هل يكون «بلوسكاي» بديلاً لـ«تويتر»؟

«العصفور الأزرق» تراجع بسبب سياسات ماسك «المتقلبة»

تطبيق «بلوسكاي» يزاحم «تويتر» بعد تراجعه (أرشيفية)
تطبيق «بلوسكاي» يزاحم «تويتر» بعد تراجعه (أرشيفية)
TT

هل يكون «بلوسكاي» بديلاً لـ«تويتر»؟

تطبيق «بلوسكاي» يزاحم «تويتر» بعد تراجعه (أرشيفية)
تطبيق «بلوسكاي» يزاحم «تويتر» بعد تراجعه (أرشيفية)

أحدث تطبيق «بلوسكاي» ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة، في ظل محاولات البعض الحصول على دعوة للتسجيل في المنصة الجديدة كبيرة الشبه بـ«تويتر».
وأثار ذلك تساؤلات حول إمكانية أن يكون «بلوسكاي» بديلاً لـ«العصفور الأزرق» الذي تراجعت قيمته السوقية منذ استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك عليه مقابل 44 مليار دولار، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وقال خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، إن تراجع «تويتر» يعود إلى سياسات ماسك وقراراته التي وصفوها بـ«المتقلبة».
و«بلوسكاي» هو تطبيق للتواصل الاجتماعي، يحمل سمات «تويتر» نفسها إلى حد كبير، أطلقه المدير التنفيذي السابق للمنصة جاك دورسي، على الهواتف العاملة بنظام «آي أو إس» في فبراير (شباط)، وبدأ العمل به على نظام «أندرويد» في أبريل (نيسان).
ويعود تاريخ «بلوسكاي» إلى عام 2019، عندما أعلن جاك دورسي -وكان وقتها لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر»- عن تمويل الشركة لتطوير تطبيق تواصل اجتماعي مفتوح ولا مركزي يحمل اسم (بلوسكاي). وفي فبراير 2022، تحوّل إلى شركة مستقلة.
وحظي التطبيق بمشاركات واسعة منذ الإعلان عن نسخته التجريبية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليزيد التفاعل مؤخراً، مع بدء تحميله على الهواتف المحمولة، وسط محاولات عدد من مستخدمي «تويتر» الحصول على دعوة للتسجيل في التطبيق.
وعلى الرغم من الإقبال على تحميل التطبيق، فإن الأستاذ بكلية الإعلام في جامعة ميزوري الأميركية الدكتور ديمون كيسو، يرى أنه «من السابق لأوانه القول إن هناك حمّى لتحميل التطبيق».
وأوضح كيسو في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «تطبيق (بلوسكاي) ضاعف عدد مستخدميه في وقت سابق من هذا الأسبوع، من 40 ألف مستخدم إلى 80 ألفاً، وجميع هؤلاء ما زالوا على قائمة الانتظار، ويتم قبول تسجيلهم في التطبيق بشكل تدريجي خلال الفترة التجريبية للخدمة».
وأضاف أنه «في المقابل لدى (تويتر) 450 مليون مستخدم نشط شهرياً على مستوى العالم، كما أنشأ أكثر من 10 ملايين شخص حسابات على تطبيق (ماستودون) خلال الشهور الستة الماضية». ولفت إلى أن «الضجة التي أحدثها (بلوسكاي) على الرغم من أنها طبيعية، فإنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان المستخدم العادي سيتجه للاعتماد عليه سريعاً».
لكن على الرغم من ذلك، أكد كيسو أن «(بلوسكاي) يُعد بديلاً محتملاً لـ(تويتر)»، موضحاً أن «تطبيق التغريدات الشهير شهد تراجعاً حاداً خلال الفترة الأخيرة، ويتطلع الناس إلى منصة بديلة».
ونوَّه بأن «لطالما كان (تويتر) الشبكة الاجتماعية الأصغر مقارنة بـ(فيسبوك)، أو حتى (تيك توك)؛ لكنها لفتت انتباه الصحافيين والسياسيين والمؤثرين؛ خصوصاً في الولايات المتحدة، وبالتالي لعبت دوراً كبيراً في المحادثات الوطنية».
ولفت إلى أن «إذا كان (بلوسكاي) قادراً على تكرار ما يكفي من الوصفة التي جعلت (تويتر) ناجحاً، فإن المجال مفتوح على مصراعيه ليكون بمثابة (تويتر التالي) لكن الأمر يحتاج إلى شهور حتى يمكن تقدير المسألة بشكل عادل».
من جهته، قال نائب رئيس جامعة شرق لندن، الدكتور حسن عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، إن «(بلوسكاي) يُعد منافساً قوياً لـ(تويتر)؛ لأن المستخدمين سيكون لديهم مزيد من التحكم في بياناتهم، لا سيما أنه مثبت على قاعدة بيانات لا مركزية»؛ لكنه يؤكد أنه «من السابق لأوانه الحكم على المسألة في ظل عدد مستخدمي (تويتر) الحاليين».
