مسابقة أفضل تمثيل رجالي.. الجولة الأصعب والأجود

العد التنازلي للأوسكار (2)

ماثيو ماكونوهي
ماثيو ماكونوهي
TT

مسابقة أفضل تمثيل رجالي.. الجولة الأصعب والأجود

ماثيو ماكونوهي
ماثيو ماكونوهي

الصورة المرسومة حاليا فيما يخص سباق أوسكار أفضل ممثل أول الذي ستعلن نتائجه في الثاني من الشهر المقبل هي على النحو التالي:
* ماثيو ماكونوهي وليوناردو ديكابريو يلعبان دورين متشابهين في بعض النواحي: دوران ينصان على أنهما شخصيتان لا يمكن الثقة بهما، مدمنان على الخمر والمخدرات والنساء.
* كرستيان بايل هو نوع من البديل الثالث لهذين الاختيارين: من ناحية هو من الجيل نفسه، ومن ناحية أخرى لا ينص دوره على إدمان يذكر.
* الأكثر اختلافا المرشحان الرابع والخامس: شيتيوويل إيجيفور، بلون بشرته السوداء وشخصيته التي تستدعي الإعجاب الموزعة على معظم مشاهد فيلم «12 سنة عبدا» وبروس ديرن، أكبر المرشحين سنا، الذي يستمد من خبرته وتجربته منوالا مختلفا من الأداء في فيلم «نبراسكا».
الصورة المرسومة ذاتها صعبة الاختراق. هل «ذئب وولف ستريت» أفضل أداء قدمه ليوناردو ديكابريو؟ هل الطريق مفتوح أمام ماثيو ماكونوهي للأوسكار وبعده نظرا لدوره المفحم في «دالاس بايرز كلوب»؟ هل تغلب بايل على مخاوف أترابه وخرج من تحت عباءة المحاولات ليجد في «نصب أميركي» التجسيد الذي يبحث عنه؟ ماذا عن بروس ديرن؟ هل سنواته المديدة ستخدمه أم ستحول دونه والفوز بالأوسكار؟ ثم ماذا عن البريطاني إيجيفور؟ هل هو أفضل أداء من الآخرين بحيث لا يمكن تجاوزه؟
هذه الأسئلة مطروحة ومشروعة وموحية بمباراة مثيرة بين ممثلين كل منهم في الواقع وضع في الدور الذي لعبه أقصى ما يستطيع من جهد وموهبة. ولا واحد من هؤلاء لديه جانب ضعيف ملحوظ. وإذا كان فهو مستتر بحضور طاغٍ وأداء متين البنية ومتسلحا بكتابة جيدة لشخصيته دفعت بالمرشحين لاختياره ليكون أحد الخمسة المتبارين لأوسكار أفضل ممثل.

