«هذا الشبل من ذاك الأسد»، قول ينطبق على تمارا حاوي ابنة الممثلة رندة كعدي. فهي من يقف وراءها لتجسيد كل شخصية تلعبها بإتقان ودقة. هي ممثلة ومدربة تمثيل، تبحث عن التفاصيل الدقيقة، وترسم خلفية للدور ومن ثم تزيد من بريقه بإكسسوارات وأدوات اللعبة. أخيراً، ذاع صيت تمارا بعد أن نجحت بإلباس والدتها شخصيات مختلفة. فكانت من رسم لها خطوط «أم الديب» في مسلسل «2020» و«حنان» في «للموت»، وأبهرت المشاهد في «راحوا» عندما قدمت رندة كعدي الشريرة ضمن شخصية «سمية».
القصة بين الأم وابنتها، بدأت بعيد عمل مسرحي، فتمارا التي درست التمثيل في الجامعة، لم تتوانَ عن التعاون معها في مسرحية ضمن شهادة الماستر «إعداد ممثل» التي تحضّر لها. «لقد وثقت بي منذ اللحظة الأولى، وكانت المسرحية أولى تجاربنا معاً، فتناغمنا بسرعة وجمعتنا المدرسة الواقعية التي تتقنها، مع أساليب مدارس مختلفة تعلمتها».
عندما تتحدث تمارا عن رندة الممثلة تلمس إعجابها الكبير بها. فهي تصفها بعين المدرب الذي اكتشف جوهرة تمثيل قولبتها بطريقة علمية حديثة. فمهنة «مدرب التمثيل» (acting coach) لم تكن رائجة في لبنان من قبل. وكانت كعدي طيلة مشوارها التمثيلي وعمره نحو 40 عاماً، تتكل على موهبتها وما تعلمته في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية. «شعرت بأنه آن الوقت كي نتعاون معاً في أعمال الدراما. ومنذ 5 سنوات حتى اليوم نقوم بذلك على أكمل وجه».
برأي تمارا، أن والدتها لا تملك «إيغو» (أنانية) الفنان عامة. وتضيف: «يلقبونها بـ(القديرة) ولكنني أراها ممثلة من رأسها حتى أخمص قدميها. فهي تصغي للآخر وتستمع للنصيحة وتقتنع وتنفذ. ومن الجميل أن يحضر هذا التعاون بين المدرب والممثل. فتبادل الآراء لهو أمر يثري الدور سيما أنني أملك عيناً ثاقبة تراقب أدق التفاصيل، تلتقط بسرعة الصح من الخطأ. ورندة في المقابل تثق بقدرتي هذه وتتحمس للدور إلى أقصى حد».
تخبر تمارا «الشرق الأوسط» عن كواليس شخصيات مشهورة لعبتها رندة كعدي. كيف بنت لها وكيف تخيلتها وعملت على تنفيذها. «في شخصية حنان التي لعبتها في مسلسل (للموت) وفي الجزء الثاني من العمل قررت كسر العقلانية عندها. يومها تطلب أحد المشاهد أن تشعر بالنشوة إثر تناولها نوع مخدرات بالغلط. وكان المطلوب منها في النص أن تخرج عن طورها. ورأيت أن تتخلى عن هدوئها وعقلانيتها فتصبح تصرفاتها أكثر جنوناً. وبدل أن ترقص على أنغام أغنية عربية كانت معدة لها، اخترت أخرى أجنبية (I feel good) الصاخبة. وبالفعل كسرنا هذه النمطية بشخصية حنان. ورحنا في الحقيقة نقفز ونرقص أثناء التدريب، فوُلد مشهد أثّر في المشاهد».
تطل رندة كعدي في فيلم «هردبشت» ضمن شخصية «أم حسين»، فتتحدث بلكنة تتمحور بين منطقتي الضاحية والجنوب. فكانت بمثابة أول امتحان يواجههما في هذه الشخصية. «عرفت بسرعة إلى من ألجأ كي تتقن رندة كعدي لهجة تتحدث بها لأول مرة. جلسنا لساعات طويلة مع والدة مخرج الفيلم محمد الدايخ كونها ابنة الجنوب ومن سكان الضاحية».
كانت الحاجة «أم محمد» تقرأ لرندة دورها وتعيده على مسمعها. فتضبط لها مخارج الحروف باللهجة المطلوبة. «وخلال تعلمها اللهجة كنت أرسم لها خطوط شخصية (أم حسين) في ذهني».
بالفعل برعت رندة بهذا الدور الذي لم يسبق أن قدمت شبيهاً له من قبل. فولادة شخصية «أم حسين» نبعت من رحم واقع تولت إدارته تمارا مع والدة المخرج وجدّته معاً.
