الشارع الإسباني منقسم حول احتفالات إطلاق الثيران السنوية

ما زالت تثير الأكثرية.. رغم أن 12 شخصًا لاقوا حتفهم من نطحاتها هذا الصيف

بلغ عدد الاحتفالات التي تشارك فيها الثيران في إسبانيا ما يقارب 12 ألف حفلة (أ.ف.ب)
بلغ عدد الاحتفالات التي تشارك فيها الثيران في إسبانيا ما يقارب 12 ألف حفلة (أ.ف.ب)
TT

الشارع الإسباني منقسم حول احتفالات إطلاق الثيران السنوية

بلغ عدد الاحتفالات التي تشارك فيها الثيران في إسبانيا ما يقارب 12 ألف حفلة (أ.ف.ب)
بلغ عدد الاحتفالات التي تشارك فيها الثيران في إسبانيا ما يقارب 12 ألف حفلة (أ.ف.ب)

لا تزال احتفالات إطلاق الثيران في الشوارع من العادات المتأصلة عند الشعب الإسباني، وفي الوقت نفسه تتزايد نشاطات مؤيدي الرفق بالحيوان لمنع هذه الألعاب، ولهذا فإن الشارع الإسباني منقسم على نفسه حولها، إلا أن عدد المؤيدين لها أكبر بكثير، كما أن الاهتمام بمثل هذه الاحتفالات يسجل ارتفاعا مستمرا، ففي العام الماضي، 2014، بلغ عدد الاحتفالات التي تشارك فيها الثيران في إسبانيا ما يقارب 12 ألف حفلة، أي بزيادة 2000 حفلة عن العام الذي سبقه.
تقول سلفيا باركيرو رئيسة تجمع الرفق بالحيوان: «منذ سنوات ونحن نتقدم بالشكاوى ضد احتفالات الثيران، لأنها تمثل في الحقيقة عنفا مبطنا يتسبب في إلحاق الضرر بالأشخاص وبالحيوان».
وفي يوم أول من أمس، لقي أحد الأشخاص حتفه في مدينة كويجار بمحافظة سغوبيا، شمال إسبانيا، بعد تلقيه نطحة من ثور، ضمن مهرجانات المدينة التي تتخللها احتفالات إطلاق الثيران في الشوارع، وبذلك يرتفع عدد الأشخاص الذين لاقوا حتفهم بسبب النطحات، من المواطنين العاديين، هذا الصيف، في مثل هذه الاحتفالات إلى 12 شخصًا.
وجاء في التقرير الطبي حول وفاة الرجل أن قرن الثور المهاجم قد نفذ إلى قلبه، ولم يستطع الفريق الطبي الذي حضر إلى المكان إنقاذه.
وقد عبر رئيس بلدية المدينة، خسوس غارثيا، عن حزنه العميق لوفاة الرجل، وصرح بأنه «لا شك أن الحادث يشكل واقعة مؤلمة جدا، خصوصا أنه يقع في بداية الاحتفالات التي ستستمر لمدة أسبوع». وفي العادة، فإن بلدية كل مدينة إسبانية هي المسؤولة عن تنظيم احتفالات إطلاق الثيران في الشوارع، علما بأن مسيرتها في الشوارع تأتي ضمن خارطة واضحة للشوارع التي تقطعها، وساعة انطلاقها، كما أن البلدية تضع الحواجز المناسبة لحماية الجمهور، ومع كل الاحتياطات المتخذة، فمن غير الممكن السيطرة، لا على المتجمهرين ولا على الثيران، خصوصا أن الثيران تهتاج بسبب ازدحام الناس وضوضائهم، فتكتسح كل ما في طريقها، ولهذا يلاقي البعض حتفهم، أما عدد الجرحى فأكثر بكثير.
وتدور مناقشات طويلة وحادة بين المعارضين والمؤيدين لهذه الاحتفالات في وسائل الاتصال الاجتماعي، وقد دعت إحدى المتحمسات للرفق بالحيوان بالقول: «على عوائل الضحايا تأسيس جمعية خاصة كي تتقدم بدعاوى ضد رؤساء البلديات التي تسمح بمثل هذه الاحتفالات الوحشية»، وقال لورينثو: «لا بد من تغيير نظام الاحتفالات من أجل وضع حد لمثل هذا العنف، فهي ليست للتسلية»، علق آخر «إنها مأساة فعلا»، وكتب أحدهم متألما: «إنه رقم يضاف إلى الأرقام الأخرى، يا له من عار، لا نزال نعيش في العصور الوسطى»، وقالت اليثيا: «في بلد نرى فيه الموت من أجل التسلية، وبموافقة رؤساء البلديات، إنه بلد متأخر، جاهل»، وكتب خوان: «عجبا! الكل يتكلمون حول وصول عدد الوفيات إلى 12، ولكن لا أحد يستطيع مناقشة مسألة العدد الهائل من الثيران التي قُتلت بالسهام على يد الإنسان». وانتقد فرانثيسكو المؤسسات الحكومية لسماحها القيام باحتفالات الثيران «الحكومة ومسؤولي الحكومات المحلية والبرلمان وغيرهم، لا يزعجون أنفسهم في التدخل، والسبب هو أنهم في عطلة».
وبالمقابل، دافع عن إجراء هذه الاحتفالات آخرون، متهمين وسائل الإعلام بإثارة هذه المسألة، فقد استغرب فرنانديتو الاهتمام بإحصاء عدد ضحايا الثيران، يقول: «تحاول وسائل الإعلام إبراز خبر وفاة البعض بسبب احتفالات الثيران، ولكن لا بد لنا أن نتساءل ما هو عدد ضحايا الطرق هذا الصيف؟»، وعلق ريكاردو: «أظن أن الذين يعارضون هذه الاحتفالات هم من عشاق قيادة السيارات، أقول لهم: في الطرق يحدث الشيء نفسه، فالسيارة أيضًا تتسبب في مقتل البعض، على أية حال فإنها حوادث جانبية، ومن لا تعجبه احتفالات الثيران هذه، فليبتعد عنها، ويبحث عن ألعاب أخرى». وتساءل آخر بأن الكثير من الأمم تقتل الحيوانات، فلماذا التهجم على الإسبان؟! في كندا يقتلون الفقمة بالعصي، وفي روسيا يقتلون الدببة، وفي الولايات المتحدة يعاملون بعض الحيوانات بشكل سيئ، وفي اليابان يقتلون الحيتان من أجل الحصول على دهونها، وهكذا وهكذا. أنا أعجب من الدعوات التي تعارض احتفالات الثيران».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».