بيبي فان دير فيلدن.. نحاتة أولاً ومصممة جواهر ثانيًا

من التدوير واستعمال الأنتيكات تصوغ تحفًا

بيبي فان دير فيلدن
بيبي فان دير فيلدن
TT

بيبي فان دير فيلدن.. نحاتة أولاً ومصممة جواهر ثانيًا

بيبي فان دير فيلدن
بيبي فان دير فيلدن

«عندما تشترين قطعة جواهر من الذهب أو الماس، عليك أن تتركي كامل الحرية لقلبك يتحكم في اختيارك، لكن احرصي أن تكون مختلفة تماما عما تمليه توجهات الموضة».. هكذا أجابت بيبي فان دير فيلدن، مصممة الجواهر العالمية، عندما طرحنا عليها السؤال عن أهمية الجواهر والعناصر التي يجب أخذها بعين الاعتبار قبل شرائها.
جوابها للوهلة الأولى لا يتضمن أي جديد، فهذه النصيحة يكررها دائما صناع المنتجات المرفهة عموما وصاغة الجواهر خصوصا، لكن ما إن تبدأ بيبي فان دير فيلدن باستعراض تصاميمها أمامك وشرح الأفكار التي ولدت منها، تتغير الصورة وتفهم نصيحتها من منظور مختلف. أول شيء يثير انتباهك أنها ليست مصممة عادية، بقدر ما هي فنانة تعشق نحت المواد الغريبة وصياغتها على شكل منحوتات فريدة من نوعها. وإذا عرف السبب بطل العجب، فهي تتعامل مع التصميم من زاوية فنية بحتة كونها نحاتة أولا وأخيرا.
فبالإضافة إلى أنها ورثت هذا الفن عن والدتها النحاتة الهولندية المعروفة، ميشيل دايترز، فإنها درسته في أكاديميات عالمية في كل من فلورنسا وأمستردام والهايغ، قبل أن تفتتح في عام 2005 غاليري بأمستردام، أطلقت عليها اسم «وايت سبايس» أي مساحة بيضاء، بالتعاون مع والدتها، أصبح عنوانا مهما لمحبي الفن المعاصر. فقد كلمت الأم والبنت بعضهما بعضا، بحكم أن كل واحدة منهما تنتمي إلى جيل وتتبنى ثقافته الخاصة، مما انعكس على الأعمال التي تقدمانها. رغم النجاح، كانت بيبي تشعر دائما بشيء يشدها إلى تصميم الجواهر، و«تحديدا تصميم أشكال فنية بأحجام صغيرة يمكن للمرأة أن تستعملها في حياتها اليومية بدلا من بقائها في أروقة المتاحف» حسب قولها. وهكذا، وفي عام 2006، أطلقت دار جواهر خاصة بها تحمل اسمها متبوعا بـ«WEARABLE WORKS OF ART أي قطع فنية يمكن ارتداؤها، وأطلقت معها أول مجموعة كشفت فيها عن أسلوب ما زال يلازمها لحد الآن. أسلوب تستعمل فيه قطع أنتيكات، تعيد البريق إليها بصياغتها من جديد من خلال تصاميم معاصرة تطعمها بمواد حديثة. تعترف أنها خلال دراستها في إيطاليا، كانت تهوى قضاء أوقات فراغها في زيارة الأسواق الشعبية، حيث تباع المنتجات اليدوية القديمة، لتشتري ساعات جيب توقفت عقاربها عن الدوران منذ زمن، أو مفاتيح قديمة أصابها الصدأ، وغيرها من الأشياء التي أكل عليها الزمن ولم يعد أحد يرغب فيها، لأنها فقدت معانيها ولغة التواصل مع الآخر. بيبي فان دير فيلدن، في المقابل، كانت تفهم قصصها من النظرة الأولى، لهذا كانت تجمعها وتقضي أوقاتها تعمل على منحها حياة جديدة وروحا عصرية. تقول: «يمكنك أن تشبهيني بحكواتي، لأني أهوى الأشياء التي تؤثر في النفس وتترك بها صدى وتخلق حوارا. ويتلخص التحدي الذي أعشقه وأرى أنه من واجبي كفنانة أن أنجزه، إما في أن أعيد للقصة القديمة وهجها، أو أن أضعها في إطار جديد».
