«سانا»... أول مذيعة «ذكاء صناعي» هندية

في نقلة تقنية وإعلامية مهمة

«سانا» في لقطة برفقة صحافي محترف (شبكة «إنديا توداي»)
«سانا» في لقطة برفقة صحافي محترف (شبكة «إنديا توداي»)
TT

«سانا»... أول مذيعة «ذكاء صناعي» هندية

«سانا» في لقطة برفقة صحافي محترف (شبكة «إنديا توداي»)
«سانا» في لقطة برفقة صحافي محترف (شبكة «إنديا توداي»)

كشفت شبكة التلفزيون الهندية «إنديا توداي» النقاب أخيراً عن «سانا»، التي غدت أول مذيعة أخبار قائمة على الذكاء الصناعي في الهند. وفي حفل إطلاقها، أظهرت مذيعة الذكاء الصناعي مهاراتها اللغوية واستقبلت الضيوف بثلاث لغات، بما في ذلك الغُجراتية.
نظم الحدث بحضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي - وهو من ولاية غجرات - وعدد من الشخصيات رفيعة المستوى. وخلال الحدث، قدّمت «سانا» نفسها لرئيس الوزراء الهندي، وأعربت عن رغبتها في إجراء مقابلة حصرية معه في المستقبل القريب. كذلك ذكرت «سانا» أن «خبراتها العملية قد بدأت»، وأنها ستسعى جاهدة بحلول عام 2024 لتصبح أفضل صحافية في البلاد.
جدير بالذكر أن «سانا» ظهرت لأول مرة على قناة «آج تاك» الإخبارية جنباً إلى جنب مع الصحافي سودهير تشودري في برنامج «بلاك آند وايت». وقدّم تشودري شخصيات الذكاء الصناعي إلى جمهور العرض قائلاً: «سانا معي الآن لأول مرة وستعرض الأخبار». وبعد فترة وجيزة تولّت مذيعة الذكاء الصناعي تقديم الحدث حتى نهايته. من مظهرها الخارجي، لا يمكن لأحد ملاحظة حقيقة أن «سانا» شخصية غير حقيقية، ويرجع ذلك إلى مظهرها ولغة جسدها اللذين تستطيع السيطرة عليهما تماماً. وفي ظهور آخر على الشاشة، لعبت مذيعة أخبار الذكاء الصناعي دور مراسل الطقس. وهنا بدأت في التكلم باللغة الإنجليزية التي بدت «ميكانيكية للغاية»، وكافحت لتضفي قدراً من الحيوية والإحساس بدلاً من الاكتفاء بنطق بيانات إحصائية.
ووفق المجموعة الإعلامية «إنديا توداي»، من المقرّر أن تتولّى «سانا» تحديث نشرة الأخبار عدة مرات في اليوم بلغات متعدّدة، وهي ستقدم أيضاً عرضاً يومياً تتفاعل من خلاله مع الجمهور. وهنا، نذكر أنه خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ظهرت أول مذيعة أخبار للذكاء الصناعي في الصين لأول مرة، كذلك انضم مذيع الذكاء الصناعي المسمّى «رن شياورونغ» إلى وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» التي تديرها الدولة. وتقدم مذيعة أخبار الذكاء الصناعي الناطقة باللغة الإنجليزية الأخبار على مدار 24 ساعة، 365 يوماً في السنة.

«سانا» في لقطة بمفردها (شبكة «إنديا توداي»)

