تلوث الغذاء... المصادر ووسائل السلامة

ينجم من الملوثات البيولوجية والبيئية وسوء طهي الأطعمة

تلوث الغذاء... المصادر ووسائل السلامة
TT

تلوث الغذاء... المصادر ووسائل السلامة

تلوث الغذاء... المصادر ووسائل السلامة

تشير إحصاءات «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)» الأميركية إلى أن واحداً من كل 6 أشخاص في أميركا يعاني من الإصابة بأمراض تنقلها الأغذية؛ التي تمثل خطورة على صحة وحياة المستهلك وتشكل عبئاً صحياً كبيراً؛ وأن 128 ألفاً يجري تنويمهم في المستشفيات؛ ويتوفى نحو 3 آلاف بسبب الأمراض التي تنتقل بالأغذية.
يمكن لأي شخص أن يصاب بالتسمم الغذائي بسبب تلوث طعامه، ولكن هناك مجموعة من الناس أكثر عرضة للإصابة الخطيرة بالمرض، كالبالغين 65 عاماً فما فوق، والأطفال أقل من 5 سنوات، والنساء الحوامل، وأصحاب المناعة الضعيفة؛ بمن فيهم مرضى السكري وأمراض الكبد والكلى وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والسرطان. وهذه المجموعة من الناس تُنصح بعدم تناول الأطعمة غير المطبوخة جيداً أو النيئة والحليب والعصائر غير المبسترة (الخام) والجبن الطري، ما لم تصنَّف على أنها مصنوعة من الحليب المبستر.
قد يحدث تلوث الغذاء خلال السلسلة الغذائية التي تبدأ من المزرعة إلى أن يصل الطعام إلى طاولة الأكل. ويمكن أن يتعرض الغذاء أو الشراب إلى عوامل التلوث التي قد تكون من مصادر فيزيائية، أو بيولوجية، أو بيئية، أو مواد موجودة أصلاً في الغذاء، أو عوامل التلف والانحلال الذاتي، التي تحولها إلى أغذية أو مشروبات ضارة.
التقت «صحتك» الدكتورة أمل بنت محمد اللبان، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى والحاصلة على درجة الدكتوراه في التغذية التطبيقية والتغذية وعلوم الأطعمة، وذلك لتسليط الضوء، بشيء من التفصيل، على موضوع تلوث الغذاء؛ طرق التلوث، ومصادره، وأنواعه، وطرق حفظ الطعام وسلامته. وأوضحت أن مصادر تلوث الطعام متعددة، نذكر منها ما يلي:

