شاليمار شربتلي: أرسم كما أتنفس.. وأسعى للتحفيز على الدهشة الإيجابية

الفنانة التشكيلية السعودية: حان الوقت لقطع المسافات بين الفنان والمتلقي

الفنانة شاليمار شربتلي مع إحدى لوحاتها في بيتها في باريس
الفنانة شاليمار شربتلي مع إحدى لوحاتها في بيتها في باريس
TT

شاليمار شربتلي: أرسم كما أتنفس.. وأسعى للتحفيز على الدهشة الإيجابية

الفنانة شاليمار شربتلي مع إحدى لوحاتها في بيتها في باريس
الفنانة شاليمار شربتلي مع إحدى لوحاتها في بيتها في باريس

اختارت فرنسا هذا العام الفنانة السعودية شاليمار شربتلي، لتمثلها في المعرض الدولي على أرض المعارض في باريس، والذي يعقد شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، عبر رسم على دراجة نارية.
والفنانة شاليمار هي أول عربية وأول رسامة تختارها فرنسا لتمثيلها في هذا المعرض الدولي.
وعرفت شربتلي، التي تؤكد في كل مناسبة اعتزازها بكونها سعودية، بابتكارها لفن عصري جديد، هو الفن الحركي أو الفن المتحرك، وهو رسم أنجزته الفنانة السعودية على سيارة كاريرا بورش، وأثار نوعا من الدهشة دفعت بالسيارة نحو كل المعارض الدولية المتخصصة في مجال السيارات. وجعلها محط أنظار الزائرين ووسائل الإعلام.
«الشرق الأوسط» التقت الفنانة السعودية شاليمار شربتلي وكان لها معها حوار هذا نصه:
*شاليمار اختارت نوعا جديدا من الرسم، غير مألوف عربيا ودوليا، وأن يكون الاختيار لهذا الفن الذي يعتبر تحديا من طرف امرأة سعودية بالذات هو اللافت في الموضوع، فلم هذا الاختيار؟
- شخصيا ومنذ طفولتي يتعبني جدا كل ما هو معدني، لا أقدر أن أتحمل وجود المعدن من حولي سواء بلونه الفضي الأصلي أو حتى تحت أي لون أو نوع من الطلاء.
ويزعجني جدا عندما أنزل إلى الشوارع، أن أرى السيارات بألوانها المختلفة مصطفة الواحدة وراء الأخرى بلون واحد جامد حتى وإن اختلف من سيارة لأخرى، وحتى وإن تحركت.
لذلك فكرت في ضرورة استحداث طريقة تدخل الحركة على جمود المعادن، وبما أني رسامة فكرت في ابتكار نوع من الرسم على السيارات في البداية، لإدخال نوع من الحياة والحركية حولنا.
*هل كان هذا السبب الرئيسي للتوجه نحو هذا الفن الجديد؟
- بالتأكيد لي أسباب أخرى، من أهمها أني ومنذ بداياتي كرسامة كنت أطمح لنقل اللوحات من المعارض إلى الناس، أردت أن يكون الفن حول الجميع، وأن يحيط بكل شرائح المجتمع على اختلاف طبقاته.
أردت تغيير السائد، وهو أن الفن مخصص لطبقة معينة من الناس، وهم النخبة المثقفة، أو الأثرياء الذين بإمكانهم زيارة معارض معينة.
أرى أن الوقت قد حان لينزل الرسم للشارع ويحيط بالناس.
*أليس في هذا تحد واستباق لمراحل قد تحتاج البشرية أن تتخطاها لتتقبل هذا الأمر بمرونة وسلاسة؟
- أنا أنظر بكل انفتاح للمستقبل، ولا أرى حدودا للفنان، الحركة نحو المستقبل هي التي تحركني، وتحرك فرشاتي وتحرك الألوان التي أختار والخطوط التي أرسم.

