هندي يشيد تاج محل مصغرًا تخليدًا لذكرى زوجته

التاريخ يعيد نفسه بعد أربعة قرون

هندي يشيد تاج محل مصغرًا تخليدًا لذكرى زوجته
TT

هندي يشيد تاج محل مصغرًا تخليدًا لذكرى زوجته

هندي يشيد تاج محل مصغرًا تخليدًا لذكرى زوجته

شيد الإمبراطور المغولي شاه جهان في عام 1631 نصبًا تذكاريًا للحب ذا شهرة عالمية، إنه تاج محل تخليدًا لذكرى زوجته. وتتبعًا لخطاه، قام رجل هندي عجوز ببناء نسخة مصغرة من تاج محل لتخليد ذكرى زوجته الراحلة.
شيد فيصل حسن قدري (81 عامًا)، ساعي البريد بالمعاش، مبنى أسماه «تاجو ماهان» في ذكرى زوجته الراحلة، بيغوم تومولي، التي تزوج بها في سن المراهقة في ولاية أوتاربراديش الهندية.
بنى قدري تاج محل الخاص به على مساحة من الأرض تبلغ 5 آلاف قدم مربع، وعلى الرغم من صغر المساحة المذكورة مقارنة بالنصب التذكاري الأصلي، فإنه يعتبر نسخة طبق الأصل من النصب الأصلي لكل أولئك الذين لم يشاهدوا تاج محل الحقيقي. وعلى الرغم من أن تاجو ليس به إلا غرفة وحيدة، على العكس من النصب الأصلي الذي يضم الكثير من الغرف والصالات المحيطة بالقبر، ولكن عند النظر إليه من على بعد، ونظرًا لقبته ومناراته، فإنه يبدو كمثل تاج محل الأصلي تمامًا.
عند زيارة ذلك المكان، فإن قصة تشييد تاج محل المصغر تبدو شديدة الإلهام.
حيث يقول السيد قدري: «ليس الحجم فقط، ولكن كل شيء آخر، إن تاج محل خاصتي به أشياء مماثلة تمامًا من التي يتمتع به تاج محل الأصلي. وعند اكتماله، سوف يغطي مساحة فدانين من الأرض، وبه حديقة تشبه تلك المحيطة بتاج محل الحقيقي. لقد أنفقت 45 ألف دولار أميركي على بنائه حتى الآن».
يضم مبنى تاجو ماهان، ثُماني الشكل، قبر زوجته الراحلة، على غرار النسخة الأصلية تمامًا. وأضاف قدري: «كتبت في وصيتي أن يكون قبري مجاورًا لقبرها، كما قال لمراسلة «الشرق الأوسط»، مضيفًا أنه كلما اشتاق إليها لا يحتاج الذهاب إلى قبرها، بل عليه فقط النظر من نافذة منزله إلى ضريحها».
تقول كتب التاريخ إن الإمبراطور شاه جهان ظل محدقًا بنظره إلى تاج محل حتى آخر أيام حياته، وكأنه كان سجينًا وليس حاكمًا عظيمًا. واستولى نجله أورنكزيب على التاج المغولي وعمد إلى سجن والده في قلعة أغرا الحمراء. وسواء كان ذلك عزاء أم لا، إلا أن شاه جهان طالب بأن تكون له نافذة تطل على تاج محل من محبسه.
يقول قدري: «كانت زوجتي تبلغ 14 عامًا عندما تزوجنا، وكانت امرأة جميلة قليلة الحديث. ولم نرزق بأطفال، وكانت زوجتي حزينة أنه لن يتذكرنا أحد بعد وفاتنا. ولإدخال البهجة على قلبها، أخبرتها أنني سوف أبني ضريحًا جميلاً لها حتى يزوره الناس ويتذكروها لسنوات طويلة إذا ما توفيت قبلي. وهكذا، عندما ماتت، فكرت أنني سوف أموت بعدها إن عاجلاً أو آجلاً ولأي شيء سوف أحتفظ بالأموال والمقتنيات الثمينة الأخرى، فقررت أن أفي بوعدي لها. ربما قد لا أستطيع أن أشيد مبنى على مثل روعة تاج محل، ولكن هذا الضريح الصغير سوف يخلد قصة حبنا ويدعنا نرقد في سلام».
تقع بلندشهر على مسافة مائة ميل إلى شمال أغرا، حيث يوجد تاج محل الأصلي. واستغرق بناؤه 20 عامًا مع الكثير من العمال والخطاطين القادمين من مناطق بعيدة مثل إيران وتركيا. لم يكن بناء النسخة المماثلة لتاج محل الشهير أمرًا يسيرًا. ولم يكن قدري سعيدًا بالصور الحاسوبية لتاج محل التي عرضها عليه أحد المهندسين المعماريين.