التلوث البيولوجي

يحدث التلوث البيولوجي نتيجة التعرض للمصادر البيولوجية الكثيرة في البيئة، مثل التربة والهواء والمياه السطحية للبحار والأنهار، وكذلك من الإنسان والحيوان المصاب، ومن الغذاء الملوث نفسه. وعادة ما يكون التلوث البيولوجي ذا طابع مُعدٍ أو سُمي، وتتسبب فيه البكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات التي تتضمن الأعفان أو الطفيليات أو الخمائر أو مواد سمية تفرزها هذه الكائنات الحية، فتنتقل إلى جسم الإنسان عن طريق الغذاء أو الماء الملوث، وذلك خلال السلسلة الغذائية التي تشمل تحضير أو تخزين أو إعداد أو غسل أو طهي أو نقل أو تجهيز أو تصنيع الطعام أو الشراب. ويشمل التلوث البيولوجي ما يلي:
> التلوث البكتيري للأغذية: يحدث التلوث البكتيري في أكثر من 90 في المائة من الأمراض المنتقلة عن طريق الغذاء، ومع ذلك تمثل البكتيريا الممرضة نحو 4 في المائة فقط من مجمل أنواع البكتيريا المعروفة، في حين يعدّ نحو 96 في المائة من البكتيريا غير ضار، بل يستعمل بعضها لغرض المساعدة في إعداد وتحضير بعض الأغذية مثل منتجات الألبان، والمخبوزات... وغيرهما من الأطعمة المتخمرة. وتعدّ لحوم الماشية والدواجن والبيض والأسماك والحليب ومشتقاته من أكثر الأطعمة المرتبطة بالتلوث البكتيري. وتسبب البكتيريا الممرضة 3 أنواع من الإصابة المرضية عن طريق الغذاء أو الشراب؛ هي: العدوى من الطعام الذي يحتوي البكتيريا، والإصابة المرضية نتيجة تكوّن سموم من البكتيريا في الغذاء، والإصابة المرضية نتيجة تكون السموم داخل الأمعاء.
> التلوث الفيروسي للأغذية: تتطفل الفيروسات إجباريّاً على الخلايا الحية من البكتيريا والإنسان والحيوان والنبات للتكاثر وإحداث العدوى. كما تسبب أمراضاً متعددة للحيوانات والنباتات والإنسان، فهي تسبب للإنسان أمراضاً مختلفة بالأجهزة التنفسية والهضمية والعصبية والدموية والتهابات المعدة والكبد... وغيرها.
> تلوث الأغذية بالفطريات: تشمل الفطريات 3 مجموعات من الأحياء الدقيقة؛ هي: الأعفان (Molds)، والخمائر (Yeasts)، والفطر (عش الغراب (Mushrooms)، وتنتمي الفطريات إلى الكائنات الحية ذات النواة الحقيقية، بينما تنتمي البكتيريا إلى الكائنات الحية التي ليست لها نواة حقيقية. وتستوطن الفطريات بيئات متباينة تشمل التربة، ومخلفات النباتات الميتة... وغيرهما. وتسبب الفطريات تعفن وتلف وفساد الأغذية، خصوصاً الفواكه والخضراوات، وبعضها يسبب عدوى وتسمماً للإنسان والحيوان. وتنتشر الفطريات في جميع عناصر البيئة المتمثلة في الهواء والمياه والتربة والأغذية والنباتات والحيوانات. وتنتقل الفطريات فيما بين عناصر البيئة هذه بوسائل مختلفة.
> الأمراض الطفيلية المنقولة بالغذاء: تنتقل الطفيليات للإنسان عن طريق تناول الغذاء أو المياه الملوثة، مسببة له أمراضاً معوية. ولقد سميت «الطفيليات» بسبب تطفلها على حيوان أكبر تعيش عليه يسمى «المضيف» أو «العائل»؛ حيث تستمد أسباب حياتها بصفة عامة وكاملة. وتنتشر الأمراض الطفيلية بشكل واسع وتعدّ متوطنة في كثير من الدول النامية التي تقل فيها الاشتراطات الصحية في طرق التخلص من الفضلات الآدمية والحيوانية، وصعوبة الحصول على مياه الشرب غير الملوثة. ويمكن تقسيم الطفيليات من حيث الصفات المشتركة إلى مجموعتين: وحيدة الخلايا، ومتعددة الخلايا ويطلق عليها «الديدان الطفيلية».

