«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

الترويج للكتب من خلاله نجح بوقت قياسي في تحقيق ما لم تصل إليه دور النشر خلال سنوات

جانب من معرض باريس للكتاب
جانب من معرض باريس للكتاب
TT

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

جانب من معرض باريس للكتاب
جانب من معرض باريس للكتاب

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل. ولكن ماذا لو تحوّل الداء إلى دواء؟
الأرقام التي أعلن عنها منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، تبعث على التفاؤل: من بين المائة ألف الذين زاروا أروقة معرض الكتاب، نصفهم، أي 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين. إقبال منقطع النظير لم يرجعه المنظمون إلى مجانية الدخول التي تُمنح لهذه الفئة العمرية في فرنسا، بل إلى تطبيق «تيك توك»، مؤكدين أنه قام «بعمل دعائي مهول لاجتذاب هذه الفئة العمرية».
لأول مرة في تاريخ المعرض تصادفك أروقة خاصة بالإصدارات التي لاقت نجاحاً على المنصّة، أو تلك التي يتّم تداولها بكثرة، وحتى تلك التي ينصح بها «تيك توك» وكأن مجرد إضافة اسم التطبيق الصيني الشهير على أي إصدار سيكون له مفعول العصا السحرية الكفيل باجتذاب أفواج من الجماهير.
والواقع أن إنجازات منصّة «تيك توك»، ومجتمعها الافتراضي المتخصّص في الترويج للكتب والقراءة «بوك توك»، قد فاقت كل التوقعات. ففي فرنسا، حيث سجّل هاشتاغ «بوك توك» أكثر من 1.5 مليار مشاهدة مقابل 127 ملياراً في العالم في 2022، تشهد سوق الكتاب انتعاشاً كبيراً، لا سيما مع عودة الشباب إلى القراءة من جديد. المنصة الصينية لم تكن في البداية وجهة للاستهلاك الثقافي بقدر ما كانت وجهة للتسلية والترفيه. الأمور تغيرت حين لجأ بعض المراهقين الذي كانوا يعانون الضجر خلال الحجر الصّحي إلى تصوير مقاطع تمثيلية قصيرة ومرحة عن الكتب التي قرأوها وأحبوها، ثم تم تداولها بعد ذلك بنجاح كبير داخل المجتمع الافتراضي. اليوم ظاهرة الترويج للكتب من خلال «بوك توك» أخذت أبعاداً مذهلة، حيث نجحت في وقت قياسي في تحقيق ما لم تصل إليه دور النشر في سنوات، فما من عمل حظي بدعاية واستحسان المؤثرين إلا ووصل إلى قائمة الأعمال الأكثر مبيعاً. في الولايات المتحدة، وفي مقال لصحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «كيف أصبح تيك توك أفضل أداة بيع» تستشهد الكاتبة برواية «أغنية أخيل» للأميركية مادلين ميلر، وهي رواية صدرت عام 2014، ولكنها عرفت حياة ثانية بعد سبع سنوات من ظهورها... وهذا بعد أن قامت مؤثرة شابة تدعى إيمان شوذري (20 سنة) بنشر مقاطع طريفة تمثلها وهي تبدأ قراءة الرواية، ثم وهي تنهيها، متأثرة بشدّة بأحداثها. الفيديو شوهد أكثر من 160 ألف مرة وحصد 40 ألف إعجاب، والنتيجة وصول هاشتاغ «سونع أوف أشيل» إلى أكثر من 20 مليون مشاهدة على منصّة «تيك توك»، وأدى إلى انفجار في مبيعات هذه الرواية بزيادة 9 أضعاف في الولايات المتحدة و6 أضعاف في فرنسا عما كانت عليه عند صدورها.
الصحيفة الأميركية استجوبت أيضاً الكاتبة الأميركية إيميلي لوكهارت، التي وصلت روايتها «كنا كاذبين» الصادرة في 2014 إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعاً مؤخراً، حيث عبّرت الكاتبة عن دهشتها لأنها لم تكن تعلم بوجود هذه المنصّة، إلى أن أخبرها أولادها بأن الرواية يتم تداولها عبر هاشتاغ منتشر بشكل واسع. كما ربطت صحيفة «الغارديان» البريطانية وفي مقال بعنوان: «صعود بوك توك... تعرّف على المؤثرين المراهقين الذين يدفعون بالكتب إلى صدارة القوائم» بين عودة الشباب إلى روائع الأدب الإنجليزي مثل مؤلفات تشارل ديكنز، وإيميلي وشارلوت برونتي، وبين نسب مشاهدة عالية يحظى بها المراهقون الذين ينشرون قراءات لهذه النوعية من الأدب، حيث حقق فيديو لمؤثرة بريطانية، لا تتعدى الستة عشر عاماً، قدمت فيه مقاطع من رواية «جين آير» نجاحاً كبيراً وصل إلى مليوني مشاهدة. وفي