تمديد هدنة السودان رغم استمرار الاشتباكات وتبادل الاتهامات

السيسي يدعو لامتناع أي «طرف خارجي» عن التدخل في الأزمة

دبابة للجيش السوداني في إحدى نقاط التفتيش بالخرطوم أمس (أ.ف.ب)
دبابة للجيش السوداني في إحدى نقاط التفتيش بالخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

تمديد هدنة السودان رغم استمرار الاشتباكات وتبادل الاتهامات

دبابة للجيش السوداني في إحدى نقاط التفتيش بالخرطوم أمس (أ.ف.ب)
دبابة للجيش السوداني في إحدى نقاط التفتيش بالخرطوم أمس (أ.ف.ب)

أعلن طرفا النزاع في السودان أمس موافقتهما على اتفاق هدنة جديد للأغراض الإنسانية لمدة 72 ساعة إضافية، استجابة لنداءات دولية وإقليمية، على الرغم من استمرار تبادل اتهامات بعضهما البعض بخرق الهدن السابقة، فيما أعلنت سلطات الطيران المدني تمديد إغلاق المجال الجوي باستثناء طائرات الإجلاء والمساعدات.
في غضون ذلك، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى «امتناع أي طرف خارجي» عن التدخل في الأزمة السودانية «باعتبارها شأناً سودانياً خالصاً». وخلال مؤتمر صحافي عقب لقائه رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في القاهرة أمس (الأحد)، قال السيسي إنه تباحث مع ضيفه «بشأن كثير من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك». وأضاف السيسي أن «التطورات في السودان احتلت جانباً مهماً من المباحثات، حيث أكدت لدولة رئيس الوزراء الرؤية المصرية القائمة على ضرورة الوقف الفوري والدائم والشامل لإطلاق النار في السودان، وأهمية امتناع أي طرف خارجي عن التدخل في الأزمة، باعتبارها شأناً سودانياً خالصاً بما يسهل من نزع فتيل الأزمة، ويحول دون تفاقمها».

