عودة الحكومة اليمنية من المنفى .. واستتباب الأمن على رأس أولوياتها

بحاح بعد عودته برفقة 7 وزراء: عملنا في الخارج كان من أجل استعادة الدولة.. وفي الداخل لإكمال النصر وإعادة البناء

بحاح يسير مع عدد من المسؤولين المحليين بعد عودته إلى عدن أمس ({الشرق الأوسط})
بحاح يسير مع عدد من المسؤولين المحليين بعد عودته إلى عدن أمس ({الشرق الأوسط})
TT

عودة الحكومة اليمنية من المنفى .. واستتباب الأمن على رأس أولوياتها

بحاح يسير مع عدد من المسؤولين المحليين بعد عودته إلى عدن أمس ({الشرق الأوسط})
بحاح يسير مع عدد من المسؤولين المحليين بعد عودته إلى عدن أمس ({الشرق الأوسط})

عاد نائب رئيس الجمهورية اليمنية رئيس الحكومة، خالد بحاح، من الرياض إلى عدن أمس، برفقة سبعة وزراء، على متن طائرة وحماية سعودية، في خطوة شملت أيضًا نقل مقر الحكومة من العاصمة السعودية التي كانت انتقلت إليها قبل ستة أشهر إلى العاصمة المؤقتة لليمن.
وبذلك تكون الحكومة قد عادت رسميًا إلى الأراضي اليمنية بعد ستة أشهر على مغادرتها إلى الرياض وانطلاق العملية العسكرية التي يقودها التحالف العربي بشقيها «عاصفة الحزم» و{إعادة الأمل}. ودعمت الحكومة بهذه العودة حضورها داخل اليمن بعد طرد المتمردين الحوثيين وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، من جنوب البلاد وفي ظل استمرار المعارك الرامية لاستعادة صنعاء.
ومن المتوقع أن يرأس بحاح، خلال اليومين المقبلين، جلسة مجلس الوزراء. وترسخ عودة بحاح التأكيدات التي أطلقتها الحكومة من أن عدن باتت مدينة آمنة، على الرغم من حدوث بعض الحوادث من خلايا نائمة، وصفها مسؤولون يمنيون بكونها حوادث فردية لا تقلق الوضع الأمني عمومًا في المحافظة.
وفي أول تعليق له، على عودة الحكومة إلى عدن، نشر بحاح على صفحته في «فيسبوك» بيانا بعنوان «عودة الدولة». وقال فيه: «اليوم وبعد عدة شهور قضيناها بين أهلنا في المملكة العربية السعودية، وبعد تحرير عدن وغيرها من المناطق التي دمرتها ميليشيات الحوثي وحليفهم صالح؛ ها هي الدولة بحكومتها تعود إلى عدن، لممارسة مهامها الوطنية، في مرحلة استثنائية من عمر وطن يحلم بالدولة المدنية». وأضاف أن «الحكومة وهي تعود تعي حجم المعاناة الكبيرة التي يعيشها المواطن في المدن المحررة وكل التحديات القائمة، غير أنها تدرك ألا مناص من تولي المسؤولية والاستجابة لنداء الوطن، فكما كان عملها في الخارج من أجل استعادة الدولة والانتصار على قوى الشر، فإن عملها في الداخل لن يألوا جهدًا لإكمال النصر وتطبيع الحياة وإعادة البناء والتأهيل لكل جميل تم تدميره». ولفت إلى أن «الحكومة وهي تقف على عدد من الملفات، فإنها تولي ملف الشهداء والجرحى اهتمامًا بالغًا، فالعدد في ازدياد، وقد تم نقل الكثير منهم إلى خارج الوطن لاستكمال العلاج، والعمل جار لاستئناف عمل المستشفيات والمرافق الصحية لاستيعاب من تبقى ولتقديم الخدمات الطبية لأفراد المجتمع». كما اعتبر أن «ملف الإغاثة وإعادة الإعمار يشكل أولوية حكومية، لتعود الحياة إلى طبيعتها وبناء مدن تتمتع بروح المدنية وطابعها الحقيقي بعد سنوات عجاف مضت عليها».
يذكر أن الوزراء السبعة الذين عادوا برفقة بحاح هم: اللواء عبده الحذيفي وزراء الداخلية، والمهندس لطفي باشريف وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، والدكتور محمد الميتمي وزير التخطيط والتعاون الدولي، وعلوي بافقيه وزير شؤون المغتربين، والدكتورة سميرة خميس وزيرة الشؤون الاجتماعية، والمهندس وحي أمان وزير الأشغال والطرق، والدكتور رياض ياسين وزير الخارجية، بينما سيلحق بهم وزراء آخرون خلال الساعات والأيام القادمة وزراء النفط والصحة والشباب والرياضة.
