باقات متنوعة من الفنّ الكلاسيكي ممزوجة بالتراث العماني المحلي

احتفاء بالذكرى الثلاثين لتأسيس الأوركسترا السيمفونية السلطانية

جانب من حفلات الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية
جانب من حفلات الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية
TT

باقات متنوعة من الفنّ الكلاسيكي ممزوجة بالتراث العماني المحلي

جانب من حفلات الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية
جانب من حفلات الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية

يرفع مسرح دار الأوبرا السلطانية العمانية خلال الأيام المقبلة وتيرة نشاطه ضمن باقات متنوعة من الفنّ الكلاسيكي العالمي، ممزوجًا بالتراث المحلي، وذلك احتفاء بالذكرى الثلاثين لتأسيس الأوركسترا السيمفونية السلطانية العُمانية، وبمناسبة اليوم الوطني الـ45 للسلطنة.
احتفالات تأسيس الأوركسترا تنطلق مساء الخميس المقبل بأمسية حافلة بالفنّ الموسيقي تعزف خلالها سيمفونيات تم تأليفها خصيصا للسلطنة، تحكي جانبًا من تاريخ عمُان ورؤيتها للمستقبل. يسبقها مساء الأربعاء المقبل أمسية من الغناء الأوبرالي للتينور الشهير جوناس كاوفمان بمصاحبة الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية.
وتعد «فرقة الأوركسترا السيمفونية السلطانية» التي أسّست في سلطنة عُمان في شهر سبتمبر (أيلول) عام 1985، الفرقة الأولى في منطقة الخليج، وتم تأسيسها برعاية السلطان قابوس بن سعيد، وهي تأخذ على عاتقها تقديم وعزف جماعي لقطع كلاسيكية مطولة، وتضم هذه الفرقة التي كان ظهورها الأول في يوليو (تموز) 1987 من 85 عازفًا، وبلغت حصيلة الحفلات الموسيقية التي قدمتها حتى الآن ما يزيد على 140 حفلاً موسيقيًا بين عام وخاص داخل السلطنة وخارجها.
يتضمن برنامج الحفل مجموعة السيمفونيات العُمانية ليوسف شوقي من مصر، والرقصات السيمفونية العُمانية (المجموعة 1 و2 و3) لعزيز الشوّان ويوسف شوقي، و«النهضة المباركة» للفنان حمدان السهيلي وبيرد ريدمان، ومقطوعة «انطباعات عُمان السيمفونية» للملحن الأرجنتيني الشهير لالو شيفرين، و«السبيل إلى عُمان» للفنان الروسي شيرفاني تشالايف.
وتمزج بعض هذه المعزوفات إيقاعات الطبول العمانية مع آلات الأوركسترا الأوروبية الكلاسيكية، في مزيج مدهش ومتناغم للغاية، حيث تَستخرِجُ النغماتُ من الإيقاع العماني التقليدي أبعادا موسيقية جديدة.
وضمن الاعتناء بالطرب العربي يقيم الفنان اللبناني وائل جسار في 11 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل حفلاً في دار الأوبرا، وذلك ضمن مناسبات الاحتفال باليوم الوطني.
منتصف أكتوبر يشهد مهرجان الموسيقى العسكرية العمانية على مدى ثلاثة أيام. كما يقيم الفنان المصري هاني شاكر حفلاً غنائيًا في 18 أكتوبر المقبل.
ويحيي الفنان اللبناني ماهر زين حفلاً على مدى يومين في ديسمبر (كانون الأول) المقبل تحت عنوان «أغان للإنسانية» ويأخذ الحفل السنوي «كلثوميات» هذا العام اتجاها عربيا أوسع من مصر حين تشارك فيه الفنانة السورية شهد برمدا والمغربية أسماء المنور.
تم تأسيس «فرقة الأوركسترا السيمفونية السلطانية» بإرادة سلطانية، وتولى «الحرس السلطاني» بجانب التأسيس مهام التدريب والتأهيل، أما أفرادها، منذ أسست، فشبان وشابات عمانيون جرى تأهيلهم وتدريبهم داخل معهد خاص يمنحهم شهادات معترفا بها دوليًا، ويدرس هؤلاء الشباب إلى جانب الموسيقى، منهاجًا أكاديميًا واسعًا يشمل اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم، وتم تدريبهم الموسيقي على أيدي موسيقيين محترفين تم التعاقد معهم من كل أنحاء العالم، ومع مرور الوقت برزت مواهبهم الفنية، حيث خضعوا لامتحانات المجلس الموحد لمدارس وكليات الموسيقى في بريطانيا، وبالتالي حصولهم على مؤهلات معترف بها دوليًا. ولا يزال الكثير من أعضاء الأوركسترا الأساسيين الذين بدأوا مشوارهم الفني مع الموسيقى الكلاسيكية لأول مرة فيها حتى اليوم.
وشاركت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية في محطات عالمية بارزة من بينها: بلجيكا وبرلين، وحفل «اليونيسكو» بباريس، كما سجلت ظهورًا متميزًا في عام 1996 مع اللورد مينوهين، وفي عام 2005 مع عازف الكمان الشهير الهندي الدكتور سوبرامانيوم وذلك عندما احتفلت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العُمانية بعيدها العشرين. وكان من أبرز عروضها الدولية العزف في مدينة سالزبورغ بالنمسا مسقط رأس النابغة موتسارات، بجانب عرض مهم في دبي. ومن العادة أن تعزف تحفًا لكبار الموسيقى العالميين من أمثال موتسارت وبيتهوفن وباخ وهايدن وفاغنر وبيرليوز وريمسكي كورساكوف وراخمانينوف وبروكوفييف وروسيني. كما استضافت الفرقة عددًا من أشهر المايستروهات ومشاهير العزف المنفرد، بينهم كريستوفر إيدي وديمتري اليكسيف وهوارد شيلي وتاسمين وتيموثي رينش ومارتن ونتر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».