ليبيا: 12 عاماً من المعاناة في تفكيك «قنابل الموت»

الأمم المتحدة تخصص أسبوعاً للتوعية بمخاطر الألغام

فريق مختص بإزالة الألغام يُجري عملية مسح بطريق المطار القديم في طرابلس (رئاسة أركان الجيش بغرب ليبيا)
فريق مختص بإزالة الألغام يُجري عملية مسح بطريق المطار القديم في طرابلس (رئاسة أركان الجيش بغرب ليبيا)
TT

ليبيا: 12 عاماً من المعاناة في تفكيك «قنابل الموت»

فريق مختص بإزالة الألغام يُجري عملية مسح بطريق المطار القديم في طرابلس (رئاسة أركان الجيش بغرب ليبيا)
فريق مختص بإزالة الألغام يُجري عملية مسح بطريق المطار القديم في طرابلس (رئاسة أركان الجيش بغرب ليبيا)

فتحت الانشقاقات العسكرية والأمنية التي عايشتها ليبيا، منذ رحيل نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، «بوابة الموت»، وجعلت من مواطنيها خلال الـ12 عاماً الماضية «صيداً» لمخلَّفات الحروب المتنوعة من الألغام و«القنابل الموقوتة» المزروعة بالطرقات والمنازل، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى.
وباستثناء الجهود الأممية وبعض المساعدات الدولية التي خُصصت على مدار السنوات الماضية لمساعدة ليبيا في هذا الملف، لا تزال «قنابل الموت» تؤرق الليبيين، وهو ما يتطلب -حسب الدبلوماسي الليبي مروان أبو سريويل- من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في هذا المجال، مساعدة ليبيا، لخطورته.
ورصدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في تقرير لها مساء الأحد، إزالة «ما يزيد على مليون قطعة من مخلَّفات الحرب في البلاد منذ عام 2011. 82 في المائة منها قذائف، و4 في المائة ذخائر لأسلحة صغيرة».
وتقول البعثة الأممية إنه «على الرغم من الجهود المضنية التي بذلها الشركاء في برامج مكافحة الألغام على مدار العقد الماضي، فإن أكثر من 15 مليون متر مربع لا تزال ملوثة بالذخائر المتفجرة في جميع أنحاء ليبيا».
وترى أن «الاستخدام العشوائي للأسلحة في المناطق الآهلة بالمدنيين خلال النزاعات الأخيرة، يؤشر على أن المناطق الحضرية نفسها لم تعد مستثناة من انتشار المتفجرات من مخلفات الحرب»، كما «تعيق مخلفات النزاع هذه الوصول الآمن إلى التعليم والرعاية الصحية والتنمية، وتتسبب في القتل أو الإصابة بعد فترة طويلة من توقف القتال، مما يشكل تهديداً يومياً للحياة وسبل العيش».
ويضيف الدبلوماسي الليبي أبو سريويل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل حقبة في التاريخ الليبي تترك لنا ألغاماً وذخائر غير متفجرة، ابتداءً من الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن».
واعتبر أن الحل الأمثل للقضاء على هذا الكابوس الذي يهدد الليبيين، يتمثل أولاً في «وقف أي حروب مستقبلية، قد تندلع لا سمح الله، ثم التعامل مع الألغام والذخائر غير المتفجرة عبر التدريب الحقيقي للكوادر الليبية، بجانب الدعم والمساندة الدولية بالخبرة والعنصر البشري المصاحب لهذه الكوادر، وكذلك برامج التوعية المستمرة».
وذهب أبو سريويل إلى أن «التعاون مع ليبيا في هذا الشأن يفتح المجال أمام الشركات الأجنبية للعمل في عملية إعادة الإعمار، وخصوصاً أن بعض المناطق المستهدفة بالإعمار لا تزال تعاني من المتفجرات».
ورأى أن الأهم «حصر هذه الأنواع من الأسلحة، ومعرفة من أين أتت إلى بلادي، وبأي طريقة»، مع التشديد على ضرورة «احترام حقوق الإنسان والأطفال؛ لأنهم -مع الأسف- هم ضحايا حوادث الألغام».
وسجَّل المركز الليبي لمكافحة الألغام وقوع 157 حادثة انفجار لغم وعبوات ناسفة من مايو (أيار) 2020 إلى فبراير (شباط) 2022، في جنوب طرابلس وسرت وبني وليد وترهونة والوشكة ومزدة وبنغازي ودرنة ومصراتة، خلَّفت 126 حالة وفاة و185 جريحاً.
ومن وقت إلى آخر تعلن الأجهزة العسكرية في غرب وشرق ليبيا عن رفع وتدمير عشرات الأطنان من المتفجرات التي يعثر عليها في مناطق كانت مسرحاً لأحداث دامية خلال السنوات الماضية.