التلوث البيئي

يشمل:
> التلوث الصناعي: أشارت الدكتورة أمل اللبان إلى أنه يُلاحظ خلال عمليات التصنيع ظهور بعض المواد الضارة في البيئة، التي تلوث الهواء أو الأرض أو البحار والأنهار، ومن ثم يصل الأمر إلى الغذاء والإنسان. ويرجع التلوث بالمعادن الثقيلة إلى التقدم في الصناعات الكيميائية التي تشمل صناعة المعادن والبلاستيك والبويات والمواد العازلة والصبغات، بالإضافة إلى عادم السيارات... وجميعها يخلف نسبة عالية من هذه المعادن. والتسمم بالمعادن الثقيلة له تأثير تراكمي، تظهر في نهايته أعراض التسمم التي تشمل مشكلات عصبية، واضطرابات في المزاج، واضطرابات أيضية، وفقر الدم، والإجهاد، ومشكلات بالجهاز العضلي المفصلي، وارتفاع ضغط الدم، وعدم انتظام وظيفة الكلى والكبد، ومشكلات في الجهاز الهرموني، وعدم انتظام وظيفة الجهاز المناعي. ومن أهم هذه المعادن التي تمثل خطورة على صحة وحياة الإنسان الزئبق، والرصاص، والكادميوم.
> التلوث الإشعاعي: عرّفت الدكتورة أمل اللبان التلوث الإشعاعي بأنّه أحد أشكال التلوث الناتجة من انبعاث مواد مشعة في البيئة بطريقة عشوائية، أو بفعل الطبيعة، أو نتيجة الحروب، مما يؤدي إلى تلوث الأغذية أو المشروبات بالإشعاعات التي تصبح خطرة وغير صالحة للإنسان أو للحيوان. ويحدث التلوث الإشعاعي عندما تكون المواد المشعة موجودة على سطح الأجسام أو داخلها، وتُصبح جميع عناصر البيئة، كالهواء والماء والتربة والنباتات والأسطح بشكل عام والمباني والأشخاص وحتى الحيوانات، ملوثة إذا ما تعرضت للمواد المشعة.
ومن أمثلة حالات التلوث الإشعاعي واسعة الانتشار كارثة «تشيرنوبل» عام 1986 في روسيا، فقد ارتفع عدد حالات السرطان في المنطقة المحيطة بالكارثة.
أما معالجة الأطعمة بالأشعة المتأينة بغرض الحفظ؛ فإنها لا تطلق إشعاعات ضارة ولا تجعل الطعام ملوثاً بالإشعاع، وذلك في حالة الاستخدام الصحيح لطريقة الحفظ.
> الغش التجاري: قد يمثل الغش التجاري للمنتجات الغذائية خطورة على صحة وحياة المستهلك، وعلى سبيل المثال: تفشي حالات التسمم التي حدثت سنة 1981 في إسبانيا بظهور أعراض جديدة من ارتفاع درجة الحرارة، والطفح الجلدي، ومشكلات في الجهاز التنفسي، وتنويم الآلاف بالمستشفيات، ووفاة أكثر من 100 شخص، نتيجة الغش التجاري لزيت الزيتون بزيت بذرة اللفت (Rapeseed Oil) والمضاف إليه مادة سامة تدعى «أنيلين (Aniline)» التي تستعمل في الصناعة فقط.
وكذلك تلوث بدائل حليب الأم بمادة الميلامين في عام 2008 بالصين، مما أدى إلى تسمم 300 ألف طفل ورضيع ووفاة 6 منهم.
> التغيرات خلال إعداد وطهي الأطعمة: أوضحت الدكتورة أمل اللبان أن هناك بعض طرق إعداد وطهي وتناول الأطعمة تؤدي إلى مشكلات صحية تشمل:
- اللحوم المشوية: تؤدي عملية شَيّ اللحوم؛ خصوصاً الغنية بالدهون، إلى تحلل بعض المواد العضوية الموجودة فيها إلى مواد ذات حجم جزيئي أصغر، لها تأثير مسرطن على حيوانات التجارب. لذلك ينصح المختصون في علوم الغذاء والتغذية بعدم تناول اللحوم المشوية على الفحم بصورة يومية؛ خصوصاً الدسمة منها. هذا بالإضافة إلى أن الاحتراق غير الكامل للفحم يؤدي إلى ظهور السخام الذي ثبت تأثيره المسرطن على الجلد عند دهانه على جلد حيوانات التجارب.
- تكرار استخدام الزيوت في القلي: من الملاحظ أن زيادة تسخين الزيت على 180 درجة مئوية تزيد من تحلله. وتختلف نواتج أكسدة الزيوت بالتسخين باختلاف نوع الزيت، ودرجة الحرارة، ومدة التسخين، ووجود الهواء والمعادن من نحاس وحديد، ونسبة الرطوبة. وإعادة استعمال الزيوت للقلي مرات عدة يؤدي إلى تكوّن مواد مبلمرة تضر بالصحة. يُنصح أن يكون قلي الأطعمة في درجة حرارة أعلى من 140 درجة مئوية وأقل من 180 درجة مئوية حتى لا تفقد طعمها ولا تمتص زيتاً كثيراً وحتى لا تتكون قشرة صلبة تمنع قلي الطعام جيداً. كما يُنصح باستخدام طرق وأدوات طهي صحية بدلاً من القلي، مثل السلق، والطبخ بالبخار، وأواني الضغط.
- استخدام درجات الحرارة العالية: يؤدي الطهي باستخدام درجات الحرارة العالية للأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والمحتوية على السكر والحمض الأميني «أسباراجين» إلى تكوين مادة تسمى «أكريلاميد» يمكن أن تتكون عند درجات الحرارة المرتفعة أثناء التحمير أو التحميص أو الخبز. وقد ظهر أن لهذه المادة تأثيراً مسرطناً على حيوانات التجارب، ولحسن الحظ أن الناس لا يتناولون في وجباتهم اليومية كمية كبيرة من هذه المادة بدرجة تجعلها تمثل خطراً كبيراً.