وفي منتصف أبريل (نيسان)، عرض السيسي، ورئيس جنوب السودان سيلفا كير ميارديت، مبادرة للوساطة بين طرفي النزاع في السودان، ووجّها نداء لـ«الوقف الفوري لإطلاق النار»، مناشدين «الأطراف كافة بالتهدئة، وتغليب صوت الحكمة والحوار السلمي، وإعلاء المصلحة العليا للشعب السوداني»، وجدد وزيرا خارجية البلدين في اتصال هاتفي يوم السبت التأكيد على عملهما لتعزيز جهود وقف إطلاق النار.
ورغم عدد من الهدن، فقد استمرت الاشتباكات بين طرفي النزاع، إذ غرق السودان في الفوضى منذ انفجر في منتصف أبريل الصراع الدامي على السلطة بين قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو الملقّب «حميدتي». وأوقعت الحرب ما لا يقل عن 528 قتيلاً و4599 جريحاً، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة السودانية، لكن يرجح أن تكون الحصيلة أعلى من ذلك. ويتبادل طرفا النزاع الاتهامات بانتهاك الهدنة التي تم تمديدها لمدة 3 أيام بوساطة دولية، فيما وقعت اشتباكات بالقرب من مقر الجيش في الخرطوم، وتعرضت مدينة أم درمان غرب العاصمة لقصف جوي. كما وقع في جنوب الخرطوم قتال عنيف وإطلاق نار كثيف في الشوارع.
نقص الغذاء والخدمات
ومع دخول المعارك أسبوعها الثالث، لا تزال العائلات في العاصمة البالغ عدد سكانها حوالي 8 ملايين نسمة، وضواحيها، تعاني نقص الغذاء والمياه والكهرباء والسيولة النقدية ويقبع كثيرون منهم في المنازل. ونزح عشرات آلاف الأشخاص في الداخل أو إلى البلدان المجاورة، فيما تنظم عدة دول أجنبية وعربية عمليات إجلاء واسعة. كما وصلت إلى مدينة بورتسودان الأحد أول شحنة مساعدات إنسانية من «الصليب الأحمر» جواً، أرسلت من عمّان، وتزن 8 أطنان.
وقال المدير الإقليمي لمنطقة أفريقيا في «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» باتريك يوسف، في مؤتمر صحافي افتراضي، من جنيف: «تمكنا من الطيران إلى بورتسودان من عمان كطاقم طبي مع مستلزمات للتعامل مع جرحى الحرب تكفي لاستقرار 1500 جريح». وأمل يوسف في «الحصول على تصاريح وضمانات أمنية»، مضيفاً: «لدينا طاقم طبي آخر مستعد، ونأمل أيضاً في إرسال مساعدات من نيروبي في الأيام المقبلة». ودعت القوى الدولية والإقليمية إلى وضع حد للعنف المتصاعد بين القائدين العسكريين، لكنهما رفضا المحادثات المباشرة، وتبادلا الاتهامات عبر وسائل الإعلام.
وأعلنت الأمم المتحدة، في بيان، الإبقاء على عدد من موظفيها في السودان. على رأسهم المبعوث الخاص للأمين العام فولكر بيرتس، فيما وصل 700 من موظفيها وموظفي السفارات والمنظمات غير الحكومية إلى ميناء بورتسودان، تمهيداً لإجلائهم. وأفاد البيان بأنه «تم بالفعل إجلاء 43 من موظفي الأمم المتحدة المُعينين دولياً و29 من موظفي المنظمات غير الحكومية الدولية من الجنينة، غرب دارفور، ومدينة زالنجي، وسط دارفور، إلى تشاد المجاورة، وسيبقى عدد بسيط من الموظفين المُعينين دولياً، من ضمنهم الممثل الخاص للأمين العام فولكر بيرتس، في السودان، وسيواصلون العمل من أجل حل الأزمة الحالية».
نزوح كبير
وقالت الأمم المتحدة إن نحو 75 ألف شخص نزحوا داخلياً خلال الأسبوع الأول من القتال، بشكل رئيسي في ولايات الخرطوم الشمالية والنيل الأزرق وشمال كردفان وشمال وغرب وجنوب دارفور. وفرّ أكثر من 30 ألف شخص إلى تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، التي حذرت من وصول عدد الفارين إلى 270 ألف شخص في حال تواصل القتال.
وكانت وزارة الصحة السودانية قالت إن القتال طاول 12 ولاية من أصل 18 في البلاد. وفي غرب دارفور، قتل 96 شخصاً على الأقل منذ الاثنين في مدينة الجنينة، بحسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التي وصفت الوضع بأنه «خطير». وتتزايد أعمال النهب والتدمير وإضرام الحرائق، بما في ذلك داخل مخيمات النازحين، بحسب منظمة «أطباء بلا حدود» التي اضطرت إلى «وقف كل أعمالها تقريباً في غرب دارفور» بسبب العنف، بحسب ما أعلن نائب مدير المنظمة في السودان سيلفان بيرون.
وحذّر بيرون، في بيان، من أن منظمته «قلقة جداً من تأثير أعمال العنف على الذين سبق أن عانوا موجات من العنف». وأشارت وزارة الصحة إلى «تسبب الصراع القبلي المسلح في تدمير مستشفى الجنينة الرئيسي ووزارة الصحة وإتلاف ما بهما من ممتلكات وعربات وأجهزة». ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، القتال في دارفور بأنه «مروع»، وقال إن «المجتمع ينهار، ونرى القبائل تحاول الآن تسليح نفسها».
شهد إقليم دارفور حرباً دامية بدأت في عام 2003 بين نظام الرئيس المعزول عمر البشير ومتمردين مسلحين، ما أسفر عن مقتل 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وأعلن الجيش السوداني، في بيان، أن قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو ينقل قوات «من الغرب إلى العاصمة». ويقول خبراء من مركز «كارنيغي» لدراسات الشرق الأوسط إن دقلو يمكن أن «يحشد القبائل العربية في دارفور وفي أقاليم أخرى».