غني عن القول إن المجموعة الأولى قوبلت بترحاب شديد، مما شجعها على الاستمرار وتقديم المزيد مستغلة قدراتها كنحاتة لتحفر اسمها في عالم أصبح يعج بالمصممين الشباب والتصاميم المتشابهة. بالنسبة لبيبي فان دير فيلدن، فإن ما يميزها أو ما يمكن أن نقول بأنه أصبح ماركتها المسجلة، فهو استعمالها للمواد الغريبة والنادرة واعتمادها على عمليات لتدوير هذه المواد. فهي تستعمل مثلا اليشب الصيني، أو عاج الماموث الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 40 ألف عام، وتجلبه من «سيبيريا حيث تتساقط أسنانه بشكل طبيعي بسبب ذوبان الجليد». عمليات التدوير تشمل أيضا أجنحة الجعارين، لأنها تتساقط بشكل طبيعي ولا يرغب فيها أي أحد، أو بيض النعام التي تخضعها لتقنيات متطورة لتتحول إلى خامات صلبة. في حالة الجعارين تقول إن «التايلانديين، يأكلون الجعارين ويعتبرونها من الأكلات المرفهة، لكنهم يرمون أجنحتها، فأقوم بجمعها ودعمها بالفضة، ثم طليها بمواد أخرى وألوان متنوعة». وبما أنها تمزجها حينا بالذهب وترصعها حينا آخرا بالأحجار الكريمة مثل الماس فإنها تتحول إلى شبه أحجار ثمينة، لتكون النتيجة في الغالب قطعة فريدة لا تمت للتقليدي بصلة، لكنها تفتح حوارا فكريا وفنيا، وهذا ما تعشقه وتستهدفه أساسا. وتستدل على ذلك بخاتم بداخل خاتم، قالت إن فكرته ولدت عندما طلب منها زبون أن تصمم له خاتم خطبة يكون مميزا يقدمه للمرأة التي ينوي أن يتقدم لطلب يدها للزواج. وشرح لها بأن هذه المرأة تحب الجواهر الكبيرة، لكن بما أنها طبيبة فهي لا تستطيع ارتداء خواتم ضخمة. تقول: «فبما أنه لا يستطيع أن يقدم لها خاتمين في هذه المناسبة، توصلت بعد تفكير طويل، إلى هذا التصميم: خاتم صغير الحجم يمكنها استعماله في كل الأوقات، بما في ذلك العمل، يساعد حجمه أن يدخل في الثاني الذي يكون كبيرا يمكنها أن تستعمله في المناسبات الخاصة، وهكذا حُلت المشكلة».
الجميل في أعمال المصممة أنها لا تكتفي بتدوير المواد القديمة أو استعمال الأنتيكات وغيرها من الأفكار الحداثية، فهناك حضور قوي للطبيعة وكائناتها الحية أيضا، يظهر غالبا على شكل حيوانات صغيرة تبدو وكأنها تقفز على ورقة شجر أو تتعلق بلؤلؤة أو تنام على سوار من الذهب. القاسم المشترك بينها دائما هو الديناميكية البصرية التي تُخلفها، والتقنيات التي تجعلها تقوم بعدة وظائف. فبضغطة صغيرة، مثلا يمكن أن تتحول أقراط أذن متدلية إلى أقراط ناعمة، بينما يتحول نصفها الآخر إلى بروش أو سلسال وهكذا، وهو ما تلخصه بيبي فان دير فيلدن، بقولها إن منحوتاتها قابلة للاستعمال أو للاستعراض حسب العلاقة التي ستربط المرأة بها من النظرة الأولى، لأنها فعلا تحفًا فنية.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.