تحقيق صحافي آخر بعنوان: «كيف هزّ تيك توك قطاع صناعة الكتب» نشره الموقع الفرنسي «فيابوكس»، شرحت صوفي شارنفيل مديرة نشر دار «روبرت لافون» كيف أنها لم تستوعب النفوذ الجديد للمنصّة الصينية إلا بعد أن اكتشفت أن الارتفاع المفاجئ في مبيعات رواية الكاتب أدم سيلفيرا «ويموتان معاً في النهاية» قد جاء بفضل مؤثرين شباب أوصوا بقراءة هذه الرواية على «تيك توك». وذكرت مديرة النشر الفرنسية أن مبيعات الرواية كانت لا تتعدى الـ5000 نسخة سنوياً، وفي السنة التي تلتها قفزت المبيعات إلى مائة ألف بفضل دعاية «تيك توك»!
هذه المعطيات الجديدة، سمحت لأعمال عدة مرت بخانة الـ«بوك توك» باحتلال المراتب الأولى في قائمة «بيست سيلرز». ففي قائمة الثلاثين كتاباً الأكثر مبيعاً في شهر مارس (آذار) الماضي، ظهرت أسماء كتّاب وصلوا إلى النجومية مروراً بخانة التطبيق الصيني، منهم كولين هوفر، والجزائرية سارة ريفرز وروايتها «الرهينة» بجزأيها الأول والثاني، التي أحدثت زلزالاً في المكتبات الفرنسية في شهر فبراير (شباط) الماضي، منافسة الأمير هاري وسيرته الذاتية، إضافة إلى رواية «ألف قبلة للشاب» لتيلي كول التي تحظى بشعبية كبيرة.
الظاهرة وصلت إلى أقسام التسويق في دور النشر الكبيرة، وأجبرتها على التأقلم مع النفوذ الجديد للمنصة الصينية. اليوم معظم الناشرين فتحوا حساباً على المنصّة لمراقبة التوجهات السائدة. بعضهم يتعاون عن كثب مع المؤثرين، على أمل الوصول إلى جمهور أوسع. دار نشر «هاشيت» فضّلت توطيد شراكتها مع «تيك توك»، وأعلنت عن الخطوط العريضة لهذا التعاون من خلال ندوة عمل ثنائية عُقدت في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي. دار نشر «روبرت لافون» أطلقت مسابقة كبيرة لاكتشاف مواهب جديدة في الأدب بنشر مقتطفات للأعمال عبر «تيك توك». المنصّة نفسها وبعد أن أدركت قوة نفوذها أطلقت مبادرات عدة لاكتساب شرعية جديدة وإخماد اتهامات التلاعب ببيانات المستخدمين الشباب. وأسس التطبيق الصيني شراكة مع أكبر معرض للكتب في العالم، وهو «معرض فرانكفورت»، إضافة لمعرض باريس للكتب، و«مهرجان كان» السينمائي، كما فتحت المنصّة بمناسبة الدخول الأدبي، أبوابها لتوظيف مائة ناقد أدبي من الشباب ومُهمتهم نشر مقاطع يعبّرون فيها عن رأيهم في الأعمال التي ترسل لهم. كما بدأت «تيك توك» منذ أشهر، حملة دعاية كبيرة في وسائل الإعلام الفرنسية تحت شعار «تيك توك نافذة على العالم»، لجأت فيها لخدمة شخصيات معروفة، منهم مقدم برنامج «المكتبة الكبيرة» أوغستان ترابنار الذي يسهم، وبصفة منتظمة، في المجتمع الافتراضي «بوك توك».
عن الدوافع التي جعلت تطبيق «تيك توك» يلاقي هذا الكم الهائل من الإقبال لدى أجيال كاملة من الشباب والمراهقين، تقول ميلاني لوكامو المسؤولة عن الاتصال في دار نشر «هاشيت»: «هناك أجيال من الشباب أدركوا، بفضل وسائل الاتصال مثل (تيك توك)، أن شباباً مثلهم يقرأون كتباً تثير فيهم الحماس كما يفعله مسلسل لـ(نتفليكس) أو لعبة فيديو أو موسيقى جديدة، هذا الحماس انتقل بين الشباب حتى وصلوا إلى الاقتناع بأن القراءة قد تكون نشاطاً ممتعاً أيضاً». أما الإعلامي الفرنسي أوغستان ترابنار فهو يتحدث عن شحنة «الصدق» و«التلقائية» التي ينقلها شباب «تيك توك» وهو ما يفتقده الإعلام التقليدي، إضافة للمساحة الكبيرة التي تمنحها هذه المنصّة لأجناس أدبية طالما تم تجاهلها.
يقول أوغستان ترابنار: «عندما كنت أقدم برامجي، كنا لا نستطيع تقديم كل الأعمال، كتب المانجا مثلاً كانت ممنوعة وهو ظلم كبير إذا علمنا أن نصف ما تبيعه المكتبات الفرنسية مثلاً هو من قصص المانجا، ولكن لا أحد يريد أن يتحدث عنها. اليوم نستطيع أن نقول إن (تيك توك) أخرج هذه الأجناس الأدبية مثل الرومانسية القاتمة، وعلم الخيال التاريخي، والمانجا من الظلام، وأعطاها حقها».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي
يوميات الشرق «تقنيات الكتابة الروائية»

