تصاعد الجدل في الكونغرس مع تزايد إعلانات التأييد والمعارضة للاتفاق النووي

نائب ديمقراطي يطالب بتفويض لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران

السيناتور الجمهوري بالكونغرس ماركو روبيو يتحدث أمام لجنة الشؤون الخارجية في هجوم لحملة الرئيس باراك أوباما الهادفة لدعم الاتفاق النووي في نيويورك أمس (أ.ف.ب)
السيناتور الجمهوري بالكونغرس ماركو روبيو يتحدث أمام لجنة الشؤون الخارجية في هجوم لحملة الرئيس باراك أوباما الهادفة لدعم الاتفاق النووي في نيويورك أمس (أ.ف.ب)
TT

تصاعد الجدل في الكونغرس مع تزايد إعلانات التأييد والمعارضة للاتفاق النووي

السيناتور الجمهوري بالكونغرس ماركو روبيو يتحدث أمام لجنة الشؤون الخارجية في هجوم لحملة الرئيس باراك أوباما الهادفة لدعم الاتفاق النووي في نيويورك أمس (أ.ف.ب)
السيناتور الجمهوري بالكونغرس ماركو روبيو يتحدث أمام لجنة الشؤون الخارجية في هجوم لحملة الرئيس باراك أوباما الهادفة لدعم الاتفاق النووي في نيويورك أمس (أ.ف.ب)

مع تزايد إعلانات أعضاء الكونغرس الأميركي مواقفهم ما بين مؤيد ومعارض للاتفاق النووي مع إيران، بدا واضحا أن الأسابيع المقبلة ستشهد معركة سياسية حامية باشتعال معركة لحشد الأصوات المؤيدة ومعركة أخرى لحشد الأصوات المعارضة داخل الكونغرس. ويتزايد اشتعال الجدل السياسي بتزايد إعلان مواقف سياسية لكبار الشخصيات سواء من العسكريين أو السياسيين ذوي الشأن والنفوذ في المجتمع الأميركي.
وتحشد إدارة الرئيس أوباما كل أدواتها للتأثير وحشد الأصوات المؤيدة للاتفاق وإقناع الرافضين للاتفاق بمزاياه. فيما يعد اللوبي المؤيد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة من أكبر المعارضين للاتفاق النووي مع إيران.
لكن يظل الانقسام داخل الحزب الديمقراطي يثير الكثير من المخاوف والقلق بمعارضة أعضاء بارزين في الحزب للاتفاق واتخاذ مواقف معارضة للبيت الأبيض وإدارة الرئيس أوباما.
وقد أعلن النائب الديمقراطي عن ولاية فلوريدا السي هاستينج أنه سيعارض الاتفاق وعبر عن موقفه في بيان أشار فيه إلى قلقه من تخفيف العقوبات على إيران وقال: «العقوبات هي التي جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات وعلينا ألا نتخلى عن نفوذنا ويجب علينا الحفاظ على نظام العقوبات القوي».
ويخطط هاستينج عند عودة الكونغرس من إجازته السنوية في 8 سبتمبر (أيلول)، لتقديم مشروع لتفويض يسمح للولايات المتحدة بخوض الحرب ضد إيران لمنعها من الحصول على أسلحة نووية وشدد هاستينج على ضرورة رسم مسار لاستخدام القوة العسكرية بغض النظر عن الطريق الذي سيسلكه الكونغرس بتأييد أو رفض الاتفاق النووي مع إيران.
ومن المتوقع أن يصوت عدد كبير من الجمهوريين ضد الاتفاق بينما يصوت الديمقراطيون لصالح الاتفاق رغم إعلان بعضهم رفض الاتفاق (وصل عدد الديمقراطيين في مجلس الشيوخ المعارضين للاتفاق إلى 11 سيناتورا)، لذا فإن فرص الرئيس أوباما هي كسب أصوات 13 سيناتورا في مجلس الشيوخ و44 نائبا في مجلس النواب من الديمقراطيين وإقناعهم بعدم رفض الاتفاق. (وهناك حتى الآن دعم قوي لتأييد الاتفاق من 146 عضوا من النواب الديمقراطيين، من أبرزهم النائب عن ولاية كونيتيكت جيم هايمس والنائبة عن ولاية ماساتشوستس كاثرين كلارك).
وأعلن السيناتور الديمقراطي آل فرانكلين مساندته للصفقة، وقال السيناتور اليهودي إنه درس قراره بعمق وناقش بنود الاتفاق مع عدد كبير من ممثلي الجانبين، وكتب السيناتور فرانكلين في بيان: «إنه ليس اتفاقا مثاليا، لكنه في رأيي أكثر فاعلية وواقعية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي في أي وقت خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة».
وأعلن السيناتور الديمقراطي عن ولاية مونتانا جون تستر أيضا مساندته للاتفاق وهو يرأس لجنة جملة مجلس الشيوخ الديمقراطية مما يشير إلى أنه مرتاح لقدرة كسب الكثير من الأصوات لدعم الاتفاق. وبإعلان كل من فرانكلين وليستر دعمهما للاتفاق، يصبح إجمالي عدد أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين المؤيدين للصفقة 19 عضوا ويأمل البيت الأبيض حشد المزيد من الديمقراطيين لمنع الجمهوريين من الوصول إلى 60 صوتا داخل مجلس الشيوخ مما يمكنهم من رفض الاتفاق.
وأعلن رئيس بلدية شيكاغو رام إيمانويل تأييده للصفقة ويملك إيمانويل الذي عمل رئيسا لموظفي البيت الأبيض خلال الولاية الأولى للرئيس أوباما - يملك نفوذا قويا في الأوساط اليهودية، وقال إيمانويل في تصريحات لصحيفة «هافنغتون بوست»: «أود أن أقول إن هذا الاتفاق جيد وهو أفضل من الخيار العسكري وأفضل من خيار العقوبات».
في المقابل، يظل السيناتور الديمقراطي تشاك شومر هو أبرز المعارضين للاتفاق من معسكر الحزب الديمقراطي. وفضل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السيناتور هاري ريد عدم الإفصاح عن موقفه، مشيرا إلى أنه سوف يتخذ قراره عندما يكون جاهزا وأنه في المرحلة الحالية لا يزال في نقاشات مع أصدقاء وخبراء حول تفاصيل الاتفاق. ومثله أعلن السيناتور الديمقراطي بن كاردين العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ أنه سينتظر إلى ما بعد عودة الكونغرس من إجازته للإعلان عن موقفه.
من جانب آخر، قال زعيم الأغلبية في مجلس النواب كيفين مكارثي في تصريحات مساء الخميس، إن الجمهوريين لديهم موقف قوي وضمانات لحشد ما يكفي من الأصوات لتجاوز الفيتو الرئاسي لرفض الاتفاق النووي الإيراني. وأشار إلى أن البيت الأبيض يعتمد على مساندة ما يقرب من ثلث أعضاء الكونغرس فقط وهو عدد قليل، وقال: «الرئيس يراهن على تأييد من ثلث أعضاء الكونغرس ولا يمكن تمرير اتفاق بأقلية بينما الأغلبية تعارضه». وتوقع أن تحتل قضية الاتفاق النووي مع إيران جانبا كبيرا من نقاشات المرشحين للسباق الرئاسي 2016.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.