التلوث الفيزيائي

> التلوث «الملموس»: يقصد به وجود مادة أو جسم غريب في الغذاء، والتي قد تحدث أعراضاً مرضية نتيجة تناولها؛ منها: قطع من المعادن (كالمجوهرات)، وأحجار، وأخشاب، وقطع من الزجاج، وحشرات أو أجزاء منها، وبلاستيك... وغيرها.
> عدم تحمل مضافات الأغذية: لقد تطورت الطرق الزراعية مع بداية القرن العشرين، كما تطورت تكنولوجيا إنتاج وصناعة المواد الغذائية، مما أدى إلى وفرة الطعام وزيادة تداوله ونقله، ليس فقط داخل البلد المنتج؛ بل حتى خارجه، الأمر الذي استوجب إضافة مواد تساعد في المحافظة على الجودة التغذوية والفيزيائية للغذاء، وتحسن من اللون والطعم والرائحة، كما تساعد في جعله أكثر جاذبية وأكثر قيمة غذائية، مما يجعله مرغوباً بدرجة أكبر.
وتعدّ المادة المضافة سالمة وآمنة في تركيزها المضاف بناء على المعلومات العلمية والصحية المتوفرة، وذلك بالنسبة إلى كل أفراد المجتمع، باستثناء بعض الحالات النادرة التي تعاني من الحساسية أو عدم تحمل هذه المادة المضافة. وكمثال على المضافات: «أحادي جلوتامات الصوديوم (MSG)»، و«السلفيت (Sulfite)»، و«نترات الصوديوم (Sodium Nitrate)»، و«البنزوات (Benzoates)»، و«الترترازين (Tartrazine)».

توصيات السلامة الغذائية

تعمل منظمة الصحة العالمية مع منظمة الأغذية والزراعة، وهما تابعتان لهيئة الأمم المتحدة، وغيرهما من المنظمات الدولية، على الترويج لفوائد السلامة الغذائية والنُظم الغذائية الصحية، من أجل ضمان السلامة الغذائية خلال مراحل السلسلة الغذائية بأكملها؛ من الإنتاج إلى الاستهلاك.
وتوصي منظمة الصحة العالمية باتباع 5 خطوات أو وصايا لضمان السلامة الغذائية من الملوثات البيولوجية؛ تشمل:
- الحفاظ على النظافة: النظافة الشخصية، ونظافة أدوات ومكان التعامل مع الطعام.
- فصل الطعام النيئ عن الطعام المطبوخ: حفظ الأغذية المطبوخة في أوانٍ بعيداً من الأغذية النيئة، واستعمال أدوات ومعدات وأوانٍ خاصة للأغذية النيئة، والتأكيد على غسل وتعقيم الأوعية وألواح التقطيع وغير ذلك من الأدوات التي استُخدمت في تحضير الطعام النيئ، ووضع اللحوم والدجاج النيئ في حافظات مقفلة بإحكام في رفوف الثلاجة كي لا تتسرب العصارات إلى الطعام المطهو أو الجاهز للأكل في الرفوف الأخرى.
- طهو الطعام جيداً لفترة كافية: لقتل الكائنات المجهرية الضارة الخطرة كالبكتيريا.
- حفظ الطعام في درجات حرارة آمنة: تحت 5 درجات مئوية، وفوق 60 درجة مئوية، لإيقاف أو إبطاء نمو وتكاثر الجراثيم.
- استخدام مياه نظيفة وأطعمة طازجة.

- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

هل تُحسّن حمامات «الساونا» الصحة فعلاً؟

صحتك الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)

هل تُحسّن حمامات «الساونا» الصحة فعلاً؟

عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، قد يتبادر إلى ذهنك أن حمامات الساونا والغطس في الماء البارد أشبه بعلاج سحري، يُعزز المناعة، ويحرق الدهون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)

الأمعاء الصحية تساعد في إدارة القلق... كيف؟

يعاني كثير من الأشخاص من قلق شديد، مصحوب بأعراض تتراوح بين تسارع الأفكار والأرق، وصولاً إلى نوبات الهلع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أحماض أوميغا 3 الموجودة في  السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)

دور السردين في المحافظة على مستويات السكر في الدم

تعرف الفوائد الصحية للسردين والأسماك الدهنية على نطاق واسع، فمحتواها العالي من الدهون غير المشبعة يُساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم بحوث التوحُّد تؤكِّد الجذور الجينية القوية وتنفي أي علاقة باللقاحات

بحوث التوحُّد تؤكِّد الجذور الجينية القوية وتنفي أي علاقة باللقاحات

عوامل جينية وبيئية تزيد خطر الإصابة به

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
صحتك حبات من الفول السوداني وهو من فئة البقوليات (أرشيفية - رويترز)

كيف تساهم البقوليات في تعزيز الزنك بالجسم؟

تُعدّ البقوليات، مثل العدس والحمص والفول، من المصادر الجيدة للزنك. فكيف تساهم في تعزيزه في جسم الإنسان؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هل تُحسّن حمامات «الساونا» الصحة فعلاً؟

الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)
الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)
TT

هل تُحسّن حمامات «الساونا» الصحة فعلاً؟

الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)
الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)

عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، قد يتبادر إلى ذهنك أن حمامات الساونا والغطس في الماء البارد أشبه بعلاج سحري، يُعزز المناعة، ويحرق الدهون، ويُعالج كل شيء من آلام المفاصل إلى تقلبات المزاج.

لكن الحقيقة، كما يقول الخبراء، أكثر تعقيداً.

أفادت الدكتورة هيذر ماسي، الأستاذة المشاركة في علم البيئة القاسية وعلم وظائف الأعضاء بجامعة بورتسموث البريطانية: «هناك الكثير ممن يُؤمنون بفاعلية التعرض للحرارة والبرودة، لكننا لا نملك حتى الآن أدلة كافية تُؤكد فوائدها بشكل قاطع».

وتُوضح أن أجسامنا «مذهلة» في الحفاظ على استقرار درجة حرارتها الداخلية، التي تتراوح عادةً بين 36.5 و37 درجة مئوية.

وفي حياتنا اليومية، نادراً ما نُعرّض هذا النظام للخطر؛ إذ نقضي فترات طويلة في أماكن مُدفأة أو مُكيّفة.

وتُضيف أن تسخين الجسم أو تبريده يُسبب ضغطاً طفيفاً، قد يُحفز استجابات تكيفية أو وقائية، حسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

العلم وراء الساونا

تكمن جاذبية الساونا في هذه الفكرة، حيث نادراً ما تخلو منها الصالات الرياضية والمنتجعات الصحية هذه الأيام.

بالنسبة للبعض، تُعدّ الساونا مكافأة بعد التمرين، بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي للبعض الآخر، ويُقسم الكثيرون بفوائدها، مُقتنعين بأنّ 15 دقيقة من الحرارة الشديدة تُحدث فرقاً كبيراً في صحة الجسم والعقل.

ولا شكّ في أنّها تُشعِر بالراحة.

قالت الدكتورة ماسي: «عندما تجلس في الساونا وتتعرّق، قد تشعر بمزيد من الاسترخاء والحرية، وتزداد مرونتك، وقد تخفّ آلامك قليلاً... إذن، هناك بالتأكيد بعض الفوائد لاستخدام الساونا، لكن السؤال هو: هل هذه فائدة صحية طويلة الأمد أم أنها فائدة نفسية في المقام الأول؟».

أوضحت ماسي أن دراسة حديثة أجريت على أشخاص خضعوا لجلسات متكررة في أحواض المياه الساخنة، وأظهرت النتائج تغيرات في مستويات الأنسولين وضغط الدم.

وأضافت: «بدأنا بدراسة ما إذا كان تسخين الجسم قد يُفيد الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة».

مع ذلك، تحثّ على توخي الحذر عند إطلاق ادعاءات صحية جريئة؛ إذ لا تزال الأدلة العلمية الموثوقة محدودة.

