الأزمة دوليا. ومثلت الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أديس أبابا، في يوليو (تموز) الماضي، مؤشرا إضافيا على وجود تعاطف دولي مع الطرف الإثيوبي.
وتحرص الدبلوماسية المصرية على تأكيد أن أزمة السد شأن خاص بالدول الثلاث، وقال المستشار أحمد أبو زيد المتحدث باسم الخارجية المصرية لـ«الشرق الأوسط» إن «القضية ليست مطروحة على المسرح الدولي، والحكم على فشل المسار التفاوضي القائم سابق لأوانه».
وأضاف أبو زيد أن «الحديث عن عدم وجود جهة للاحتجاج أمامها في ما يتعلق باتفاق المبادئ أمر ينسحب على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بشكل عام، والتحديات القائمة حاليا هي تحديات فنية مرتبطة بآليات عمل المكاتب الاستشارية لإعداد الدراسات حول تأثير السد، وهذه العقبة تواجه الدول الثلاث وليس مصر فقط».
واتفق وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا في أبريل (نيسان) الماضي على اختيار مكتبين استشاريين هما «بي آر إل» الفرنسي كمكتب رئيسي، و«دلتارس» الهولندي كمكتب مساعد، يتعاونان معا في تنفيذ الدراسات اللازمة لمعرفة الآثار المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على بناء سد النهضة.
وقال أبو زيد إنه «ليس دقيقا أيضًا القطع بأن التأخير في المسار الحالي يصب في صالح الطرف الإثيوبي.. يجب أن تذكر أن إثيوبيا وقعت على اتفاق المبادئ الثلاثي الذي تعهدت فيه أن تصل إلى اتفاق مع مصر والسودان حول قواعد ملء وتشغيل السد قبل الملء الأول، هذا اتفاق سياسي يلزم الرؤساء الثلاثة».
وأشار المتحدث باسم الخارجية إلى أن «إثيوبيا لا تتصرف بما يعن لها وليست الطرف المستفيد على طول الخط، ومصلحتها أن تصل إلى اتفاق مع دولتي المصب.. وهذه المصلحة ترجمها إعلام المبادئ».
وتؤكد القاهرة على أنه، وبغض النظر عن الصعوبات التي تواجه المفاوضات، لا يملك المفاوض المصري ترف تقديم تنازلات. ويقول الدكتور ياسين إنه «في ظل إيماننا بحق دول حوض النيل في التنمية، فإن لدينا ثوابت تحكم موقفنا التفاوضي، ومن غير الممكن أن نقدم تنازلات.. هذا لم يحدث ولن يحدث. ومنذ بداية الأزمة نضع بشكل دوري بدائل أمام صانع القرار المصري، ونعيد ترتيب هذه البدائل في ظل تقييم مستمر للموقف في ضوء المشهد الإقليمي والدولي».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.