* يأكل الجو
في فيلم «ذئب وول ستريت» هناك مشهد (من مشهدين) يجمع بين اثنين من المتنافسين هنا: ليونارد ديكابريو، باعتباره الشخصية الرئيسة، وماثيو ماكونوهي، الذي يظهر في دور محدود جدا (ثانوي بكلمة أخرى) في دور أول من وظف جوردان (ديكابريو) في وظيفة مضارب بورصة.
إذ تتابع هذا المشهد تكتشف أنك أمام ممثل واحد يستحوذ على الاهتمام أكثر مما يفعل الآخر. ماكونوهيهو ذلك الممثل. إنه يجلس مع ديكابريو في مطعم فاخر مرتديا بذلته المخططة ويتحدث عن المهنة التي تجمعهما، عن شروطها وعن مكافآتها وما هو المطلوب من المنتمي الجديد أن يفعله لكي يبقى فوق الضغط.
في خلال ذلك، لا يخشى أخذ شمة كوكايين ثم إصدار صوت غريب (قريب من صوت ديك) والضرب على صدره في ترتيب معين. إنه ممثل يريد احتلال المشهد الذي يظهر فيه. بالتأكيد جلس وتمعن في الكيفية التي يستطيع بها ذلك، ثم تحدث مع المخرج مارتن سكورسيزي وربما بحضور بطل الفيلم (والشريك بإنتاجه) ديكابريو على الأقل لكي يضمن عدم سقوط الممثل الآخر تحت وطأة المفاجأة. مثل هذا البوح من شأنه أن يضع خيارات بين يدي الممثل الآخر:
إذا ما كان ماكونوهي يريد تقديم أداء استعراضي «يأكل به الجو»، فعلى الممثل المواجه، الذي حدث أنه بطل الفيلم، أن يكون مستعدا. أما الخيارات التي يديه فمتنوعة على قلتها: أن يواجه طوفان ماكونوهي بطوفان مماثل فيتحول المشهد إلى مباراة قوى بينهما، أن يطلب من المخرج قدرا من التغييرات الحوارية تمنحه سعة التحرك من دون أن يبدو عليه أنه يفعل ذلك لتجنب تجريده من سلاحه، أو أن يترك الحلبة للممثل الآخر يصول ويجول فيها مكتفيا بابتسامة لها ضرورة (هو معجب بما يسمع). ديكابريو، كونه ممثلا ذكيا، يختار الحل الثالث. بذلك ينال ماكونوهي ما يريده منه من دون أن يتحول ديكابريو، ضمن مساحة الدور، إلى تابع للمشهد.
«ذئب وول ستريت» هو فيلم استعراضي. ما يقدمه ماكونوهي مضى بعد خمس دقائق، لكن ما يوفره ديكابريو هو الذي يبقى: أداء متماسك وحثيث ومندمج من أول لقطة له حتى نهاية الفيلم. هو أقل نجاحا في المشاهد التي يدرك فيها أن حبل الحكومة وصل إلى رقبته أو يكاد (مشاهد من المفترض أن تكون وقعت في أوروبا) لكن ما ينجيه من المسؤولية هي أن هذه المشاهد مستعجلة ولا تصل بدورها إلى إجادة المشاهد (الغالبة) السابقة.
ديكابريو يحول التكرار في بعض المقاطع إلى استمتاع بها. ثلاث خطب يلقيها على أفراد مكتبه تتشابه في الفحوى (نصائح وتوجيهات وتأكيد على عزمه الاستمرار) وتتشابه في كنه الأداء، وذلك طبيعي جدا لأنه متصل بشخصية تم تأسيسها على هذا النحو. في الوقت ذاته، من إجادة ليوناردو لدوره أنه يبهر في أداء تلك المشاهد على نحو يلتقي مع شخصيته الصعبة ولا يختلف عنها.
إنه من المؤسف أن الفيلم لا يقدم نبرة توضح موقفا يخرج عن نطاق الاحتفاء بالشخصية التي أقدمت على سرقة الناس وخداعهم وتحدي السلطات و - على صعيد شخصي - الإقبال على اللهو المفرط. لكن الخطأ ليس خطأ الممثل بل المخرج (وربما عاد عليه في سباق فخسر أوسكار أفضل مخرج لسواه). ما يقوم به الممثل هو مؤازرة فيلم مبني على شكل استعراضي ساخر. وهنا تكمن قيمة أخرى للممثل متمثلة في اندفاعه والتزامه العاطفي والشخصي بما يقوم به. تم ترشيحه سابقا أربع مرات من بينها دوره في فيلم مارتن سكورسيزي الآخر «الملاح» (2005).