«تقنيات الكتابة الروائية»

صدر حديثاً عن «دار كنعان» كتاب «تقنيات الكتابة الروائية»، من إعداد الناقد الأميركي أبراهام شاول بوراك. نقلته إلى العربية إيفا شاهين، وصمم غلافه باسم صباغ. يقدم الكتاب، وفقاً للناشر: «نهوجاً مختلفة في كتابة الرواية لدى أربعين روائياً ناجحاً، جمعيهم يبرهنون أنه لا يوجد نهج واحد لكتابة الرواية. ففي الحقيقة، كل روائي من هؤلاء يستخدم تقنية مختلفة. بعضهم يبدأ روايته بشخصية أو مكان، فيما يميل بعض آخر إلى بدئها بحبكة، أو موضوع، بينما يقدّم آخرون موجزاً عاماً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

فرقة «الحضرة» المصرية تدخل عامها العاشر بطموحات كبيرة

«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
TT

فرقة «الحضرة» المصرية تدخل عامها العاشر بطموحات كبيرة

«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)

تحتفل فرقة «الحضرة» المصرية للإنشاد الديني بعيد ميلادها التاسع خلال فعاليات الموسم الصيفي للموسيقى والغناء في دار الأوبرا؛ بإحيائها حفلاً على «المسرح المكشوف» يمتدّ لساعتين، السبت 10 أغسطس (آب) المقبل.

يتضمّن البرنامج مجموعة قصائد تقدّمها للمرّة الأولى، منها «جدّدت عشقي» لعلي وفا، و«أحباب قلبي سلام» للشيخ سيدي الهادي من تونس، وقصيدة في مدح النبي، «يفديك قلبي»، لشاعرة فلسطينية، وفق نور ناجح، مؤسِّس الفرقة الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون الحفل مختلفاً واستثنائياً على جميع المستويات، فهو محطّة لاستقبال عامنا العاشر».

الفرقة تجمع منشدين ذوي ثقافة صوفية (الشرق الأوسط)

وستقدّم الفرقة مجموعة من أشهر أعمالها السابقة، هي 11 قصيدة مجمَّعة بطريقة «الميدلي»، منها «مدد يا سيدة»، و«أول كلامي بأمدح»، و«جمال الوجود»، و«هاتوا دفوف الفرح»، و«خذني إليك». ذلك إضافة إلى مجموعة من الأناشيد والابتهالات التي يُطالب بها الجمهور، مثل «إني جعلتك في الفؤاد محدّثي»، و«المسك فاح». ومن مفاجآت الحفل، وفق ناجح، استضافة مشايخ لمشاركتهم الإنشاد، منهم المنشد وائل فشني، وعلي الهلباوي، وراقص التنورة المصري - الإسباني المقيم في أوروبا، محمد السيد، الذي سيقدّم فقرة للأداء التعبيري، مصاحبةً لبعض القصائد.

