روسيا تضاعف نشاطها في سوريا لمنافسة تركيا ومنع سيطرة إيران على الساحل بعد الاتفاق النووي

معارض وخبير: موسكو تعد للدفاع عن العلويين في حال انهيار مفاجئ للنظام وتحتفظ بوجودها في المياه الدافئة

رجل إسعاف يحمل طفلاً سورياً أصيب بسبب غارة شنتها قوات النظام على منطقة دوما في دمشق أمس (غيتي)
رجل إسعاف يحمل طفلاً سورياً أصيب بسبب غارة شنتها قوات النظام على منطقة دوما في دمشق أمس (غيتي)
TT

روسيا تضاعف نشاطها في سوريا لمنافسة تركيا ومنع سيطرة إيران على الساحل بعد الاتفاق النووي

رجل إسعاف يحمل طفلاً سورياً أصيب بسبب غارة شنتها قوات النظام على منطقة دوما في دمشق أمس (غيتي)
رجل إسعاف يحمل طفلاً سورياً أصيب بسبب غارة شنتها قوات النظام على منطقة دوما في دمشق أمس (غيتي)

كشف الإقرار الروسي الأخير بزيادة دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، عن مساعي موسكو لحفظ موقع سياسي وجغرافي لها على الخارطة السورية، والاحتفاظ بوجودها على المياه الدافئة، فضلاً عن خلق توازن في النفوذ مع تركيا، الغريم التقليدي لروسيا، وسحب أوراق من يد طهران التي ضاعف اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة الهواجس الروسية من تنامي دورها في سوريا، بحسب ما يقوله معارضون سوريون وخبراء في الأزمات الدولية.
روسيا كانت قد كررت على ألسنة مسؤوليها منذ مطلع الشهر الحالي، تأكيدها رفع مستوى الدعم اللوجيستي والعسكري للنظام السوري «لمحاربة الإرهاب» كما تزعم، بعد جرعة دعم عسكرية متطورة للنظام تمثلت بمنحه مقاتلات «ميغ 31» المتطورة، إثر إعلان تركيا الانخراط في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا، وفي المقابل، تزداد المؤشرات على انخراط عملي لها، وفق ما أكدته تقارير أميركية عن وجود عسكريين وخبراء روس في منطقة الساحل السوري، وهو ما واظبت موسكو على نفيه، رغم اعتراف وزير خارجيتها سيرغي لافروف أمس «إن روسيا تجري تدريبات عسكرية في البحر المتوسط تستمر لفترة وبما يتماشى مع القانون الدولي».
هذه المؤشرات، تتزامن مع تراجع عسكري للنظام السوري في جبهتين استراتيجيتين، إحداهما مطار أبو الظهور العسكري في شرق ريف محافظة إدلب، ومطار دير الزور العسكري في شرق البلاد، مما يدفع معارضين سوريين لتلمس «مخاوف روسية من انهيار مفاجئ للنظام»، كما يقول المعارض السوري البارز جورج صبرة. ولقد أوضح صبرة لـ«الشرق الأوسط» أن التدخل الروسي «دليل إضافي على خوف الروس من انهيار مفاجئ للنظام، وهم يتوقعون انكفاء سريعًا للنظام إلى الساحل»، حيث معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها رأس النظام بشار الأسد. ويؤكد صبرة أنه «إذا حصل الانكفاء السوري، فإن النظام وداعميه سيتوجهون إلى الساحل حيث ستستغل روسيا الموضوع لحمايتهم، انطلاقًا من أن لها قاعدة سابقة لحماية الأقليات في سوريا، ولو كانت هذه المرة غير أسقفية»، في إشارة إلى حماية روسيا للمسيحيين الأرثوذكس في القرن التاسع عشر.
ولا يحصر صبرة، وهو قيادي في «الائتلاف الوطني السوري» و«المجلس الوطني السوري»، عوامل التدخل الروسي بالانهيار العسكري للنظام، إذ يربطه أيضًا بتراجع الدور الأميركي، فيقول إن موسكو «تستغل الإخلاء الأميركي للمنطقة، كون الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يبذل الجهد اللازم للأزمة السورية، بل ينسحب منها ويهملها مؤقتا»، ويشير في المقابل إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يحاول القبض على الورقة السورية للمقايضة مع الأميركيين في أوكرانيا».
ويضيف أن العامل الثالث، يتمثل «في أن الروس، شعروا بأن الإيرانيين هم المستفيد من الوضع السوري إثر الاتفاقات الأميركية والإيرانية التي دعمت الأسد». وعليه، «وجدت أنه لا بد من أن تأخذ شيئًا، خصوصًا وأن نتائج الورقة السورية ستنعكس على مواقع في المنطقة وتمتد آثارها في العراق ولبنان».