* ضحية
ماثيو ماكونوهي يسجل حضوره القوي في «دالاس بايرز كلوب». هو هنا بطل الفيلم وليس من بين الممثلين المساندين من لديه دور يشبه دوره هو في «ذئب وول ستريت». الموضوع كذلك مختلف. صحيح أنه أيضا عن شخصية رجل أخفق في مسؤوليته حيال نفسه إلا أن الفيلم هو عن ضحية اجتماعية وليس عن رجل لعب دوره فوق القانون كشخصية ديكابريو. ديكابريو كان يلعب بالمال وكان يملكه. ماكونوه يكان يحاول أن يصنع المال. ديكابريو كان شخصا عابث وماكونوهي شخص يعبث به مرض الإيدز الذي يعاني منه، ويحاول أن يؤخر موته. الأول نجا من المحاسبة وبل باع حقوق سيرة حياته لصنع فيلم عنها، والآخر أجل موعد موته سنوات قليلة ثم مات موتة لا قيمة لها.
يتحدث جمع من المحللين عن كيف خسر ماكونوهي نحو عشرين كيلوغراما من الوزن ليترك قليلا من اللحم فوق العظم تلبية للدور. هذا صحيح ويكشف عن التزام الممثل بفنه ودوره. لكن ما بذله ماكونوهي لهذا الدور لا يقف عند حدود التجسيد الشكلي، بل مضى موعزا بشخص لا تستطيع لومه حيال موقفه السلبي من المثليين وتفهم بواعثه ومكوناته الشخصية وبممثل ينجح في جذب المشاهدين لما يقدمه أمامهم من تمثيل في لحمة لا تبتعد كثيرا عن تلك التي وفرها روبرت دينيرو لمشاهديه في فيلم سكورسيزي «الثور الهائج» الذي مكنه من استحواذ الأوسكار سنة 1981.
على عكس ديكابريو (الذي رشح سابقا أربع مرات) لم يسبق لماكونوهي أن تعرض لأضواء الأوسكار.
بالمقارنة معهما، يمضي كرستيان بايل في مشروع مختلف: عوض أن يعمد إلى عملية إبهار تمتد من مطلع الفيلم إلى آخره، يعمد إلى منوال تقديم الشخصية تدريجيا. المشهد الأول له يخفي صلعته بشعر مصطنع هي مفتاح لشخصيته التي تعمل في مجال الخدع والنصب. لكنه لن يخرج من طور الشخصية لأداء مشاهد استعراضية، بل سيبقى الاستعراض مكتوما داخل الشخصية التي يؤديها وسوف يتعامل والدور الذي يؤديه كمن يفتح كامل البؤرة عليها بالتدريج. حين يبدأ الفيلم بتصوير الهوة التي سقط فيها يكون بايل احتوى الإعجاب المتوقع من الجمهور وعلى نحو تدريجي. يصبح مثيرا لعطفهم أو تعاطفهم أو كليهما معا.
مثل ماكونوهي عمد بايل إلى بدنه ليساعده في تشخيص الحالة. العشرون كيلوغراما التي خسرها الأول، أضافها الثاني إلى وزنه («أكلت وشربت كل شيء»، كما قال لنا) والغاية واحدة: الالتحام بالشخصية المطلوبة شكلا كما تشخيصا ذاتيا ونفسيا.