- ما هو الذكاء الصناعي؟
ينظر إلى الذكاء الصناعي على نطاق واسع باعتباره عصر الحوسبة الثالث، الذي يعرف عالمياً بأنه قدرة الآلة على تقديم عمليات معرفية مماثلة لتلك التي يؤديها البشر. وتشمل هذه الوظائف: الإدراك، والتعلم، والتفكير، وحل النزاعات، والتفكير التحليلي، وعمل التنبؤات. وتستفيد جميع الصناعات والقطاعات الآن تقريباً من قدرات الذكاء الصناعي، نظراً لأنه يعمل على تبسيط تعقيدات الأعمال، ويكتشف الاحتيال، ويعزّز إنتاجية المزارع، ويراقب سلاسل التوريد، ويوصي بالمنتجات، ويساعد حتى المطوّرين والكتّاب. كذلك يمكن للذكاء الصناعي الآن التوقّع واقتراح مستويات التوظيف، بالإضافة إلى التنبؤ بالحالة العاطفية والسلوك العاطفي للموظف لمساعدة الشركات في توقع حلول ملائمة. وبالمثل، يمكن أن يوفّر تحليل الفيديو القائم على الذكاء الصناعي رؤى مفيدة أثناء مراقبة جميع معايير البيع بالتجزئة، مثل اكتشاف الأشياء وتحليل مناطق الزحام وتحليلات حركة الناس في المتاجر واكتشاف العنف قبل حدوثه.
ومن المتوقع أن يضيف الذكاء الصناعي ما يقدّر بـ967 مليار دولار أميركي إلى الاقتصاد الهندي بحلول عام 2035، ونحو 450 أو 500 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول عام 2025، وهو ما يمثل 10 بالمائة من المستهدف للبلاد البالغ 5 تريليونات دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتقرير موقع «تيم ليز». ويشير التقرير إلى أن الإيرادات الناتجة عن الذكاء الصناعي في الهند بلغت 12.3 مليار دولار في عام 2022، وأنه من المتوقع أن ينمو قطاع برمجيات الذكاء الصناعي بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 18 بالمائة في البلاد بحلول نهاية عام 2025.
وفيما يخصّ الاستثمار، ارتفعت الاستثمارات العالمية في الذكاء الصناعي إلى مستوى قياسي بلغ 77.5 مليار دولار في عام 2021، مقارنة بنحو 36 مليار دولار في عام 2020. وبلغت حصة الهند من الاستثمار العالمي في الذكاء الصناعي في عام 2022 ما نسبته 1.5 بالمائة. كذلك ذكرت نتائج التقرير أن الهند تملك نحو 45 ألف فرصة عمل في الذكاء الصناعي، بدءاً من فبراير (شباط) 2023. ويُعَد علماء البيانات (المعطيات) ومهندسو التعلم الآلي من بين المهن المطلوبة في الذكاء الصناعي بالهند. ووفقاً لتقرير «تيم ليز»، تُعد الهند اليوم ثالث أكبر مساهم في مجموعة مواهب الذكاء الصناعي، إذ إنها أنتجت وحدها نحو 400 ألف قاعدة مواهب ذكاء صناعي، أي ما يعادل 16 بالمائة من مجموع المواهب العالمية في مجال الذكاء الصناعي.