من جانب آخر، يرى الباحث الاستراتيجي اللبناني الدكتور سامي نادر «ارتفاع المؤشرات على انهيار النظام السوري، إثر التطورات الميدانية في غير مدينة سوريا.. لكن الروس لن ينضموا إلى الصراع في موقع القتال إلى جانب النظام وفق الخطة (أ) كي لا يكرّروا تجربة حربهم في أفغانستان 1979»، وأوضح نادر لـ«الشرق الأوسط»، شارحًا أن موسكو «يمكن أن تتحصن في مواقع دفاعية، تعتبر الملجأ الأخير للنظام». لكنه يشير إلى أن التدخل الروسي، «له أبعاد دولية أخرى أهمها منع الفريق الإيراني، الذي يعد الأقوى إلى جانب النظام في هذا الوقت، من السيطرة على الشاطئ المتوسط من الناقورة (جنوب لبنان) إلى اللاذقية (شمال غربي سوريا)، وذلك في حال تقسيم سوريا، وهو ما سيحرم الروس من امتيازات لهم على الساحل منذ إنشائهم القاعدة البحرية في طرطوس عام 1966».
ويقول نادر، وهو أستاذ في العلاقات الدولية: «الواضح أن هناك مباحثات حول سوريا بين واشنطن وطهران، وهو ما يزيد مخاوف موسكو من أن يذوب العلويون في البحر الفارسي، لذا، يعتبر الروس أن الحلف مع العلويين مهم، لأن العلويين إذا لم يتعرضوا للاقتلاع من قبل المد الشيعي، فإنهم قد يُقتلعون من قِبل تركيا التي دخلت الفضاء السوري وكانت العامل الذي غيّر المعادلة في البلاد ودفع باتجاه روسيا للدخول بشكل واضح، لأن المنطقة العلوية جغرافيًا، امتداد للإسكندرون التي ابتلعها الأتراك في القرن الماضي».
وحقًا، المنافسة بين تركيا وروسيا، معروفة تاريخيًا، وتصاعدت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بفعل ضم أنقرة جمهوريات القوقاز إلى المنطقة الاقتصادية التركية، وهو ما يجعل الصراع الخفي بين البلدين في مستويات مرتفعة. ولا يستبعد صبرة، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» التنافس الخفي الروسي مع الموقع التركي بشأن سوريا «من غير أن يُربط بدعم أنقرة لإنشاء منطقة آمنة لم تتضح معالمها حتى الآن على الحدود التركية، بفعل النزاع الأميركي – التركي عليها». ويقول: «الروسي يريد أن يحفظ حصته لأن حدود تركيا مع سوريا تمتد لأكثر من 800 كيلومتر، وكانت لها علاقة طيبة مع النظام سابقا، واليوم تربطها علاقة طيبة مع الشعب السوري». ويشدد على أن «هناك رغبة في السياسة الروسية أن تضع موسكو قامتها في المنطقة وتحافظ على وجودها فيها».
بدوره، يوضح نادر أنه «منذ انهيار جدار برلين، كل تراجع في موسكو كانت تستفيد منه تركيا»، مشيرًا إلى أن اتفاق تركيا مع أميركا على المنطقة الآمنة «هو عنصر دفع روسيا لتحجز منطقة لها، تماثل المنطقة الآمنة، وتثبتها على الجبهة الغربية، وهو ما يمنع أيضًا مشروع المد الساحلي الإيراني إلى اللاذقية، مما يضطرهم عبر حزب الله، إلى توقيف مدهم عن حدود القلمون وحمص».
ويتابع نادر: «إضافة إلى تلك الأسباب التي تضاعف النشاط الروسي في سوريا، وبينها الحفاظ على موقع الأسد في (سوريا المفيدة) التي تمتد من دمشق إلى مدينة حلب ونزولا إلى الساحل، تبرز قضية حفظ موقع اقتصادي للشركات الروسية من غاز المتوسط، المنتظر استخراجه قريبًا في سوريا وقبرص ولبنان وإسرائيل، فضلاً عن «منع خط أنابيب الغاز الشيعي الذي حكي عنه في عام 2012، ويمتد من إيران إلى العراق، وصولاً إلى البحر المتوسط عبر البادية السورية». ويشير إلى أنه «إزاء هذه القضية، تعتبر روسيا أن لها مصلحة بالتقسيم وبقاء داعش في منطقة تفصل العراق عن سوريا، لمنع تقوية إيران كمصدر منافس لروسيا بالغاز إلى أوروبا».
كذلك يشير نادر إلى إعادة تعزيز روسيا دورها كحامية للمسيحيين، «نظرًا لأن لها جذورًا تاريخية كبيرة على هذا الصعيد، منذ القرن التاسع عشر، حيث أنشأوا 72 مدرسة وإرسالية في سوريا لتزاحم الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تمتد في المشرق».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.