* التمثيل صمتا
في «12 سنة عبدا» كان على شيوتل إيفيجور تقديم شخص تستطيع أن تصدق معاناته. هذا ليس صعبا فالفيلم يتحدث عن فترة قاتمة من التاريخ الأميركي، وهي فترة التجارة بالعبيد من وجهة نظر عبد. العبد كان حرا في مدينة واشنطن. في يوم شرب كثيرا وحين استيقظ اكتشف أن رفاق الكأس غدروا به وباعوه إلى تاجر أخذه إلى الجنوب حيث تعرض للجلد والضرب والشنق ولفقدان كرامته في كل يوم.
شيوتل، المرشح مثل ماكونوهي لأول مرة، ممثل جيد بتعابير وجه مقنعة وبمقدرة حمل الفيلم على كتفيه وحده. التحدي الماثل كان في حمل المشاهد على تصديق أن الشخصية التي يؤديها قادرة على أن تحافظ على صمودها الداخلي وعلى حلمها بأن تستعيد حريتها. وهو لا يفعل ما يرضي الجمهور تجاوبا مع فيلم لا يهمه تقديم توازن ما يفقده مصداقيته.
يبقى بروس ديرن. ابن السابعة والسبعين كان مهملا ومنسيا إلى أن نفض المخرج ألكسندر باين عنه الغبار. وهو كان رشح لأوسكار أفضل ممثل مساند سنة 1978 عن دوره في «العودة إلى الوطن» (Coming Home) ثم غاب عن الأضواء وإن لم يختفِ عن الأدوار.
كل من يشترك معه في المنافسة على الأوسكار يتحرك بدنيا ليساعد الحركة الذاتية فيه. يعبر، كما حال ديكابريو وبايل بيديه، أو، كما ماكونوهي، بكل حضوره الجسدي أو، كما حال جيوفور، بالامتحان البدني الرهيب الذي يعكس القمع الشرس الذي تعرض إليه. لكن بروس ديرن في «نبراسكا» يوفر أسلوبا آخر للتعبير: البساطة.
طوال الفيلم هو الرجل العنيد الذي زادته السن المتقدمة عنادا. لا يشخط ولا يرفس ولا يضرب لكنه يعاند. هذا لا يتطلب منه أن يصرخ ولا أن يتحرك بعصبية. إنه أميركي مر على الكثير من المواقف ومرت عليه المحن. يعلم أن لا شيء يتغير، لكنه يؤمن بأنه ربح «اللوتو» وهذا وحده هو الذي سيوفر له التغيير المنشود والحياة الرغيدة التي لم يستطع تحقيقها. من أول الفيلم يخبر ابنه (وول فورت) أنه ماضٍ في رحلته عبر الولايات ولو سيرا على الأقدام لأنه مؤمن بأنه ربح الجائزة. حتى هذه الموقف الحازم لا يصل إلى حد الإقناع إلا بعبارة واحدة يليها زم الشفتين على نحو يعكس الإصرار.. ثم لا شيء آخر. لا تصرف يعبر عما يجيش في الصدر. بروس ديرن يعلم أنه لا يحتاج لذلك. لقد عبر عما يجب التعبير عنه و.. كفى.