*هل مفهوم الحركة لديك هو الذي دفعك لاختيار السيارات، والدراجات النارية؟
- نعم وكما قلت في البداية، اختياري للسيارات كان لأني أردت وأطمح لأن تنقل الرسومات من لوحات على جدران المعارض إلى أجسام متحركة في الشوارع، تماشيا مع نسق الحياة العصرية السريعة، ولأني أؤمن أنه من حق الجميع الاستمتاع بها.
وبالنسبة للدراجة النارية، أنا لم أكن قد فكرت في الموضوع بعد، لكن فوجئت وسعدت باتصال «راديوفرانس»، وهي أهم إذاعة رسمية في فرنسا، وعرضت علي دراجتين ناريتين، اخترت واحدة منها لأرسم عليها ولتكون في موقعهم على أرض المعارض الدولية بباريس ديسمبر 2015.
*كيف تفسرين وصول فنانة سعودية إلى العالمية، وما الذي تطمحين إلى إيصاله، شخصيا ونفسيا للآخرين؟
- الثقل العربي لعب دورا كبيرا في تكويني، فالنشأة الثابتة التي حظيت بها في السعودية ثم في مصر، كما أني متمسكة بعباءة وطني الذي أطمح لتشريفه حيثما كنت.
وبالنسبة لي كإنسانة فنانة، فأنا أرسم كما أتنفس، بعيدا عن الانفعالات، وأرى أن منطقة الغضب من أصعب المناطق، وأعتقد أن دور الفن أن يصنع حالة من النقاش الإيجابي التي تولد بدورها حالة من الدهشة الإيجابية.
لأن الناس الآن تعودوا على مفهوم الدهشة السلبية الناتجة عن الكوارث والحروب، وما يحدث في هذا الزمن.
ورغم الاغتراب الذي يعيشه كل فنان، فأنت تتحدث لغة نفسية لا يتحدثها الآخرون، أنا مؤمنة وأعمل على ترسيخ التحفيز على الدهشة الإيجابية.
*من اللوحات إلى السيارات والدرجات النارية، ومؤخرا شهدنا مشاركة لك في معرض الموضة، خطواتك نحو الموضة، والرسم على الثياب، هل هي قصة منفصلة أو تواصل للحكاية؟
- بالنسبة لي ما أردت تحقيقه هو تغيير في مفهوم الرسم والفن التشكيلي، هو نقله من البرج العاجي الذي ينظر إليه الناس العاديون ولا يطالونه، إليهم، وهذا ما قمت به عبر نقل رسوماتي إلى السيارات طامحة إلى تعميم هذا في كل الشوارع، والآن، أريد نقلها على الثياب العادية لذلك اخترت الـ«تي شيرتات»، وبنطلونات الجينز.
أطمح إلى نقل متعة الفن إلى الجميع، وأرى أن زمن المسافات بين الفنان والمتلقي حان الوقت لقطعه وبسرعة فائقة، لذلك أعتمد الفن الحركي.
*هل لقي توجهك للموضة إقبالا مثل الذي حظي به نجاح الفن الحركي على سيارة البورش التي نقلتك نحو العالمية؟
- النجاح الحقيقي بالنسبة لي في العمل، فهو الذي فرض نفسه رغم المنافسة، والحمد لله حتى في مجال الأزياء لقيت أصداء إيجابية، انعكست على العمل بشكل مباشر، والآن هناك مفاوضات حول مشاريع عمل مستقبلية مع دار «ديور» للأزياء، والتي صممت لها حقيبة يد.
*ما أهم مشاريعك المستقبلية في مجال الموضة؟
- أعمل حاليا على الإعداد للمشاركة في مجال الإكسسوارات والجواهر في معرض فني «بيغ بوي تويز» في أبوظبي في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والذي سأعرض خلاله تجربتي في تحويل الفن نحو الجواهر أيضا، وسيقام في المعرض مزاد علني على قطعة من تصميمي، وثلاث لوحات خاصة بي، وملابس من تصميم المصمم العالمي فيصل مرزوق والتي قمت أنا بالرسم عليها.
كما سأشارك في معرض في لوس أنجليس في أميركا على هامش المعرض الدولي «آرت هارت» في الـ8 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

** من إنجازات شاليمار شربتلي
*شاركت الفنانة التشكيلية شاليمار شربتلي في العديد من المعارض العربية والدولية، حيث مثلت المملكة العربية السعودية.وهي أول امرأة سعودية، كلفتها الحكومة السعودية بإنجاز جداريات فنية في الطرق الشهيرة في جدة، ولا تزال الرسومات موجودة حتى اليوم في طريق الأمير فيصل بن فهد في جدة بطول 4 أمتار «أنجزت عام 2005م»، وأخرى على كورنيش جدة مقابل قصر الضيافة بارتفاع 18 مترًا «عام2008»
ومن بين معارضها الدولية التي شاركت فيها مع خوان راميريز، الوريث الشرعي لسلفادور دالي، في عام 2006 في مونمارتر في باريس وماربيا في إسبانيا في عام 2007.
شاركت شربتلي أيضا في مونديال باريس 2014 للسيارات، مسجلة أرفع حضور عربي خلال هذا الحدث العالمي الذي يجتذب عددا كبيرا من المشاركين من مختلف أنحاء المعمورة.
وتمثلت مشاركة شاليمار في سيارة من طراز كاريرا بورش من تصميمها، استوحت فيه عددا من الرسومات التشكيلية المتميزة، مستخدمة ألوان الدوكو الخاصة بالسيارات، وقدر المشاركون في المعرض تكلفة السيارة بمليون يورو بعد الرسم، في حين كانت تبلغ قبله 200 ألف يورو فقط، فيما أعلنت مجموعة «بورش ديزاين» عن عقد مع شاليمار لتكون أول مصممة عربية ترسم سيارة تشارك في مونديال عالمي للسيارات.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)