شرحت: «لم نُجرِ تجربة سريرية حقيقية للساونا. أعتقد أننا سنكتشف فوائد في المستقبل، لكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد».

وأكدت أنه من المعقول حالياً الاستمتاع بهذه العادة لما تُضفيه من شعور، دون افتراض أنها طريق مختصر ومضمون لتحسين الصحة.

وإذا قررت تجربة الساونا أو أحواض المياه الساخنة، تنصح الدكتورة ماسي بالحذر، والبدء تدريجياً، واستشارة طبيبك أولاً إذا كنت تعاني من أي أمراض مزمنة أو كنتِ حاملاً.

ماذا عن السباحة في الماء البارد؟

يُفضّل البعض تجربة عكس ذلك تماماً.

تزداد شعبية مجموعات السباحة في الماء البارد، حيث باتت السباحة في الصباح الباكر مشهداً مألوفاً على الشواطئ والبحيرات والأنهار.

تمارس الدكتورة ماسي، التي سبحت في القناة الإنجليزية وشاركت في بطولة العالم للسباحة في الجليد، السباحة في الماء البارد مرة واحدة أسبوعياً، لكنها لا تمكث فيه سوى بضع دقائق.

تجد الأمر «مؤلماً» في البداية، لكن تلك الصدمة الأولية هي ما يسعى إليه الناس.

تشرح قائلة: «عند الغطس لأول مرة، ينتابك شعورٌ بالاختناق اللاإرادي وتسارع في التنفس». يرتفع معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتزداد هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين.

وتضيف: «تصل هذه الاستجابة إلى ذروتها بعد نحو 30 ثانية، ثم تتلاشى بسرعة كبيرة».

يُقلل التعرض المتكرر من استجابة الصدمة، وبعد عدة مرات، يمكن تقليلها بنسبة 50 في المائة تقريباً.


الأمعاء الصحية تساعد في إدارة القلق... كيف؟

الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)
الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)
TT

الأمعاء الصحية تساعد في إدارة القلق... كيف؟

الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)
الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)

يعاني كثير من الأشخاص من قلق شديد، مصحوب بأعراض تتراوح بين تسارع الأفكار والأرق، وصولاً إلى نوبات الهلع. وبينما تُعتبر العلاجات النفسية وتغييرات نمط الحياة، وأحياناً الأدوية، عناصر أساسية في إدارة القلق، فإن صحة الأمعاء تُعدُّ جانباً غالباً ما يُغفل عنه.

وتزداد الأدلة التي تُشير إلى أن توازن البكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى في الأمعاء -المعروفة باسم الميكروبيوم المعوي- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصحة النفسية، ولا سيما حالات القلق والاكتئاب، وفقاً لموقع «هيلث لاين».

وعلى سبيل المثال، أظهرت البحوث أن الأفراد الذين يعانون من القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات، واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء.

وعندما يختل توازن الأمعاء، قد يُساهم ذلك في حدوث التهاب، ويُعطِّل إنتاج النواقل العصبية المنظمة للمزاج، مثل السيروتونين. لذا، فإن دعم صحة الأمعاء قد يُساعد في تخفيف أعراض القلق وتحسين الصحة النفسية العامة.

وفيما يلي بعض الطرق المُستندة إلى الأدلة لتحسين صحة الأمعاء، والتي قد تُساعد أيضاً في دعم التوازن العاطفي:

اختر الأطعمة الكاملة المفيدة للأمعاء

يلعب النظام الغذائي دوراً رئيسياً في صحة ميكروبيوم الأمعاء. فالأطعمة المُصنَّعة بكثرة، والسكريات المُضافة، والدهون المُشبعة، تُغذي البكتيريا الضارة، وتُعزز الالتهابات، وهما عاملان قد يُؤثران سلباً على الصحة النفسية.

فحاول استبدال الأطعمة الكاملة بالأطعمة فائقة المعالجة، والغنية بالسكريات والدهون.

وتشمل هذه الأطعمة:

الأطعمة الغنية بالألياف: البروكلي، والكرنب، والشوفان، والبازلاء، والأفوكادو، والكمثرى، والموز، والتوت، فهي غنية بالألياف التي تُساعد على الهضم الصحي.