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مصر والقرن الأفريقي... إثيوبيا «المشكلة الوحيدة» وتمسك بدعم الصومال والسودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
TT

مصر والقرن الأفريقي... إثيوبيا «المشكلة الوحيدة» وتمسك بدعم الصومال والسودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)

زادت وتيرة الحضور المصري في منطقة القرن الأفريقي ودول حوض النيل، إثر تصاعد الخلاف مع إثيوبيا، عقب تحركات من أديس أبابا تجاه مصر والسودان والصومال، بثلاثة ملفات مرتبطة بـ«سد النهضة»، واتفاقية «عنتيبي»، وتوقيع اتفاقية مبدئية تمس سيادة مقديشو.

وفي ضوء ذلك، صارت إثيوبيا «الدولة المشكلة الوحيدة» بأفريقيا أمام القاهرة، وسط مساعٍ مصرية لدعم الصومال والسودان، بحسب تصريحات مصرية رسمية، عدّها خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، «تأكيداً للواقع؛ إثر تحركات عدائية من أديس أبابا» تجاه المصالح المصرية - الصومالية - السودانية، في الملفات الثلاثة، لافتين إلى أن الوجود المصري ضمن مجابهة التهديدات المحتملة عبر مسارات متعددة للتعاون.

وفي مقابلة متلفزة، مساء الجمعة، مع قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، قال وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، إن «هناك ترحيباً قوياً بدعم مصر للعلاقات مع الصومال، ومساعدة الحكومة هناك على بسط سيادتها داخل الأراضي الصومالية، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب»، لافتاً إلى أن «البيان المصري - الصومالي - الإريتري (عقب قمة ثلاثية رئاسية قبل أيام)، كان واضحاً في الترحيب بالمشاركة المصرية في هذه البعثة التابعة للاتحاد الأفريقي، ورداً على المزاعم والأكاذيب التي رددها أحد الأطراف، حينما ادعى أنه ليس هناك ترحيب أو طلب من الحكومة الشرعية»، في إشارة لتصريحات سابقة لـ«الخارجية الإثيوبية».

وجغرافياً تضم منطقة القرن الأفريقي أربع دول، هي «الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا»، ومن زوايا سياسية واقتصادية يمكن أن تتسع لتشمل كينيا وأوغندا والسودان وجنوب السودان، وتعد تاريخياً المنطقة الأكثر استراتيجية في التجارة البحرية العالمية.

ومطلع العام عقدت إثيوبيا مذكرة تفاهم مبدئية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي عن مقديشو، تحصل بموجبها أديس أبابا على مَنفذ بحري على البحر الأحمر، وعَدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية».

وفي أغسطس (آب) وقعت مصر والصومال بروتوكول «تعاون عسكري (دفاعي)»، وإعلان القاهرة استعداد المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية يناير (كانون الثاني) المقبل، فضلاً عن مد مقديشو بصفقة أسلحة، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية»، الشهر الماضي، وهي خطوات مصرية انتقدتها أديس أبابا مراراً، ودعت مقديشو إلى «وقف تحركاتها مع جهات تسعى لاستهداف مصالح إثيوبيا».

الرئيس المصري خلال لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أ حمد في القاهرة عام 2018 (الرئاسة المصرية)

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير صلاح حليمة، يرى أن عقد تلك المذكرة مع إقليم انفصالي جعل من إثيوبيا دولة «تبحث عن المشكلات، وتسعى للسيطرة على مدخل البحر الأحمر بشكل يهدد أمن مصر القومي»، لافتاً إلى أن «تحركات القاهرة مع الصومال مبنية على اتفاقات قانونية رسمية عكس ما تفعله أديس أبابا».

وبحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، «تنطلق مصر من فهمها، وإدراكها لفرائض القانون الدولي، الذي لم يعترف بأرض الصومال بوصفها إقليماً منفصلاً عن السيادة الصومالية، وهي الفرضية ذاتها التي أخطأت تقديراتها إثيوبيا عندما رمت بثقلها لدعم استقلال أرض الصومال لتقوية نفوذها، وإعادة ترسيم التحالفات الدولية في منطقة القرن الأفريقي».