بدوره، اعتبر أليكس كانترويتز، مؤسس «بيغ تكنولوجي»، وهي نشرة متخصصة في شؤون التكنولوجيا: «بلوسكاي» استنساخاً لـ«تويتر».
وأوضح كانترويتز في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «تطبيق (بلوسكاي) أحدث ضجة على مدار الأسبوع، مع سعي البعض للحصول على دعوات للتسجيل به، وملأت منشورات طلب الدعوة الساحة، في محاولة لإعادة بناء (تويتر) من الصفر، لا سيما مع التراجع الذي يشهده (العصفور الأزرق)، فالجميع كان يغرد عن بديل طال انتظاره لمنصة التغريدات».
وأشار إلى أن «قرارات ماسك وسياساته في إدارة (تويتر) ساعدت في انتشار (بلوسكاي)، فخلال شهور استطاع ماسك بقراراته أن يحط من شأن (تويتر)، وقلل من فائدته كتطبيق لنشر الأخبار عن طريق إزالة علامة التوثيق الزرقاء من الحسابات، وبات يُنفر المشاهير، فأصبح الناس منفتحين على بديل».
وفي مارس (آذار) الماضي، نشرت وسائل إعلام أميركية تقارير تشير إلى تراجع عائدات «تويتر» بنسبة 40 في المائة. ويربط خبراء هذا التراجع باستحواذ ماسك عليه.
وقال دورسي في تصريحات تناقلتها وسائل إعلام (الجمعة)، إن الأوضاع «تدهورت» عقب إتمام الصفقة، مضيفاً: «كان ينبغي التراجع عن هذه الصفقة».
وكانت صفقة الاستحواذ في طريقها إلى الانهيار، بعدما أعلن ماسك أنه «يعيد النظر فيها»؛ لكن مجلس إدارة شركة «تويتر» لجأ إلى القضاء لإجباره على إتمام الصفقة.
بدوره، قال كيسو إن «قيادة ماسك وسياساته المتقلبة قلصت من قيمة (تويتر) بواقع 20 دولاراً أميركياً للسهم في 6 أشهر، وقوَّضت ثقة الجماهير التي كانت سبباً في نجاح منصة التغريدات على مدار السنوات الـ15 الماضية».
وأضاف: «على الرغم من أن هناك كثيرين على (تويتر)، فإن غرف الأخبار بدأت في التخلي عنه، بسبب هجمات ماسك المستمرة على الصحافة الحرة، كما غادر المعلنون بسبب عدم اهتمامه بتعديل (خطاب الكراهية)، إلى جانب فرضه رسوماً على توثيق الحسابات، وغيرها من القرارات التي يمكن التغلب عليها لو لم تكن تقترن بسياساته المتقلبة، ما يثير حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل المنصة».
من جانبه، أكد الدكتور حسن عبد الله أن «النهج الذي اتبعه ماسك في إدارة (تويتر) أحبط المستخدمين، ودفع كثيراً من الموظفين إلى ترك الشركة».
ووصف ماسك -في حوار أجراه الشهر الماضي مع «بي بي سي»- عملية الاستحواذ على «تويتر» بأنها «مؤلمة ولكنها حتمية». وقال إن «الإقالة الجماعية للموظفين كانت لإنقاذ المنصة، وإن الأمر كان سيتحول إلى ما يشبه إفلاساً للشركة إذا لم نخفض التكاليف على الفور».
وخلال الفترة الأخيرة برزت تطبيقات متعددة، ظن البعض أنها قد تكون بديلاً للتطبيقات الحالية لكن لم يحدث، وإن حظيت ببعض الشعبية والجماهيرية في بداياتها، مثل تطبيق «كلوب هاوس»، و«تروث سوشيال»، وغيرها.
وقال ديمون كيسو إن «عملية الانتقال من سيطرة تطبيق إلى آخر تستغرق سنوات»؛ مشيراً إلى أن «(ماي سبيس) كانت شبكة اجتماعية ضخمة لمدة 5 أو 6 سنوات، وشهدت تطبيقات مثل (فريند فيد)، و(يك ياك)، و(فين)، و(غوغل بلس) فترات نجاح ونمو، وحالياً يسيطر (فيسبوك) و(تيك توك) في الولايات المتحدة الأميركية؛ لكن بالتأكيد سيتم تجاوز كليهما في النهاية بشيء جديد، وهذا جزء من عملية تطور الأجيال».
ولمح كيسو إلى أنه «ربما لا تكون إعادة إنتاج (تويتر) أمراً ممكناً؛ حيث ارتبط نجاحه بسلسلة من الأحداث والخطط قد لا تتوفر بالشكل نفسه لغيره؛ لكن مفتاح النجاح على (تويتر) كان انفتاحه على السماح للمطورين الخارجيين ببناء تطبيقات وأدوات تتكامل مع الشبكة، وسحر وسهولة الحد الأصلي لعدد الحروف البالغ 140 حرفاً».
بينما قال كانترويتز إنه «في حين أنه يمكن لـ(بلوسكاي) أن يتحدى أو يحل محل (تويتر) بالكامل، فإنه لا ينبغي قياس نجاحه بالأرقام فقط»؛ مشيراً إلى أنه «من الأفضل بناء منافس كبير يخلق حيوية في السوق، ويقلل من التأثيرات السيئة لهيمنة تطبيق معين. التوقعات المصاحبة لظهور تطبيقات جديدة أمر ممتع في كل الأحوال».