- بنغالور وحيدر آباد
أما على صعيد أفضل المدن الناشئة التي تتمتع بمجموعة مواهب في مجال الذكاء الصناعي، فقد احتلت بنغالور (جنوب الهند) المرتبة الخامسة على مستوى العالم، وفقاً لدراسة تستند إلى تنوّع المواهب والاستثمار وتطور المؤسسات الرقمية في الهند. واحتلت العاصمة نيودلهي المرتبة الثامنة عشرة، تليها حيدر آباد (في جنوب البلاد) في المرتبة التاسعة عشرة، وجاءت مومباي في المرتبة السابعة والعشرين.
ومن ناحية أخرى، أفاد تقرير بحثي آخر بأنه من المتوقع أن تنمو سوق الذكاء الصناعي في الهند، لتصبح ثاني أسرع معدل عالمي بنسبة 20 بالمائة بين الاقتصادات الكبرى على مدى السنوات الخمس المقبلة، بعد الصين. وتحت عنوان «من الضجيج إلى الواقع»، ذكر التقرير أن «الوتيرة المتسارعة للذكاء الصناعي في الهند تحققت بعد إجراء بحث على 343 مؤسسة ومنظمة نفذت الذكاء الصناعي، و148 مزوداً ومشغلاً تقنياً يقدمون حلول الذكاء الصناعي». وخلص إلى أن «التوجه لتبني الذكاء الصناعي بلغ ذروته في قطاعات مثل الاتصالات، والألعاب، والتكنولوجيا والخدمات المالية». وأردف أن ما يقرب من 64 بالمائة من مقدمي الخدمات لديهم ذكاء صناعي أو تعلم آلي كعنصر أساسي في منتجاتهم وخدماتهم، مما يجعلهم «إما متقدمين أو على قدم المساواة مع نظرائهم العالميين».
في هذا السياق، صرح سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، الشركة التي أنشأت روبوت الدردشة الشهير بالذكاء الصناعي، قائلاً إن «الهند دولة متنوعة جغرافياً ولغوياً واجتماعياً واقتصادياً، وهو ما يوفر فرصة كبيرة أمام الذكاء الصناعي لسد الفجوة الرقمية وخلق مجتمع شامل. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، رسّخت الهند موقعها مركزاً للذكاء الصناعي من خلال تعزيز الشركات الناشئة ذات التكنولوجيا العميقة، وتعزيز البحث الأكاديمي، وتمكين التحول الرقمي في جميع القطاعات الرئيسية. ولأنها تمثل قوة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وأيضاً لكونها ثاني أكبر سوق على الإنترنت في العالم، تتمتع الهند حالياً ببيئة مؤاتية لازدهار الذكاء الصناعي». وفي الوقت ذاته، فإن إضفاء الطابع «الديمقراطي» على هذه التكنولوجيا في البلاد يتسم بوضع مختلف عن بقية العالم بسبب تنوّع سكان الهند، ووفرة البيانات، وقابلية التوسع في حالات الاستخدام.
ما يستحق الإشارة هنا، أن ساتيا ناديلا، رئيس مجلس إدارة «مايكروسوفت» والرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، قال في وقت مبكر من العام الحالي، إن الهند ستقود استخدام الذكاء الصناعي لحل المشاكل الحقيقية. وتابع ناديلا أثناء إلقائه كلمته أمام تجمع لكبار المديرين التنفيذيين بالهند ضمن فعاليات قمة «مايكروسوفت للقيادة الجاهزة للمستقبل» في مومباي، قائلاً إن «الهند تتولى القيادة عندما يتعلق الأمر بالسلع العامة الرقمية. وهي تحتل القمة في النهج الذي تبني به بنيتها التحتية الرقمية».
وعرض ناديلا النماذج التي تعمل بالذكاء الصناعي مثل «ChatGPT» و«Dall- E» التي تعمل على مساعدة العاملين في مجال المعرفة وتعزيز إنتاجيتهم قائلاً: «سيكون كل عامل معرفي أكثر إبداعاً وأكثر تعبيراً وأكثر إنتاجية. سيكون كل عامل في الخطوط الأمامية قادراً على القيام بعمل معرفي أكثر من أي وقت مضى. كل مهمة تصميم، سواءً كانت هندسة برمجيات أو تصميماً ميكانيكياً أو هندسة معمارية، ستكون أكثر إنتاجية في المستقبل. لذلك، في رأيي الشخصي، سيتسارع الإبداع والإنتاجية البشرية عبر مجموعة من المهام».