الأطعمة الغنية بأحماض «أوميغا 3» الدهنية: سمك السلمون، والماكريل، والجوز، وبذور الشيا، وبذور الكتان، فهي غنية بأحماض «أوميغا 3» التي قد تُساعد على تقليل الالتهابات وتحسين الهضم.

تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك والبريبيوتيك

يعتمد توازن ميكروبيوم الأمعاء على كلٍّ من البروبيوتيك (البكتيريا النافعة) والبريبيوتيك (الألياف التي تغذيها). ويمكن أن يساعد تناول مزيج من كليهما في دعم التنوع الميكروبي، المرتبط بصحة عقلية وهضمية أفضل.

من طرق إدخال البروبيوتيك والبريبيوتيك في نظامك الغذائي ما يلي:

أطعمة غنية بالبروبيوتيك: مخلل الملفوف، والكفير، والكيمتشي، والكومبوتشا، وخل التفاح، والكفاس، والزبادي عالي الجودة.

أطعمة غنية بالبريبيوتيك: الجيكاما، والهليون، وجذر الهندباء البرية، وأوراق الهندباء، والبصل، والثوم، والكراث.

مارِس عادات هضم صحية

لا يقتصر دعم الهضم على ما تأكله فحسب؛ بل تلعب العادات اليومية دوراً أساسياً في صحة الأمعاء والصحة النفسية.

حافظ على رطوبة جسمك: يساعد الماء على تحريك الطعام عبر الجهاز الهضمي، ويدعم امتصاص العناصر الغذائية.

تناول الطعام بوعي: تناول الطعام ببطء وفي جو هادئ يُحسِّن الهضم ويُخفف التوتر.

مارس الرياضة بانتظام: النشاط البدني يدعم انتظام حركة الأمعاء ووظائفها.

احصل على قسط كافٍ من النوم: قلة النوم تُخلُّ بتوازن البكتيريا النافعة في الأمعاء، وتزيد من القلق. احرص على النوم من 7 إلى 9 ساعات كل ليلة.


دور السردين في المحافظة على مستويات السكر في الدم

أحماض أوميغا 3 الموجودة في  السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)
أحماض أوميغا 3 الموجودة في السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)
TT

دور السردين في المحافظة على مستويات السكر في الدم

أحماض أوميغا 3 الموجودة في  السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)
أحماض أوميغا 3 الموجودة في السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)

تعرف الفوائد الصحية للسردين والأسماك الدهنية على نطاق واسع، فمحتواها العالي من الدهون غير المشبعة يُساعد على تنظيم مستويات الكولسترول والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية. لكن فوائدها لا تتوقف عند هذا الحد، حيث تساعد عناصر غذائية مثل التورين، وأوميغا 3، والكالسيوم، وفيتامين د، الموجودة في السردين على الوقاية من الأمراض.

كما يُحسّن تناول السردين مؤشرات صحية أخرى، مثل تنظيم الكولسترول وخفض الدهون الثلاثية وضغط الدم.

ويساعد السردين في المحافظة على مستويات السكر في الدم لاحتوائه على بروتين عالي الجودة وأحماض أوميغا 3 الدهنية، التي تساهم في تحسين حساسية الإنسولين وتقليل الالتهابات المرتبطة بارتفاع السكر.

ما السردين؟

السردين هو سمك زيتي صغير الحجم يمكن تناوله طازجاً أو معلباً سواء في الزيت أو صلصة الطماطم. ينتمي السردين إلى عائلة الرنجة، وهو معروف باحتوائه على نسبة عالية من البيوفا (PUFA)، بالإضافة إلى مستويات الكالسيوم والحديد والمغنسيوم والبوتاسيوم والفوسفور وفيتامين «د» وفيتامين «ب 12».

تحتوي كل 100 غرام من السردين المطبوخ على نحو 382 ملغم من الكالسيوم، أي ما يعادل 38 في المائة من الكمية اليومية الموصى بها. كما أنه يحتوي أيضاً على 2.9 ملغم من الحديد، و490 ملغم من الفوسفور، و8.9 ميكروغرام من فيتامين «ب 12»، وكلها تدعم صحة العظام وتكوين خلايا الدم الحمراء ووظائف القلب والأوعية الدموية.