يقول قدري أثناء مروره حول النصب: «زرت تاج محل مرات كثيرة، ولدي فكرة جيدة عن التصميم، ولذلك استخدمنا بعض الصور وبدأنا في بناء النصب الخاص بنا. ولقد قللنا من الحجم ليتناسب مع الميزانية. قام (أصغر) عامل بناء محلي بمجهود رائع وأعد قبة المبنى وشيد المنارات الأربع حول المبنى الرئيسي، الذي يزيد قليلاً على 27 قدمًا طولاً».
ولقد زرعت الأشجار حول الضريح مع نافورة مياه صغيرة في الجزء الخلفي من المبنى. أما تاج محل الحقيقي توجد به حدائق كبيرة ويمر نهر يامونا عبر الساحات الخلفية منه.
يود قدري أن يرى الضريح وقد اكتمل وهو على قيد الحياة، وبسبب قلة الموارد المالية، لا يزال تاجو ماهان في انتظار وصول ألواح الرخام لتوضع على الجدران الخارجية. لقد استنفد الرجل كل مدخراته، ومصوغات زوجته وقطعة أرض يمتلكها في تكاليف البناء. واتخذت القبة والمنارات المشيدة بعناية في تاجو ماهان مكانها بالفعل، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل، خصوصًا في النوافذ المتشابكة والحدائق الخارجية وجدران الرخام، ولكن على الرغم من نفاد الأموال، فإن قدري يرفض عروض المساعدة من الآخرين.
عرضت عليه المساعدات في كثير من المناسبات، ولكنه ظل يرفض بأدب، حيث قال: «إنه ليس ضريحًا لأحد رجال الدين، ولكنه حلمي وأمل حياتي. ولا أريد لأي أحد أن يتحمل عبئه غيري. أريد استكماله بأموالي الخاصة، وأيًا كان الوقت الذي سوف يستغرقه ذلك. وحيث إنني أبلغ من العمر أرذله، فإنني أبيع المزيد من الأراضي حتى أتكمن من استكماله قبل وفاتي».
ولقد طلب من أخيه، ميهزول حسن، أن يدفنه إذا مات بجوار زوجته بيغوم تومولي، وأن يستكمل مهمة البناء التي قد بدأها بنفسه، إن لم يتمكن من ذلك في حياته.
أثناء زيارة مراسلة «الشرق الأوسط» للضريح، كان الخطاطون يعملون في كتابة آيات من القرآن على الجدران الداخلية من الضريح، الذي صار محل انتباه السكان المحليين والعشاق من الشباب من الخارج الذين يزورون المكان احترامًا وإكبارًا لقصة الحب الخالدة لقدري، الذي يشغل نفسه بكتابة قصائد تطل على تاجو ماهان، حيث ترقد زوجته وحبيبته في سلام، التي لا يزال زوجها يحبها ويكن لها كل احترام.
انطلق الزوجان سايرا وإسرار، المتزوجان حديثًا، واللذان لا يستطيعان الذهاب لزيارة تاج محل الأصلي، إلى رؤية تاجو ماهان الخاص بقدري وللحصول على مباركته لهما بحياة زوجية سعيدة وطويلة.
يقول قدري: «أشعر بسعادة عندما يزورني الشباب من الجيل الجديد، الذين يفتقدون قيم الصبر، والتفاني، والثقة، وهي المكونات الرئيسية للحياة الزوجية الناجحة، وفقدانها هو سبب للتعاسة الأبدية، أحبهم رؤيتهم حينما يأتون لزيارة ذلك الضريح الصغير، الذي يقف كرمز للحب في العصر الحديث. مع أنني أشعر ببعض الحرج لما يطلبون مني مباركتهم».
وقال سيدهانت الذي يزور الضريح برفقة زوجته ديبا: «إن قصة حب السيد قدري لزوجته مثال ينبغي للآخرين أن يتبعوه. لسوف أحاول دومًا أن أكون زوجًا صالحًا لزوجتي»، حيث تعهد بها بذلك أمام الضريح.
وبقصته حول تاجو ماهان الخاص به، تمكن قدري من أن يخلد ذكرى الحب في العصر الحديث. حتى عندما زار أخيليش ياداف، رئيس وزراء ولاية أوتاربراديش، ضريح تاجو ماهان وطلب الاجتماع الخاص بقدري وعرض عليه مساعدة حكومة الولاية لاستكمال بناء الضريح، رفض قدري بأدب وطالبه بدلاً من ذلك ببناء مدرسة في قريته التي نشأ فيها حتى يتذكره أهلها بتلك المساعدة الحكومية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».