من جانبه، أكد المتحدث باسم الحكومة، راجح بادي، أن الحكومة «نقلت مركز عملها من الرياض إلى عدن». وشدد على أن من أوليات الحكومة في الوقت الراهن دعم «المقاومة في تعز» (جنوب غرب) حيث تستمر المواجهات بين قوات الجيش الوطني والمتمردين. كما أعلن بادي في تصريحات صحافية أن وصول بحاح والوزراء إلى المدينة الجنوبية هو «انتقال كامل» و«ليس عودة مؤقتة». وأكد أن العودة هي «لإدارة شؤون البلاد من داخل اليمن» دون أن يستبعد أن يستمر بعض الوزراء بالتنقل بين عدن والرياض، خصوصًا في ظل الوضع الإنساني «الكارثي» في البلاد.
من جانبه، قال وزير النقل بدر باسلمه، إن أولويات عمل الحكومة الآن العمل على استتباب الأمن واستقراره في عدن، وبقية المحافظة المحررة. وأشار باسلمه، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أمس، من عدن، أنه جرى البدء بإنشاء مركز إقليمي لإيصال المساعدات الإغاثية إلى عدن، وبقية المناطق اليمنية، بالتعاون مع مركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية والإنسانية، مبينًا أن الحكومة اليمنية تعمل حاليًا على استكمال ترميم مطار عدن، وفتح المجال أمام كافة شركات خطوط الطيران الأجنبية. وأوضح أن هناك طلبات تلقتها الحكومة اليمنية من شركات خطوط طيران دولية وخليجية لتسيير رحلاتها إلى مطار عدن الدولي، إلا أن الحكومة ارتأت تأجيلها إلى حين انتهاء كل أعمال الترميم في المطار.
وأفاد وزير النقل بأن العمل يجري على معالجة الوضع الأمني، واستيعاب المقاومة في الجيش الوطني، استنادًا إلى قرارات الرئيس اليمني، مشيرًا إلى أنه خلال اليومين المقبلين سيكون اجتماع لمجلس الوزراء في عدن، وحاليًا يتم تجهيز مكاتب لعمل الحكومة اليمنية في عدن. وتابع: «حاليًا تسير الحياة في عدن بوتيرة عالية لعودة الحياة كما كانت عليه، مع استتباب الأمن، كما سيقوم الوزارء بزيارة لبعض المحافظات التي جرى تحريرها على يد الجيش الوطني اليمني، مسنودة من المقاومة الشعبية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي».
وحول وجود خلايا نائمة على أطراف وأجزاء من محافظة عدن، اعتبر الوزير باسلمه، أن وجودها أمر طبيعي نظرًا لتعمد تلك الميليشيات زرع تلك الخلايا النائمة في المناطق التي احتلتها، لافتًا إلى أن الرئيس المخلوع، كان يحاول زرع تلك الخلايا للقيام بعمليات اغتيال لمسؤولين موالين للشرعية في اليمن.
وحول تعيين نايف البكري وزيرًا للشباب والرياضة، وإعفائه من محافظة عدن، قال الوزير اليمني: «بحكم تواصل البكري مع الشباب، وعلاقاته معهم رأت القيادة السياسية أن يتولى الحقيبة الوزارية». وكانت مجموعة من أفراد المقاومة الشعبية في الجنوب قامت بزيارة إلى الرئيس هادي في مقره المؤقت في العاصمة الرياض، للاستيضاح منه عن أسباب إعفاء نايف البكري من محافظة عدن.
ويعد خالد بحاح أرفع مسؤول يمني يعود إلى عدن منذ الإعلان في منتصف يوليو (تموز) الماضي، عن استعادة المدينة الساحلية التي كان سبقه إليها، في الآونة الأخيرة، بعض أعضاء الحكومة لإحلال السلم فيها، وإصلاح البنى التحتية التي تضررت جراء القتال، واستهداف الميليشيات الحوثية وأتباع المخلوع علي عبد الله صالح على حدود المحافظة، فضلاً عن استهداف البنى التحتية بها، ومن بينها المطار الدولي لعدن.
من جانب آخر، كشف عز الدين الأصبحي، وزير حقوق الإنسان اليمني، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أمس، عن عزم الحكومة اليمنية تقديم ملاحظاتها تجاه تقرير حقوق الإنسان الصادر عن مجلس حقوق الإنسان في جنيف، فضلاً عن تقديم تقرير أعدته الحكومة إزاء انتهاكات الميليشيات الحوثية، وأتباع المخلوع صالح.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.