السردين والسكري

أُجريت الدراسة على مجموعة من المشاركين الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر. ومع ذلك، يدّعي الباحثون إمكانية تعميم النتائج على فئات عمرية أخرى. حيث كشفت دراسة أجرتها ديانا دياز ريزولو، المحاضرة والباحثة في كلية العلوم الصحية بجامعة كاتالونيا المفتوحة أن الاستهلاك المنتظم للسردين يُساعد على الوقاية من داء السكري من النوع الثاني، حيث تُساعد العناصر الغذائية الموجودة بكميات كبيرة في السردين، مثل التورين وأوميغا 3 والكالسيوم وفيتامين د، على الوقاية من داء السكري.

وأوضحت د. ريزولو قائلةً: «لا يقتصر الأمر على كون السردين ميسور التكلفة ويسهل الحصول عليه، بل إنه آمن ويُساعد على الوقاية من الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. ومن السهل التوصية بهذا الطعام خلال الفحوصات الطبية، وهو مقبول على نطاق واسع بين الناس».

علبتان من السردين أسبوعياً

شملت الدراسة 152 مريضاً من كبار السن (65 عاماً فأكثر) تم تشخيص إصابتهم بمقدمات السكري (مستويات سكر الدم بين 100 و124 ملغم/ديسيلتر) وخضع جميع المرضى لبرنامج غذائي يهدف إلى تقليل خطر إصابتهم بالمرض، ولكن المجموعة التي تلقت التدخل الغذائي فقط هي التي أضافت 200 غرام من السردين إلى نظامها الغذائي أسبوعياً (علبتان من السردين في زيت الزيتون). ولتسهيل هذا الاستهلاك، تلقى المشاركون في الدراسة قائمة بوصفات تتضمن السردين المعلب. ونُصح المشاركون بتناول السردين كاملاً، دون إزالة العظام، لأنها غنية بالكالسيوم وفيتامين د.

من بين المجموعة التي لم تتناول السردين، كان 27 في المائة من أفرادها معرضين لخطر الإصابة بداء السكري (تم قياس ذلك باستخدام استبيان FINDRISC). وبعد عام، انخفضت هذه النسبة إلى 22 في المائة. من بين المجموعة التي تناولت السردين ضمن نظامها الغذائي، كان 37 في المائة من أفرادها معرضين لخطر الإصابة بداء السكري عند بداية الدراسة. وبعد عام، انخفضت هذه النسبة إلى 8 في المائة فقط. كما لوحظ تحسن في مؤشرات حيوية هامة أخرى، مثل انخفاض مؤشر مقاومة الإنسولين (HOMA-IR)، وارتفاع مستوى الكولسترول الجيد (HDL)، وزيادة هرمونات تسريع تكسير الغلوكوز (الأديبونكتين)، وانخفاض مستوى الدهون الثلاثية وضغط الدم، وغيرها.

أُجريت الدراسة على مشاركين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر، نظراً لارتفاع معدل الإصابة بداء السكري لدى كبار السن مقارنةً بالشباب. وصرح الدكتور ريزولو قائلاً: «مع التقدم في السن، قد تساعد الأنظمة الغذائية المقيدة (من حيث السعرات الحرارية أو المجموعات الغذائية) في الوقاية من داء السكري».

دور الغذاء الوقائي وليس المكملات الغذائية

إن أطعمة مثل السردين - الغنية بالتورين، وأوميغا 3، والكالسيوم، وفيتامين د - لها تأثير وقائي واضح ضد الإصابة بداء السكري، ولا يعني ذلك أن تناول المكملات الغذائية وحدها سيؤدي إلى نفس التأثير. وأوضحت ريزولو: «يمكن للعناصر الغذائية أن تلعب دوراً أساسياً في الوقاية من العديد من الأمراض وعلاجها، ولكن تأثيرها عادةً ما يكون ناتجاً عن التآزر بينها وبين الطعام الذي تحتوي عليه. لذا، يتمتع السردين بعنصر وقائي لأنه غني بالعناصر الغذائية المذكورة، بينما لا تُجدي العناصر الغذائية المتناولة بشكل منفرد على شكل مكملات غذائية نفعاً بنفس القدر».

.