«حي 14 تموز» رواية القصة الشخصية عن بلاد تفقد ذاكرتها

سهيل سامي نادر يستعمل وقائع سيرة ذاتية في بناء عالم متخيل

«حي 14 تموز» رواية القصة الشخصية عن بلاد تفقد ذاكرتها
TT

«حي 14 تموز» رواية القصة الشخصية عن بلاد تفقد ذاكرتها

«حي 14 تموز» رواية القصة الشخصية عن بلاد تفقد ذاكرتها

لا حدود متصوَّرة يمكن أن نقف عندها لنقول هنا تبدأ سيرة المواطن العراقي المعروف باسمه الأدبي «سهيل سامي نادر»، وبين سيرة الشخصية الروائية المتخيلة المسماة «منير فاضل»، ومن خلفه سير فرقة أو مجموعة البؤس والمرح، وخاصة سيرتي صديقيه فالح وصالح في رواية «حي 14 تموز: المدى/ 2023»؛ ففي سيرته السابقة «سوء حظ، ذكريات صحافي في زمن الانقلابات: المدى/2020» حكى لنا الكاتب كيف يتحول «سوء حظ» إلى مجاز «سردي» كلي للحياة في العراق، فيصبح «تميمة» تفرض التعاسة على الجميع، سوى أنه في حالة صاحب السيرة يتحول إلى جحيم شخصي بلا حدود. وسوء الحظ ذاته هو المادة السردية التي أعاد «سهيل سامي» تخيلها ببناء سردي مختلف. هل ثمة الفارق هنا؟ في الحالة الأولى نحن في سياق سيرة ذاتية مصنفة ضمن صيغة «مذكرات» كما كتب الناشر على الغلاف الأول، فيما تضعنا الثانية ضمن سياق فن خالص مصوغ بنص سردي متخيل. والفارق كبير بين الحالتين ولا شك، وليس الكلام هنا عن السياق المختلف بينهما، إنما عن «استعمال» القصة الشخصية «وقائع السيرة الذاتية» في بناء عالم الرواية المتخيل، لا سيّما عندما تتقصّد الرواية «استعمال» وقائع السيرة المنشورة من قبل؛ ربما لأن كاتبها يعتقد بأهمية وقائع سيرته الشخصية، بدلالتها التاريخية، وحتى الشخصية المفارقة، ربما. والكاتب، على أي حال، ليس أول من سلك هذا السبيل في الكتابة، ولن يكون الأخير، قطعا، إنما المفارقة، هنا، أن تكتب «سيرتك» ثم تعود وتكتب «روايتك» باعتماد الوقائع «السيرية» ذاتها وتعيد «تأويلـ»ــها ضمن عالم فني متخيل.