إحياء التراث الصوفي المصري بشكل مختلف (الشرق الأوسط)

ويعدُّ ناجح «الحضرة» أول فرقة مصرية للإنشاد الصوفي الجماعي، التي كانت سبباً لانطلاق فرق أخرى مماثلة لاحقاً: «قدّمت مصر عمالقة في مجال الإنشاد والابتهالات، مثل نصر الدين طوبار، وسيد النقشبندي، ومحمد الهلباوي ومحمد عمران»، مشدّداً على أنّ «الإنشاد خلال الحقبات الماضية كان فردياً، فلم تعرف مصر الفرق في هذا المجال، على عكس دول أخرى مثل سوريا، لكنّ (الحضرة) جاءت لتغيّر ثقافة الإنشاد في البلاد؛ فهي أول مَن قدَّم الذِكر الجماعي، وأول مَن أدّى (الحضرة) بكل تفاصيلها على المسرح».

واتّخذ ناجح عبارة «الحضرة من المساجد إلى المسارح» شعاراً لفرقته، والمقصود نقل الحضرة الصوفية من داخل الجامع أو من داخل ساحات الطرق الصوفية والمتخصّصين والسهرات الدينية والموالد في القرى والصعيد، إلى حفلات الأوبرا والمراكز الثقافية والسفارات والمهرجانات المحلّية والدولية.

جمعت قماشة الصوفية المصرية في حفلاتها (الشرق الأوسط)

تحاكي «الحضرة» مختلف فئات الجمهور بمَن فيهم الشباب، والذين لا يعرف كثيرون منهم شيئاً عن أبناء الطرق أو عن الصوفية عموماً، وفق مؤسِّس الفرقة الذي يقول: «نجحنا في جذب الشباب لأسباب منها زيادة الاهتمام بالتصوُّف في مصر منذ بداية 2012، حدَّ أنه شكَّل اتجاهاً في جميع المجالات، لا الموسيقى وحدها».

ويرى أنّ «الجمهور بدأ يشعر وسط ضغوط الحياة العصرية ومشكلاتها بافتقاد الجانب الروحي؛ ومن ثَم كان يبحث عمَن يُشبع لديه هذا الإحساس، ويُحقّق له السلام والصفاء النفسي».

وأثارت الفرقة نقاشاً حول مشروعية الذِكر الجهري على المسرح، بعيداً عن الساحات المتخصِّصة والمساجد؛ ونظَّمت ندوة حول هذا الأمر شكّلت نقطة تحوُّل في مسار الفرقة عام 2016، تحدَّث فيها أحد شيوخ دار الإفتاء عن مشروعية ذلك. وفي النتيجة، لاقت الفرقة صدى واسعاً، حدَّ أنّ الشباب أصبحوا يملأون الحفلات ويطلبون منها بعض قصائد الفصحى التي تتجاوز مدّتها 10 دقائق من دون ملل، وفق ناجح.

فرقة «الحضرة» تدخل عامها العاشر (الشرق الأوسط)

وعلى مدى 9 سنوات، قدَّمت الفرقة أكثر من 800 حفل، وتعاونت مع أشهر المنشدين في مصر والدول العربية، منهم محمود التهامي، ووائل الفشني، وعلي الهلباوي، والشيخ إيهاب يونس، ومصطفى عاطف، وفرقة «أبو شعر»، والمنشد السوري منصور زعيتر، وعدد من المنشدين من دول أخرى.

تمزج «الحضرة» في حفلاتها بين الموسيقى والإنشاد، وهو ما تتفرّد به الفرقة على المستوى الإقليمي، وفق ناجح.

وتدخل الفرقة عامها العاشر بطموحات كبيرة، ويرى مؤسِّسها أنّ أهم ما حقّقته خلال السنوات الماضية هو تقديمها لـ«قماشة الصوفية المصرية كاملة عبر أعمالها»، مضيفاً: «جمعنا الصوفية في النوبة والصعيد والريف».

كما شاركت في مهرجانات الصوفية الدولية، وأطلقت مشروعات فنية، منها التعاون مع فرقة «شارموفرز»، التي تستهدف المراهقين عبر موسيقى «الأندرغراوند»، ومشروع المزج بين الموسيقى الكلاسيكية والصوفية مع عازفي الكمان والتشيلو والفيولا. وقدَّمت «ديو» مع فرق مختلفة على غرار «وسط البلد» بهدف جذب فئات جديدة لها.

يأمل نور ناجح، مع استقبال العام العاشر، في إصدار ألبومات جديدة للفرقة، وإنشاء مركز ثقافي للإنشاد الديني، وإطلاق علامة تجارية للأزياء الصوفية باسم «الحضرة».