في سوريا.. الروابط الإسلامية للحلفاء المحتملين تقلق الولايات المتحدة

الصراع بين المعتدلين والمتطرفين داخل الحركة يتقرر وفق الأوضاع في الداخل ونجاح البراغماتيين

في سوريا.. الروابط الإسلامية للحلفاء المحتملين تقلق الولايات المتحدة
TT

في سوريا.. الروابط الإسلامية للحلفاء المحتملين تقلق الولايات المتحدة

في سوريا.. الروابط الإسلامية للحلفاء المحتملين تقلق الولايات المتحدة

برزت حركة أحرار الشام كجماعة معارضة قوية تضم الآلاف من المقاتلين والكثير من النفوذ السياسي مع علاقات وثيقة تربطها بقوى إقليمية رئيسية، باعتبارها أكثر جماعات المعارضة نفوذا وقوة في الداخل السوري عبر الشهور الأخيرة. وقد تعهدت تلك الجماعة بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي ودعت إلى التواصل والتفاعل مع الغرب.
ولكن على الرغم من الكفاح الطويل من جانب الولايات المتحدة للعثور على قوة معارضة سوريا قادرة على البقاء في مواجهة الرئيس بشار الأسد ومحاربة تنظيم داعش، لم تبد إدارة الرئيس أوباما أي اهتمام للعمل مع تلك الجماعة المعروفة باسم «أحرار الشام».
وتكمن مشكلة الولايات المتحدة في جذور جماعة أحرار الشام الإسلامية المتشددة، وهي المخاوف التي نالت كذلك من الجهود السابقة الرامية إلى العثور على شركاء من ذوي الثقة في سوريا.
وبمواجهة الواقع السوري مجددا؛ حيث تنخرط الحكومة وتنظيم داعش وعدد من الجماعات المتمردة في حرب أهلية شديدة التعقيد، يقول بعض المحللين والمسؤولين الأميركيين السابقين، إنه بدا من الواضح وبشكل متزايد أنه لمواجهة تنظيم داعش والتأثير على مستقبل البلاد ككل، لا بد من التفاعل، على أدنى تقدير، وبمنتهى الحذر، مع جماعات على غرار أحرار الشام.
ويقول روبرت إس فورد، السفير الأميركي الأسبق لدى سوريا ويعمل حاليا في معهد الشرق الأوسط للدراسات: «إنهم يوجدون في المنطقة الرمادية، ولكن في الحروب الأهلية لن تكون مستعدا بحال للتعامل مع من هم في المنطقة الرمادية. وأنا لا أنصح بتوفير أي دعم مادي لجماعة أحرار الشام، ناهيكم عن المساعدات العسكرية الأكثر فتكا، ولكن باعتبار وجودهم البارز في الجبهات الشمالية والوسطى، فسوف يكون لهم دور كبير يلعبونه في محادثات السلام، ولذلك ينبغي علينا محاولة فتح قناة اتصال معهم والبدء في التواصل عبرها».
وتتعاون جماعة أحرار الشام مع الذراع التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا (جبهة النصرة). وفي حين أن قادة الجماعة يقولون إنهم يسعون لإقامة حكومة ذات تمثيل برلماني، فإنهم دوما ما يتجنبون لفظة «الديمقراطية»، ويقولون إن الإسلام يجب أن يوجه ويقود أي دولة تتشكل في نهاية المطاف.
واستغرقت تساؤلات مماثلة حول مدى التفاعل مع القوى الإسلامية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك جل تفكير صناع السياسة الأميركية منذ ثورات الربيع العربي، وفي خضم المحادثات النووية مع إيران مؤخرا. ومن الواضح بجلاء في أذهان القادة الأميركيين تاريخ أولئك المتشددين الذين تلقوا الدعم من الولايات المتحدة في أفغانستان إبان فترة الثمانينات والذين شكلوا فيما بينهم لاحقا ما عرف بتنظيم القاعدة.
وفي سوريا، كان تركيز الولايات المتحدة حتى الآن على العمل مع الجماعات التي تعتبرها «معتدلة» قد نجم عنه التعاون مع عدد قليل من الحلفاء الأقوياء. كما تعتبر قيادة المعارضة خارج البلاد غير ذات صلة بمجريات الأحداث إلى حد كبير، فلقد انهارت الجماعات المتمردة ذات الدعم الغربي، ولقي برنامج تدريب وتجهيز المتمردين المعتدلين الكثير من الانتكاسات الكبيرة.
وفي حين أن بعض الدبلوماسيين الأوروبيين قد اجتمعوا مع بعض المسؤولين السياسيين من جماعة أحرار الشام، فإن الولايات المتحدة بقيت بمعزل عن ذلك. يقول أحد كبار المسؤولين من إدارة الرئيس أوباما في مقابلة موجزة حول السياسة السورية: «إنهم يواجهون هجوما كبيرا»، متحدثا عن جماعة أحرار الشام.
وأشار المسؤول الأميركي الكبير إلى تصريحات عن تلك الجماعة، والتي يقولون فيها إنهم يركزون جهودهم على الداخل السوري ويؤيدون سيادة القانون. كما صرحت الجماعة كذلك أن صعود تنظيم داعش، قد جعل الولايات المتحدة أكثر «برغماتية» فيما يتعلق بعقد التحالفات الإقليمية.
ويتابع المسؤول الأميركي الكبير، مفضلا عدم نشر هويته لمناقشته التقديرات السرية، قوله «طالما أنهم على علاقات وثيقة بجبهة النصرة، فلا أعتقد أننا يمكننا العمل معهم».
وتشكلت جماعة أحرار الشام عبر اندماج الفصائل المسلحة السنية في شمال غربي سوريا في وقت مبكر من بدء الانتفاضة ضد الرئيس الأسد التي اندلعت في عام 2011. وضمت في عضويتها الكثير من السوريين الذين تخلوا عن الحركات الاحتجاجية، فضلا عن الإسلاميين الذين أفرج عنهم من السجون في إطار ما اعتبره الكثيرون، «استراتيجية من قبل الأسد لتقويض نشاط العناصر العلمانية». وكان أعضاء من الجماعة قد سبق لهم القتال في العراق وأفغانستان.
وعلى الرغم من أن الجماعة أعربت عن حسن نياتها باعتبارها قوة عسكرية تهدف لقتال الأسد، فإنها ظلت متأصلة في محيط الإسلام السني المتشدد. وهناك مقطع فيديو دعائي للجماعة يقتبس أقوالا من الشيخ عبد الله عزام، أستاذ أسامة بن لادن السابق في أفغانستان. كما دعا حسن عبود، أول قادة الجماعة، إلى إقامة حكومة إسلامية داخل سوريا.
وتطورت الحركة منذ ذلك الحين لتكون أكبر جماعات المعارضة السورية، حيث ينتشر مقاتلوها في مختلف أرجاء البلاد، مع مكاتب للإغاثة والشؤون السياسية، وسيطرت على المعابر الحدودية مع تركيا. وهي من الأعضاء البارزين في جيش الفتح، التحالف الكبير لقوى التمرد المحارب لحكومة الأسد في شمال غربي البلاد. وخلال هذا الشهر، كانت حركة أحرار الشام تمثل قوى المعارضة في المفاوضات مع إيران حول مصير ثلاثة مجتمعات داخلية محاصرة. (الزبداني والفوعة وكفرية)
يقف السوريون على رأس الجماعة، وهي تضم عددا قليلا من المقاتلين الأجانب وتعارض فكرة تقسيم البلاد. وهي لم تشن الحملات لفرض الأعراف الدينية الصارمة، كما أنها تحافظ على علاقات جيدة مع باقي المعارضين. وقد تعهد قادة الجماعة بحماية الأقليات، على الرغم من أن بعض أعضائها لا يزال يصفهم بألفاظ مستهجنة.
كما تعهدت الجماعة بمحاربة تنظيم داعش، واصفين إعلانها الخلافة انحرافا عن الدين. يقول أحمد قرة علي المتحدث باسم أحرار الشام، إنها «تتمتع باستقلال تام. وهي حركة سورية خالصة، ولا تربطها علاقات بأحد من الناحية التنظيمية أو الآيديولوجية، أو مع أية منظمات دولية».