جدل بيزنطي: ما قاله المؤرخ...
ما عاشه الكاتب
لكن للمجاز السردي في الرواية وجه آخر، نعثر عليه في سياق المراهنة على «قدرة» العراقي لنقل جدارته، المختلف عليها، في «إنتاج» رواية عن بلاده، وربما الأحرى: عن نفسه. ثمة جدل «نظري» يرتقي أو يتطور بتقدم أعمار المتجادلين الثلاثة «فالح وصالح ومنير/ الراوي الذاتي»، موضوعه المقارنة، أو المراهنة على إمكانية العراقي على كتابة رواية متميزة. فالح وصالح قرينا بعض، دافعا عن صلاحية المؤرخ، بل وقالا بعجز الشخصية العراقية عن تخيل قصتها وكتابتها، فيما دافع الراوي، منير فاضل، ربما حتى الخاتمة، عن إمكانية كتابة رواية عراقية متميزة. فيما بعد، ومع صعود وترسخ قصة الديكتاتور، بوصفها القصة العراقية الوحيدة المسموح بتداولها في زمن الحرب، صرنا نقرأ اعترافا ضمنيا، ربما، يصدر عن الجنديين التعيسين «المساقين» إلى حرب الديكتاتور الكبرى، بإمكانية صديقهما منير على كتابة رواية عراقية يكونان، هما الاثنان، بطليها المتخيلين. لكن لماذا أصرَّ فالح وصالح على ترجيح «صرامة» المؤرخ على «سيولة» الرواية في سياق الحالة العراقية المنقلبة على نفسها، قبل أن تلقنهما سردية الحياة العراقية الدروس اللازمة؟ لا تبخل جدالات جماعة المرح والبؤس بالإجابة، بل إنها كثيرة ومتداخلة مع بعض، أغلبها يدور حول أهميتهم بصفتهم «مجموعة وليس جماعة: ربما لأن الجماعة تتضمن اتهاما سياسيا قبل أن تكون مشكلة ثقافية ذات مضمون لا جدال فيه!» تبحث عمن يؤرخ لها، فتختار منير فاضل، راوي حكاياتهم لاحقا، وهو المختص، في الوقت ذاته، بالتاريخ. أهم الإجابات تركز على زئبقية العراقي؛ فهو «كائن متزحلق»، ينقلب على نفسه وخياراته المصيرية وهو، من ثمَّ، بحاجة لعلوم التاريخ أكثر من سرديات المثقفين النرجسيين المتمثلة بالرواية التي ربما لا تتفهم «انقلابية» العراقي ولا تتمكن من السيطرة عليها كما يفعل التاريخ. لأجل هذا، ربما، يقرر كاتب المخطوطة، الذي لا نعرف عنه سوى أن اسمه «أنور»، وهو صديق لشقيق «الناشر»، أن يُقسم الرواية على قسمين. قسم أول ينتهي بـ«سوق» أصدقاء المرح والبؤس إلى جبهات القتال. وقسم ثانٍ نشهد فيه تحقق الانقلابات الكبرى على مستوى المصائر والحكايات.
في القسم الأول نشهد تنامي التحفظ الشخصي لـ«راوي» الجماعة، ولأعضاء المجموعة الآخرين، من حالهم ابتداء، بالسخرية المباشرة أو بالكتابات المنفلتة عن أي تصنيف «كتابي». نفتتح القسم بصفة «البؤساء»، وأيضا بالتشديد على الصفة المكانية المتعالية لحي «14 تموز»، ولمنطق المراقبة والرصد باختيار الغرف العلية، ليس فقط للتلصص على الشارع والحي والذات المضطربة، إنما، كذلك، لمنح المكان فرصة أخرى للتعبير عن جماعة البؤس والمرح بتوصيف علاقتهم بالواقع بالتعالي. وللمكان معانٍ أخرى تندمج مع البعد الرمزي للعنوان. في الطليعة منها، أن الرواية تختار عنوانا يحيل إلى مكان واقعي ذي أبعاد رمزية تتقصَّدها الرواية؛ فالحي المقصود يقع على خارطة بغداد قريبا من قناة الجيش التي تنتهي بها حدود العاصمة؛ بعدها تبدأ الأكواخ وبيوت الصفيح في شرق، وتلك الأنحاء منحت سردية «14 تموز» دلالاتها التاريخية الفائضة عن أي استعمال. لكن الرواية لا تتورط بإشارات نوعية ضد فئة أو مجموعات رئيسية تسكن هناك، مثلما فعلت روايات عراقية «رائدة» غمزت كثيرا من قناة الوافدين للعاصمة. كما أنها لا تترصّد الزمن الجمهوري بالضد من غريمه الملكي، رغم أنها تقدم حالة «14 تموز» دليلا أخيرا على تحولات المعاني وتقلبها في قصة العراقي. هي تبدأ، حتما، من المآل الأخير، من نهاية القصة، بالضبط من لحظة صعود الديكتاتور نهاية سبعينات القرن الماضي. تلك اللحظة المحتومة مناسبة كثيرا لأن تبدأ بها الرواية، وهي ذاتها لحظة ما بعد 14 تموز بكل أبعادها الرمزية والواقعية، بل هي خلاصتها التاريخية، مثلما هي لحظة ضيق المكان وتهافته حتى أنه لا يتسع لغرفة صغيرة يكتب فيها منير روايته!