وإزاء ذلك «تتحرك مصر بقوة، ليس فقط في القرن الأفريقي، ولكن أيضاً في حوض النيل الجنوبي، وهناك مبادرات مصرية قوية لإعادة التأكيد على أن مصر تدعم التنمية، والمشروعات المائية لدول حوض النيل، بما في ذلك إقامة السدود طالما أنها توافقية، ولا تسبب الضرر لدولتي المصب مصر والسودان، خلافاً لسردية كاذبة تروجها إحدى الدول»، وفق حديث الوزير بدر عبد العاطي.

ولم يذكر وزير الخارجية والهجرة المصري خلال حديثه المتلفز اسم تلك الدولة، غير أنه عاد وذكر أن مصر «ليس لديها أي مشكلة مع أي من دول حوض النيل، باستثناء دولة واحدة هي إثيوبيا، التي ترفض التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، يضمن تشغيل وملء سد النهضة»، مشيراً إلى أنه «لا يُمكن تحت أي ظرف من الظروف، أو وقت، أن يكون هناك تشكيك في أن مصر يُمكن أن تقبل أن يتم الخصم من حصتها المائية السنوية (55.5 مليار متر مكعب)».

وتضم دول حوض نهر النيل (منبع النهر) بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وجنوب السودان وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلاً عن دولتي المصب «مصر والسودان»، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء «سد النهضة»، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لإلغائها.

ويعارض السودان ومصر الاتفاقية، ويتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدولتي المصب، كما تقرّ نسبة 55.5 مليار متر مكعّب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان، وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يُلحق أضراراً بالأمن المائي، بخلاف اتفاقية «عنتيبي»، التي تُعرف أيضاً بـ«الإطار التعاوني لحوض نهر النيل»، والتي أبرمت عام 2010، ودخلت حيز التنفيذ في 13 أكتوبر (تشرين أول) الحالي، وتستهدف إنهاء الحصص التاريخية لمصر والسودان.

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

وبرأي حليمة، فإن «المواقف الإثيوبية العدائية تتضح أكثر في ملف سد النهضة واتفاقية عنتيبي»، مؤكداً أن الموقف الإثيوبي هو السبب الرئيسي في إحداث أزمة مفتعلة في القرن الأفريقي، ثم بين دول حوض النيل بـ«مساعٍ تهدد الاستقرار».

إصرار إثيوبيا على إحداث «خلخلة» في الاتفاقيات التاريخية لتقسيم مياه النيل، بغية «شرعنة» مشروعها التنموي المتمثل في سد النهضة، هو ما يدفع مصر للوقوف في خط الدفاع عن الاتفاقيات القديمة لتقسيم مياه النيل بين دول الحوض، بحسبان أن «إثيوبيا تسلك الآن طريقاً وعراً، ومهدداً لطبيعة الأمن المائي» لدولتي المصب مصر والسودان، بحسب تقدير عبد الناصر الحاج.

وبعد دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ، لم يعد أمام مصر غير مناهضة الاتفاقية عبر القانون، وكل أشكال الدبلوماسية الممكنة، فضلاً عن اضطرار مصر لدخول حلبة توازنات القوى الإقليمية، وهو ما عبرت عنه القاهرة فعلياً بدعم مقديشو في حقها في الدفاع عن حماية أراضيها، وسيادتها الوطنية، وفق الحاج، الذي أشار إلى أنه لا يزال أمام مصر عدد لا يحصى من الاتجاهات والمسالك، التي يمكن أن ترتادها لتدارك المخاطر الوجودية من فرضية إعادة تقسيم المياه، على نحو لا يراعي تحفظات دولتي المصب تحديداً، و«إنهاء حالة التشرذم والانقسامات التي تسعى لها إثيوبيا بين دول حوض النيل».

وبشأن مستقبل التحرك المصري بأفريقيا، يرى بدر عبد العاطي في المقابلة ذاتها أن «أفريقيا إحدى الدوائر الحيوية للسياسة الخارجية المصرية، وفي أهمية الدائرة العربية نفسها، والتعاون والتطوير ليسا على الإطلاق موجهين ضد أحد، ولا تآمر على أحد، لكن في إطار سياسة رشيدة عاقلة، هدفها تحقيق التنمية لدى أشقائنا الأفارقة وتعزيز العلاقات».