وفي مطلع مارس (آذار) الماضي، أعلنت إدارة الهندسة العسكرية بغرب ليبيا، أن الفرق المختصة بأعمال إزالة الألغام أجرت عملية مسح برفقة الطب العسكري، وعثرت بطريق المطار القديم في طرابلس على 4 قنابل طيران نوع «ABK» مزودة بـ42 قنبلة عنقودية، من مخلفات الحروب الميدانية، وقالت إنه تم التعامل مع هذه القنابل وتفجيرها على مرحلتين في المكان نفسه، لخطورتها وصعوبة نقلها.
وخصصت البعثة الأممية هذا الأسبوع للتوعية بمخاطر الألغام في ليبيا، وقالت إنها تستهدف أكبر عدد ممكن بتبصيرهم حول مخاطر الذخائر غير المنفجرة.
وتحت عنوان: «هل تعلم؟» بدأت البعثة في نشر معلومات لدق ناقوس الخطر بشأن هذه المأساة التي لا تزال تحصد أرواح الليبيين. وقال أبو سريويل إنه «خلال عام 2022، أزال الشركاء في ليبيا ما يزيد على 27 ألف ذخيرة متفجرة في مدن طرابلس ومصراتة وبنغازي وسرت»، متابعاً: «لكن ما زالت هناك حاجة للقيام بالمزيد، ومضاعفة الجهود من أجل وضع ليبيا على درب مستقبل أكثر أماناً، وخالٍ من مخاطر المتفجرات».
ونقلت البعثة الأممية تجربة المواطن الليبي خالد الوداوي، وقالت إنه «في صغره رفع مخلفات صاروخ سقط قرب منزله في مصراتة، وأخذه إلى مركز الشرطة بمنطقته، ولم تكن لديه حينها أدنى فكرة عن مدى خطورتها على حياته وحياة غيره».
ورأت البعثة أن الوداوي «كان محظوظاً، إلا أن الحظ لم يحالف غيره، ولذلك ينظر خالد إلى عمله في مجال توعية الأطفال والبالغين بمخاطر الذخائر غير المتفجرة على أنه عمل بالغ الأهمية».
ولفتت النظر إلى أنه «بدعم من دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، أشرف الوداوي وفريقه على جلسات تدريبية موجهة لما يناهز 300 ألف طفل، و125 ألف رجل، و71 ألف امرأة، في جميع أنحاء ليبيا، للتوعية بالمخاطر».
وتابعت: «بعد أن تلقى التدريب في المنظمة الدولية للمعاقين لتوعية الآخرين بشأن المخاطر، عمل الوداوي خلال السبع سنوات الماضية مع دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، على قيادة العمل التوعوي بالمركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب، بصفته رئيس قسم التوعية؛ حيث يركز على توعية أكبر عدد ممكن بشأن مخاطر الذخائر غير المنفجرة».
ونقلت البعثة عن الوداوي: «الحاجة لعملنا أكبر من الموارد المتاحة لدينا، وأيضاً نسمع عن إصابات ونزاعات ولكن كثيراً ما تكون الأسباب غير معروفة بالنسبة لنا. فكل ذخيرة تتطلب مواد توعية مختلفة عما تتطلبه الذخائر الأخرى».
وفي السنوات القليلة الأولى من عمله في المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام، يبين الوداوي أن جُل الحوادث تعزى لذخائر، بينما تندر الحالات التي تعزى للألغام. ولكن بعد النزاع في سرت (وسط ليبيا) في 2016، كان هناك ارتفاع واضح في معدل الإصابات الناجمة عن الألغام.
وترى البعثة أن هذا المعدل انخفض مجدداً، إلا أن الأعمال القتالية الأخيرة في طرابلس شهدت إصابات ناجمة عن الألغام وارتفاعاً في معدل الإصابات الناجمة عن الذخائر.
ويروي الوداوي عن الليالي التي مرت عليه هو وزملاؤه دون أن يغمض لهم جفن، عقب عودة المدنيين إلى مناطق جنوبي طرابلس في 22 مايو 2019، في أعقاب النزاع في شهر أبريل (نيسان) من العام نفسه.
ولم يتمكن الفريق من التحدث إلى ما يقارب 250 ألف مواطن قبيل عودتهم، وخلافاً لنجاح عملهم في السابق في سرت؛ حيث عملوا مع المسؤولين على إغلاق المدينة وتوعية الأهالي. عاد الأهالي إلى طرابلس بينما كانت لا تزال الذخائر تُرمَى في أركانها، الأمر الذي عرض كثيراً منهم للإصابة.
«لم يكن بمقدورنا إيقاف العودة، فالأمر كان يفوق قدرتنا» هكذا قال الوداوي واصفاً هذا اليوم بأسوأ يوم في تاريخ عمله، مضيفاً: «أُلقي اللوم علينا نحن على ضوء تلك الحوادث، في حين لم يكن باستطاعتنا القيام بأي شيء لمنع عودة الأهالي. فليبيا بلد فيه نسبة تلوث كبيرة جداً، وحري بنا ألا نستهين بحجم الخطر».
وحسب البعثة الأممية، قُتل 19 شخصاً خلال العام الماضي، بسبب المتفجرات من مخلفات الحرب في البلاد، من بينهم 14 طفلاً.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.