شهادة الناجي الأخير:
أي قصة انتهت... أي قصة ابتدأت؟
لا تشبه رواية الحرب العراقية المكتوبة بعيدا عن مقاسات حرب «الرئيس القائد» أي رواية أخرى سوى رواية الديكتاتور المناقضة كليا لها، والممتدة بألف صلة لها، مما لم يكتبها عراقي شهد سردية الحرب ووقائعها؛ فهي أقرب إلى إنجاز الحكاية وتجريبها منها إلى ملاحقة حكايات جماعة البؤس والمرح شبه المكتملة. فالروايتان تستخدمان اللغة ذاتها بتوصيفات متعارضة، وهما تطوران شخصيات وحبكات متماثلة ذات أهداف تنقلب ضد بعض. أتصور أن «أنور»، كاتب المخطوطة، قد فكر بهذا الأمر، بل إني قد أزعم أنه دُفع إليه دفعا، وهو يُقسِّم «روايتـ»ـه على قسمين. قسم اكتمل عنده، وقد سلَّمه للناشر. وقسم ثانٍ لم يكتمل، وقد اختص بالحرب ووقائعها. لكن «أنور» مثل «منير»، وربما مثل سهيل سامي نادر، لم يذهب للحرب، إنما تفضَّلت عليه الحرب وجاءته للبيت وسكنت معه في غرفته العلية. وليست مقاصد الحكاية كلها هنا؛ لأن الحرب لم تكن هي الحكاية برمتها، أو بتفاصيلها المبعثرة الكثيرة كما جثث ضحاياها، مثلما أن «أنور» أو «سهيل» لم يكونا مشغولين بقصة «الديكتاتور» بمفردها بعيدا عن إشكالية المكان وصياغاته الرمزية، كانت الحكاية لديهما هي عالم «14 تموز» بأبعاده الرمزية ووقائعه المختلفة. وقد تبدو هذه الوقائع، أحيانا، جاهزة ذات صياغات كلية مكتملة حتى قبل أن تصدم بها جماعة البؤس والمرح أو تعيشها بصفة أنها قصص شخصية. لنأخذ، مثلا، واقعة الريبة المتنامية، غير المسوَّغة، ربما، من عوالم الحي وبغداد ومن السلطة ولا شك. ثمة صياغات «سردية» تتبناها الشخصيات، وخاصة الراوي وصديقيه، لا تنسجم مع ذواتهم المحتدمة في سياق سيرهم المتماثلة أو المتعارضة في الحي أو غرفها العلية. ولعل هذا التنافر الظاهري يفسره منطق السرد التذكري الطامح لكتابة «شهادة» أخيرة عن زمن «14 تموز». لكن السرد يتخذ طابعا شخصيا بسوق الأصدقاء للحرب، فتتصدر وقائع القصة الشخصية من أحداث ومونولوجات، فنرى الأفعال تُنجز أمامنا ممهورة بالطابع الشخصي للراوي. تترك الحرب الراوي وحيدا مع ذاته وعوقه وتلصصه على حيه وشارعه وعلى ذاته المحتدمة.
لكن صاحب رواية «التل» يعرف جيدا أن للحرب سرديتها النافرة؛ مثلما أن الحرب ذاتها تدرك جيدا حدود مهمتها بصفتها صانعة المصائر التعيسة. ولا تعاسة تعادل أن تكون شاهدا على نصوص شكَّلتها ضغوطات قاهرة كثيرة، ليس آخرها أن تكون الكتابة ذاتها هي إحدى الخلاصات الكبرى لمقاومة النسيان في مجتمع فقد ذاكرته وحكاياته جراء الحرب والديكتاتورية وموت الأمل. وهذا شأن شهادة فالح، مثلا، قبل موته، على ما حصل مع صديقهما صالح. وهو ذاته شأن الرواية؛ أن تكون «كتابة ضد كتابة. منير ضد زبيبة. صالح ضد إبراهيم. فالح ضد العالم... ص 166». حقا؛ ليس هناك شهادة تحصَّل عليها الراوي تمثله شخصيا، كما تمثِّل صديقه «المنتحر» صالح، أكثر من شهادة فالح عن الحرب والصديق المنتحر، كما تصر على ذلك السلطة على توصيف موته، وعلى حياة مشتركة جمعتهم ثم انقرضت إلى الأبد.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.