الحكومة اللبنانية تطوق أزمة النفايات بفض العروض وسط دعم سياسي لرئيسها

حملة «طلعت ريحتكم» تتظاهر مجددًا السبت «لإسقاط المناقصات»

الحكومة اللبنانية تطوق أزمة النفايات بفض العروض وسط دعم سياسي لرئيسها
TT

الحكومة اللبنانية تطوق أزمة النفايات بفض العروض وسط دعم سياسي لرئيسها

الحكومة اللبنانية تطوق أزمة النفايات بفض العروض وسط دعم سياسي لرئيسها

حصّنت الحكومة اللبنانية أمنيًا، مقرها في وسط بيروت ضد أي تهديد محتمل من حراك شعبي متوقع، وطوقت الحراك الشعبي الناتج عن تفاقم أزمة النفايات، وذلك عبر فضّ عروض الشركات التي تقدّمت لكنس وجمع وطمر النفايات، وتقديم موعد جلستها إلى اليوم الثلاثاء بدل الخميس لمتابعة القضية، وسط دعم سياسي من جميع الأطراف للحفاظ على الحكومة، وعدم استقالتها، تجنبًا لفراغ إضافي في المؤسسات.
وفضّت الحكومة عروض الشركات، وألزّمت النفايات في لبنان إلى 6 شركات، موزعة على المناطق اللبنانية. وأعلن وزير البيئة محمد المشنوق مناقصات العروض المالية لأزمة النفايات في بيروت والمناطق، معتبرا أن «هذه المرة الأولى التي تجري بها مناقصة بهذا الحجم وهذا النطاق الجغرافي على كامل الأراضي اللبنانية».
وأوضح المشنوق في مؤتمر صحافي بعد اجتماع «مجلس الإنماء والإعمار» أنه «سيتم الإشراف على أعمال الشركات في المناطق بالتعاون مع البلديات وهيئات المجتمع المدني»، لافتًا إلى أن «مشكلة المطامر ستعرض غدا (اليوم) في مجلس الوزراء». ويعد هذا الإجراء، الحل الجدي الأول لمشكلة النفايات بعد شهر على تفاقمها، مما أدى إلى خروج مظاهرات شعبية في الشارع السبت والأحد الماضيين.
وشدد وزير الإعلام رمزي جريج في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن فضّ العروض وإعلان نتائج المناقصة: «هو أمر هام على صعيد إيجاد حلول لأزمة النفايات»، مشيرًا إلى أن جلسة الحكومة اليوم: «ستكون مخصصة للبتّ بقضية النفايات والمطامر»، متوقعًا أن تكون الجلسة منتجة.
وقال جريج إلى بأنه زار سلام: «وتبين لي أنه مصمم على تفعيل عمل مجلس الوزراء ولا يقبل بتعطيله»، مؤكدًا أن «تفعيل عمل مجلس الوزراء هو المدخل الوحيد لحل مشاكل الناس، ولا حاجة إلى مجلس وزراء إذا لم يكن يستطيع اتخاذ القرارات في المواضيع الحياتية الملحة وفقا للآلية الدستورية».
وعما إذا كانت هناك نية لإعادة فتح مطمر «الناعمة» للنفايات الذي أغلق الشهر الماضي تحت ضغط شعبي، وذلك لمدة 6 أشهر، قال جريج لـ«الشرق الأوسط» بأن «المهم هو إيجاد مطمر، حتى لا تترتب آثار صحية وبيئية على المكبات المنتشرة»، مشددًا على ضرورة «التوصل إلى حلول لأزمة 790 مكبا عشوائيا تنتشر في لبنان، وذلك عبر إيجاد مطامر تستوعب النفايات». وكان جريج، دعا منظمي المظاهرة إلى «اليقظة والتنبه من استغلال حراكهم السلمي لأغراض سياسية»، كما طالبهم، في تصريح له: «بتحديد مطالبهم وتلبية دعوة الرئيس سلام إلى التحاور معهم».
غير أن الحلول الحكومية، لم تمنع تجديد الدعوة للتظاهر مرة أخرى، إذ دعت حملة «طلعت ريحتكم» إلى مظاهرة تُنظم يوم السبت المقبل: «لإسقاط المناقصات» التي أقرتها الحكومة.
ورأت الحملة، في مؤتمر صحافي عقدته أمس، أنه «كان في مشهد اللبنانيين المتوحد درس هائل للسلطة التي صعدت بأعمال العنف ساعية إلى تشويه الحراك الشعبي، واستعجلت في إنجاز الصفقة المشبوهة والإعلان عن الشركات التي فازت بالمناقصات».
وانتقدت الحملة «المناقصات التي حصلت عملية سلب للمال العام»، معتبرة أن «كل من شارك فيها من وزراء وشركات وبلديات هو مشارك في عملية السطو»، مشددة على أن «المناقصات باطلة، كما أن التقاعس في المساءلة والمحاسبة واستعمال العنف يؤدي إلى استمرار تفكيك الدولة»، داعية إلى محاسبة من استعمل العنف بحق المتظاهرين.
ولا يحمل هذا الموقف، مؤشرات على حراك لإسقاط الحكومة، التي تلقت أمس، دعمًا سياسيا من مختلف الأطراف، إذ شدد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع «على وجوب احترام الاستقرار والانتظام العام في البلد والحفاظ على تماسك الحكومة في ظل الفراغ الذي نعاني منه ولا سيما أن الرئيس سلام يتحمل في الوقت الراهن مسؤولية الإمساك بالشرعية في البلد».
ومن جهته، شدد عضو كتلة «المستقبل» النائب جمال الجراح على «ضرورة وضع حد للمعطلين»، مطالبا رئيس الحكومة بعدم الاستقالة وترك البلد لـ«الرعاع ممن كانوا يخربون في الشارع»، داعيا «إياه إلى الحزم والتمسك بإنتاجية الحكومة».
أمنيًا، ضاعفت القوى الأمنية تدابيرها في محيط السراي الكبير، مقر إقامة رئيس الحكومة، حيث ثبتت مكعبات إسمنتية لفصل السراي الحكومي عن ساحة رياض الصلح، تجنّبًا لاعتداءات من قبل المتظاهرين.
وكانت المواجهات، أدت إلى سقوط 99 جريحًا من قوى الأمن الداخلي وإصابة عدد من المتظاهرين وتضرر عدد كبير من المحال والمطاعم والمباني والمنشآت الطرقية وآليات عسكرية، بحسب ما ذكرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان، مشيرة إلى «توقيف 32 شخصًا من مثيري الشغب».
وأطلع وزير الداخلية نهاد المشنوق، رئيس الحكومة على ما حصل، وأثنى على دقة أداء القوى الأمنية مؤكدًا أحقية التظاهر دون التعرض للأملاك العامة. وقال: «كانت هناك حملة مدنية سلمية لها الحق بالتظاهر وكانت هناك مجموعة تابعة لأحزاب سياسية لديها أجندة»، مؤكدا أن «القوى الأمنية أثبتت مسؤولية عالية في تصرفها تجاه المدنيين».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.