ويقول أحد النشطاء من مدينة إدلب، مفضلا عدم نشر هويته خشية الانتقام منه: «ظللنا نبحث عن أفضل الألوية الموجودة على الساحة، ولكن ليس لدينا الآن إلا متطرفون إسلاميون وجماعة الأحرار، لذا فقد اخترنا الأحرار».
ويقول إسلاميون سوريون تربطهم صلات بجماعة أحرار الشام، إن «تطورات زمن الحرب قد خلفت الكثير من وجهات النظر لدى أعضائها والتي دائما ما تصطدم ببعضها البعض». ويقر قادتها على التنسيق الوثيق في ميدان المعركة مع عناصر جبهة النصرة، ولكن قائد الأحرار، هاشم الشيخ، وصف تبعية جبهة النصرة لتنظيم القاعدة، بأنها ذات تأثير سيئ على الانتفاضة السورية.
وهناك أعضاء آخرون من الجماعة تواصلوا مع الغرب في نقطة تحول يعتبرها الكثيرون بإيعاز من تركيا وقطر، اللتين منحتا الجماعة الدعم السياسي والمالي، وفقا للمسؤولين الأميركيين ودبلوماسيين من المنطقة. ففي الشهر الماضي، نشر لبيب النحاس، مسؤول العلاقات الخارجية والسياسية لدى الجماعة، مقالات رأي في صحيفة «واشنطن بوست» و«ديلي تليغراف» يؤكد فيها على أن الجماعة كانت جزءا من تيار المعارضة الرئيسية السورية، وأنه ما من سبيل لهزيمة «داعش» إلا من خلال «البديل السني الداخلي».
ووصف لبيب النحاس السياسة الأميركية في سوريا بـ«الفشل الذريع»، وكتب يقول إن أحرار الشام كانت ملتزمة بالحوار وسعت لتشكيل حكومة تمثيلية من شأنها العمل على حماية الأقليات مع التعبير عن الأغلبية السنية الكبيرة في سوريا.
وخلال هذا الشهر، نشرت أحرار الشام بيانا تمتدح فيه الملا محمد عمر، الزعيم السابق لحركة طالبان الأفغانية، لـ«محاربة جيوش الغزو»، وجمع القوة العسكرية مع السياسية و«تنسيق» طموحات الشعب الأفغاني.
أما الشيخ حسن الدغيم، وهو من علماء شمال سوريا ومن المقربين من قادة الجماعة، فقد قال خلال مقابلة إن الجماعة تضم بين صفوفها أقلية متطرفة ضئيلة.
ومن المتوقع للصراع بين تيار المعتدلين والمتطرفين داخل الجماعة أن يتقرر وفقا لتطورات الأوضاع في الداخل السوري ومدى النجاح المتحقق على أيدي البرغماتيين في كسب الدعم الخارجي لقضيتهم.
وأضاف الشيخ الدغيم أخيرا: «يعزز العنف من التيار العسكري، في حين تسلط الحلول السياسية الضوء على السياسيين فقط».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».