* الوميض الداخلي
سباق أفضل ممثل في دور مساند يحمل تعددات أكثر وفرة في الأدوار وفي الأساليب. وواحد من أفضلها وأكثرها عمقا هو ذلك الذي يؤديه ممثل يبدو كما لو أن القدر وحده ساقه إليه. إنه الممثل الصومالي بارخاد عبدي الذي يؤدي في «كابتن فيليبس» شخصية أحد الخاطفين الرئيسين في هذا الفيلم (سيبقى مثيرا للتعجب حقيقة أن توم هانكس، بطل هذا الفيلم، لم يرشح في مسابقة أفضل ممثل رئيس).
لا أدري إذا ما كان بارخاد يمثل أو أنه يعيد تأدية دور قام به فعليا أو كان حاضرا حين قام به سواه. شيء ملتصق به كان يوجهه. شيء مثل «اللاتمثيل». أداء طبيعي بالكامل لا تطلب منه أن يسعى لإقناعك فأنت مقتنع. إنها وسيلة المخرج بول غرينغراس مع الممثلين المساندين في كل أفلامه. لا يمنحهم الشعور بأنهم مميزون لمجرد أنهم في فيلم ما. لكن إذا ما تجاوزت كل أفعال بارخاد في أحداث الفيلم (عدائيته، اندفاعه، تردده) واخترت مشهدا واحدا لمعرفة القيمة الرائعة لتمثيله اجعله المشهد الذي يكتشف فيه أنها النهاية بالنسبة إليه: ها هي القوات الأميركية جرته إليها. قالت له تفضل إلى مركبتنا وستحدث بشأن شروطك. صدق. تم إنقاذ الرهائن ثم قالوا له أنت الآن مقبوض عليه. في تلك اللحظة تعكس عيناه (ومن دون الحاجة لكاميرا قريبة) ذلك الإدراك بأن كل شيء ضاع.
برادلي كوبر يدخل بدوره الشخصية التي يؤديها في «نصب أميركي»: عميل آلاف بي آي المستتر الذي لا يقل حيرة في شأن خطوته المقبلة من بطل الفيلم كرستيان بايل. كوبر حاد الإلقاء وسريع الحوار. وهو يدمغ هاتين الميزتين بشخصيته ويستخدمهما جيدا. كان فعل ذلك في العام الماضي عندما رشح كأفضل ممثل عن «كتاب مطرز بالفضة» ويعيد الكرة بشخصية جديدة يؤديها على نحو مناسب قليل الافتعال.
مايكل فاسبيندر هو المرشح الثالث، وعن «12 سنة عبدا». إنه شخص بلا منظور إنساني. شخص تريد أن تكرهه لأنه يستحق الكراهية فهو أناني يعتبر الناس جميعا، وليس السود وحدهم، ممتلكات. اختيار فاسبيندر الذكي هو تقديم الشخصية بوميض داخلي. إنه معذب بين ممارسة ذلك المنظور أو المفهوم، وبين ذلك الوميض الصغير والباطني الذي يخبره بأنه لا يفعل الشيء الصحيح. بسبب هذا النزاع هو أقرب إلى تجسيد المستوى الدرامي المقبول من الممثل عوض أن يكون أسود كاملا أو أبيض كاملا. في الوقت ذاته، لا يكترث الفيلم ليقدم شخصية ممزقة بعنف، بل يكتفي بذلك النصيب الصغير الذي لا يمكن تفويته أيضا.
وإذا كان ليوناردو ديكابريو عمد إلى الاستعراض (المقنع بلا ريب) فماذا ترك لجونا هيل، الذي يؤدي دور ساعده اليمين، من مجال؟ ترك له إدراكه بأنه ككوميدي يستطيع أن يجلب إليه المشاهدين الراغبين في تطعيم الصورة الداكنة للفيلم ببعض الفكاهة، وبأنه في الوقت المناسب سينقلب عليهم ليوفر جانبا يماثل تلك الصورة دكانة. وهو يفعل ذلك بذكاء. في أحيان يسرق المشهد من دون أن يعمد إلى ذلك. يقوم بالمطلوب منه ويكتفي.
لكن أوسكار أفضل ممثل مساند قد يذهب إلى الوجه الخامس في هذا الاستعراض: جارد ليتو. إنه الممثل المساند الأول في «دالاس بايرز كلوب»: المخنث والمثلي ومدمن المخدرات الذي عليه أن يقف على قدميه. أن يقاوم رميه من المجتمع ومن الأفراد بأن يحط واقفا على قدميه وليس ملقى على الأرض. في تمثيله يوحي بأنه يعرف أنه ضحية كل تلك الظروف الاجتماعية وكل تلك المواطن النفسية السوداوية التي جرفته صوب المثلية، لكنه يعلم أيضا أن عليه تدبير الأمر عوض أن يسقط في هوته. ربما عمد ممثل آخر إلى تقديم شخصية مباشرة في دفاعها عن قيمتها وحضورها. لكن ليتو، الذي لم يمثل دورا منذ ست سنوات، اختار السبيل الأصعب والذي ينص على عدم الاستسهال. الطريق الذي يمنعه من تقديم شخصية نمطية عن المثليين. في النهاية، وإذ ينحدر هذا الشخص أكثر وأكثر في عالم لا يكترث وتحت وطأة الإدمان لا يمكن إلا أن تشعر صوبه بالتعاطف. مثلك في ذلك مثل ماثيو ماكونوهي في الفيلم: يزدريه أولا، يحذره دائما ثم يشعر صوبه بإنسانية وصداقة لاحقا.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».