مقالات ذات صلة

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ إيلون ماسك رئيس شركة «تسلا» ومنصة «إكس» (أ.ب)

إيلون ماسك يسخر من مسؤول كبير في «الناتو» انتقد إدارته لـ«إكس»

هاجم إيلون ماسك، بعد تعيينه مستشاراً للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مسؤولاً كبيراً في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الملياردير الأميركي إيلون ماسك مالك منصة «إكس» (رويترز)

صحف فرنسية تقاضي «إكس» بتهمة انتهاك مبدأ الحقوق المجاورة

أعلنت صحف فرنسية رفع دعوى قضائية ضد منصة «إكس» بتهمة استخدام المحتوى الخاص بها من دون دفع ثمنه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الملياردير الأميركي إيلون ماسك يتحدث خلال تجمع انتخابي لترمب (أ.ف.ب)

إهانة عبر «إكس»: ماسك يصف المستشار الألماني بـ«الأحمق»... وبرلين ترد بهدوء

وجّه إيلون ماسك إهانة مباشرة للمستشار الألماني أولاف شولتس عبر منصة «إكس»، في وقت تشهد فيه ألمانيا أزمة حكومية.

«الشرق الأوسط» (أوستن (الولايات المتحدة))
العالم الانشغال الزائد بالتكنولوجيا يُبعد الأطفال عن بناء صداقات حقيقية (جامعة كوينزلاند) play-circle 00:32

أستراليا تتجه لحظر «السوشيال ميديا» لمن دون 16 عاماً

تعتزم الحكومة الأسترالية اتخاذ خطوات نحو تقييد وصول الأطفال والمراهقين إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.