علاقات الحب في برنامج إذاعي أفغاني

متحديًا التقاليد المحافظة

يتسبب البرنامج في إثارة ضجة في هذا البلد المحافظ حيث إن الحب الرومانسي أمر خارج عن التقاليد
يتسبب البرنامج في إثارة ضجة في هذا البلد المحافظ حيث إن الحب الرومانسي أمر خارج عن التقاليد
TT

علاقات الحب في برنامج إذاعي أفغاني

يتسبب البرنامج في إثارة ضجة في هذا البلد المحافظ حيث إن الحب الرومانسي أمر خارج عن التقاليد
يتسبب البرنامج في إثارة ضجة في هذا البلد المحافظ حيث إن الحب الرومانسي أمر خارج عن التقاليد

يغلق الباب وتضيء علامة مكتوب عليها «على الهواء» باللون الأحمر. وداخل استوديو إضاءته خافتة ترتدي امرأة تدعى هادية حجابا أسود اللون وتبدأ برنامجها الإذاعي بصوت هادئ قائلة: «سلام يا جميع الأصدقاء مستمعي (ليلة للعشاق)».
إنه برنامج مدته ثلاث ساعات عن الشباب الأفغاني وعلاقات الحب المستمرة والضائعة. وتقول هادية، مقدمة البرنامج الأسبوعي «إنه منبر لذوي القلوب المحطمة لكي يشاركونا مشاعرهم وقصصهم». وتبدأ هادية بقراءة إحدى القصص التي تلقتها عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» على وقع موسيقى هادئة. هذه القصة عن شاب يهجر أسرته من أجل فتاة لكنها تخونه.
ويتسبب البرنامج في إثارة ضجة في هذا البلد المحافظ حيث إن الحب الرومانسي أمر خارج عن التقاليد، ولا يتم السماح مطلقا بالمواعدات العاطفية، بينما يتم الإكراه على الزواج. لكن أفغانستان خطت خطوات واسعة خلال العقد الماضي نحو الحداثة، إلا أنها ما زالت مجتمعا تقليديا إلى حد كبير.
وتقول هادية (35 عاما) لوكالة الأنباء الألمانية «لا يتم الحديث علنا عن الحب والوقوع في الحب. هذا ليس من القضايا الاجتماعية. ولا ترغب الأسر في أن يقع أبناؤها وبناتها في الحب. هذا أمر محظور». لكن انتشار الهواتف الجوالة والإنترنت غير طريقة تواصل الشباب مع بعضهم البعض. ومعظم العلاقات العاطفية تصمد بالكاد أمام اختبار الزمن، وعادة ما ينتهي السعي إلى الحب بانكسار القلوب.
وهذا هو سبب ظهور برنامج «ليلة للعشاق»، فالبرنامج الذي يصل إلى 18 من الأقاليم الأفغانية الـ34 يدعو المستمعين إلى الاتصال ومناقشة علاقاتهم العاطفية وأوجاع قلوبهم عبر الهاتف لكن دون الكشف عن هوياتهم.
وفي كل حلقة تستعرض هادية وزميلها «أوميد» نحو 20 قصة معظمها من النساء. وجميع تلك القصص عاطفية حول الحب من أول نظرة والوقوع في الحب مع شخص غير جدير بالحب والحب غير المعلن. وهناك عدد قليل للغاية منها تكون لها نهايات سعيدة.
ويذاع البرنامج عبر موجة «أرمان إف م 98.1»، وهي أول محطة إذاعية ترفيهية خاصة تبث من العاصمة كابل بعد سقوط حكم طالبان في 2001، وهي جزء من مجموعة «موبي»، أكبر وأقوى شركة إعلام في أفغانستان.
وجاءت فكرة برنامج «ليلة للعشاق» في مخيلة مدير المحطة سميم سادات عندما كان عالقا في زحام مروري. وقال سادات: «رأيت مجموعة كبيرة من الأولاد والفتيات يتحدثون عبر الهواتف والرسائل النصية.. إنهم يبتسمون كما لو أنهم يتغازلون. يمكنك أن تدرك ذلك عندما تنظر إليهم». من هنا برزت عنده فكرة أن يبدأ برنامجا يعرض قصص الشباب على العالم دون أي تدخل برأي أو نصيحة، وتم تدشين البرنامج في عيد الحب (الفلانتين) لعام 2014.
وتقول هادية: «نحن فقط ننقل قصصهم، ولا نقدم أي مقترحات. بإمكانهم الاتصال وتسجيل قصصهم أو إرسالها عبر البريد الإلكتروني إلينا. ونقوم بنشرها على (فيسبوك) كذلك».
وغالبا ما يكون رد الفعل هائلا على «فيسبوك»، حيث تتم مشاركة كل حلقة على نطاق واسع، ويتم تسجيل الإعجاب بها والتعليق عليها من جانب آلاف الأشخاص. وتقول هادية: «في البداية كان هناك الكثير من المقاومة، وكانت هناك تهديدات لنا»، مشيرة إلى أن التعليقات السلبية تراجعت في الأشهر الأخيرة». ويوضح سادات: «هناك أكثر من ألف تعليق على (فيسبوك) لأشخاص يقولون إننا لسنا أفغانا.. إننا أجانب. إننا أميركيون، لأنه بالنسبة للأفغان جميع الأجانب أميركيون».
وقد تمت المشاركة أكثر من ثلاثة آلاف مرة على الـ«فيسبوك» لقصة فتاة اغتصبها الفتى الذي كانت تحبه، بحسب سادات. وأضاف أن الكثير من الأفغان تأثروا بتلك القصة وهددوا بقتل المغتصب. وأوضح أن الفتاة روت قصتها من السجن بعدما ألقت الشرطة القبض عليها.
وفي أفغانستان، يتم سجن الكثير من ضحايا الاغتصاب بسبب ارتكابهن الزنى. وتقول هادية: «طلبنا من السجينات أن يشاركن قصصهن، وعندما بدأن في سرد أوجاع قلوبهن أدركنا كم كان حجم المشكلة كبيرا». وتضيف: «هناك الكثير من الفتيات في السجن باسم الحب. وفي كثير من الأحيان تقوم أسرهن بوضعهن في السجن لوقوعهن في الحب».
وغالبا ما تتأثر هادية، وهي أم لخمسة أبناء، بالقصص التي تسمعها. وتقول: «أشعر بالألم. وأتساءل أحيانا لماذا يندفع الشباب إلى مثل تلك المآسي؟.. لماذا يفعلون ذلك رغم أنهم يعرفون تماما المصير الذي ينتظرهم؟».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».