تؤكد حاوي أن أي دور تمثيلي يجب البدء بالتحضير له من خطوط الشخصية التي يصورها. «يجب الاطلاع على جوهر الشخصية ومن ثم وضع الإكسسوارات التي تصقله. فلكل شخصية أسلوبها وتصرفاتها، أما الأدوات التي تكملها فتأتي تباعاً».
وبحسب تمارا، فإنها بصفتها مدربة تمثيل تعمل على كل تفصيل صغير بالشخصية. «أقلب طبقاته وأبنيها بتأنٍ وأحياناً أرسم لها تاريخاً معيناً لا يتوفر في النص. فهو يسهل مهمة الممثل كي يعرف كيف يتعامل مع الدور بواقعية فيبرر سمات الشخصية».
قد تكون نسيت تمارا نفسها وموهبتها وهي تغرق في اكتشاف موهبة والدتها. فقلبت بذلك القاعدة العامة في العلاقة بين الأهل والبنين. وباتت هي الأم الداعمة لابنتها بصورة تلقائية. فأين هي من التمثيل؟ ترد لـ«الشرق الأوسط»: «أحاول أن أختبر نفسي أكثر فأكثر في مجالات عدة قبل خوض تجارب درامية تلفزيونية. عملت في السينما ضمن أفلام لطلاب جامعيين، شاركت أعمالهم في مهرجانات عالمية. ومن بينها (حمرا لا بدارو) الذي شارك في مهرجانات لوس أنجليس وقريباً يقدم في مهرجان (كان) السينمائي. كما عملت في فيلم طويل من إخراج أشرف مطاوع عنوانه المبدئي (قبل ما يوصلوا). وكانت تجربة رائعة إذ عزلت نفسي في منطقة الشوف، حيث دار التصوير لشهرين متتاليين، فعشت شخصية رنا التي أجسدها بعمق، وأنتظر بفارغ الصبر خروج الفيلم إلى النور».
شاركت تمارا في مسلسل «لا حكم عليه» وعملت في مجال المسرح، حيث الفضاء الأوسع للممثل كما تقول. «التلفزيون من شأنه أن يحد من موهبته ويضيّق عليه لأن مساحته أصغر. وفي أواخر هذا العام أحضّر لعملين مسرحيين سأتحدث عنهما في الوقت المناسب».
من أصعب الشخصيات التي حضرتها لوالدتها كانت «سمية» في مسلسل «راحوا». «يومها تشاورت مع المخرج واقترحت تغيير شكلها الخارجي تماماً بما يتطابق مع قساوة الشخصية التي تلعبها. فجاءت عكس ما سبق وقدمته بشخصيتي (أم الديب) في (2020) و(حنان) في (للموت)».
وعن الدور الذي تطمح لرؤية رندة كعدي تجسده أمام الكاميرا أو على المسرح تقول: «قلة من الناس على علم بموهبة رندة كعدي في الرقص الشرقي. وأطمح لرؤيتها تجسد شخصية راقصة شرقية، كصاحبة فندق يعمل معها فريق من الصبايا لأنها ستبرع بها من دون شك. فهي تملك الإحساس والليونة ولغة الجسد المطلوبة في هذا الفن. وفي السهرات العائلية عندما تقدم وصلة راقصة، أحدث نفسي بأنه لا بد من فرصة تسهم في الكشف عن موهبتها هذه».
ينقسم تفكير تمارا حاوي إلى جزأين عندما تتابع عملاً ما لوالدتها رندة. «مرات أتفاجأ بأدائها تماماً كأي مشاهد عادي رغم أنني أقف وراء أصغر تفاصيل شخصياتها الفنية. ولكن وبما أنني أملك هذه العين المراقبة لا يمكنني أن أغض النظر وأتابع بحماس. فحس المراقبة موجود عندي يسكنني ولا يفارقني. فهو معي دائماً حتى عندما أسير على الطريق بين الناس أو عندما أقوم بأي عمل يومي. هنا ينقسم عقلي إلى جزأين متراوحاً بين المدربة والمشاهدة. وأفرح عندما تتلقى رندة اتصالات التهنئة على دور أجادته وأبدعت فيه».
ولتمارا رأيها الخاص في حقن البوتوكس والفيلر وعمليات التجميل. «لست ضدها أبداً في حال كانت تريح صاحبها وتزيده ثقة بالنفس. ولكني لا أحب المبالغة خصوصاً عند الممثل، لأنها تفقده تعابير وملامح مطلوبة منه. فإظهار الإحساس عند الممثل من خلال هذه التعابير أمر ضروري. وبرأيي هناك نجوم عدة اشتهروا بفضل بصمة تركوها عند الناس تأتي من أنف أو شفاه وعيون لم تخضع لمبضع جراح التجميل، فانعكست جمالاً على صاحبها رغم تصنيفهم (مش حلوين)».