- مبادرة حكومية
في سياق موازٍ، خصصت الموازنة الهندية 2023 - 2024 الكثير لصناعة الذكاء الصناعي وتحليل البيانات. إذ أعلنت الحكومة عن إنشاء 3 معاهد للتميز لتطوير الذكاء الصناعي لتوفير إمدادات ثابتة من المتخصصين الموهوبين في الذكاء الصناعي وإنشاء نظام بيئي بحثي قوي في البلاد. وبحسب نارين فيجاي، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع النمو بشركة «لومينور»، فإن «رؤية صنع الذكاء الصناعي في الهند ولصالح الهند ستقطع شوطاً طويلاً في دعم نمو صناعة الذكاء الصناعي وتحليلات البيانات». وأضاف: «من المتوقع أن يلعب الذكاء الصناعي والتعلم الآلي دوراً مهماً في مستقبل كل قطاع رئيسي. إلا أنه سيحتاج إلى كمية كبيرة من البيانات لتشغيل الخوارزميات والتحقق من صحة النتائج. وبالتالي، ستساعد القدرة على الوصول إلى البيانات مجهولة المصدر في دفع نتائج أبحاث الذكاء الصناعي - التعلم الآلي وإنشاء نظام بيئي لصناعة الذكاء الصناعي - التعلم الآلي وتحليلات البيانات».
وحقاً، أثبت الذكاء الصناعي نفسه بشكل هائل في قطاعات الرعاية الصحية، والسيارات، والزراعة، والتصنيع، وتكنولوجيا المعلومات. وفي الوقت الحاضر ما يحلم به قطاع الأعمال الهندي أو الحكومة هو تنفيذ الذكاء الصناعي في كل زاوية وركن تقريباً من المجتمع، سواء كان مساحة تجارية أو استثماراً خاصاً أو عمليات قطاع عام. كذلك استفادت الحكومة من الذكاء الصناعي والبيانات لمواجهة التحديات وتعزيز إدارة الأزمات والمدن، وخدمات المواطنين الحيوية، والخدمات المالية.
في الوقت نفسه، لا تخطط الهند راهناً لتنظيم نمو الذكاء الصناعي داخل سوق جنوب آسيا، وتحديد القطاع كمنطقة «مهمة واستراتيجية» للبلاد. يأتي هذا الموقف في وقت تدعو فيه أصوات عديدة إلى زيادة التدقيق في التكنولوجيا سريعة التقدم. وبهذا الصدد، قالت وزارة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات إنها قيّمت المخاوف الأخلاقية ومخاطر التحيز والتمييز المرتبطة بالذكاء الصناعي. وأردفت الوزارة أنها تنفذ السياسات اللازمة وتدابير البنية التحتية لتنمية قطاع قوي للذكاء الصناعي في البلاد، لكنها لا تنوي تقديم تشريع لتنظيم نموها. ومن ثم، أكدت أن توسيع الذكاء الصناعي سيكون له «تأثير حركي» على ريادة الأعمال وتطوير الأعمال في الهند... «فالذكاء الصناعي هو عامل تمكين حركي للاقتصاد الرقمي والنظام البيئي للابتكار... والحكومة تتيح إمكانات الذكاء الصناعي لتوفير خدمات شخصية وتفاعلية تتمحور حول المواطن من خلال المنصات الرقمية العامة».


مقالات ذات صلة

«الشرق للأخبار» تطلق نسخة متجددة من «دائرة الشرق»

يوميات الشرق يعود البرنامج بحلّة متجددة وتحليل أعمق للقضايا الإقليمية والدولية (الشرق للأخبار)

«الشرق للأخبار» تطلق نسخة متجددة من «دائرة الشرق»

أطلقت «الشرق للأخبار» نسخة جديدة من برنامجها اليومي «دائرة الشرق»، الذي يعود بحلّة متجددة وتحليل أعمق لمجريات المشهد السياسي الإقليمي والدولي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الكويت: تحقيق في مرور عامل «توصيل طلبات» أمام كاميرا الأخبار

الكويت: تحقيق في مرور عامل «توصيل طلبات» أمام كاميرا الأخبار

أحدث ظهور عامل في خدمة توصيل الطلبات على شاشة الأخبار أثناء بث مقابلة مع الفلكي والمؤرخ عادل السعدون سجالاً في أوساط الكويتيين.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
شؤون إقليمية متظاهرون يطالبون بالإفراج عن أكرم إمام أوغلو خلال مظاهرة أمام بلدية إسطنبول الثلاثاء الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على اعتقاله (إ.ب.أ)

الادعاء التركي يُضيف تهمة «تزوير» لرئيس بلدية إسطنبول المسجون

طالب الادعاء العام بحبس رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو لمدة تصل إلى قرابة 9 سنوات، بتهمة تزوير شهادته الجامعية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ شعار شبكة «سي بي إس» عند مدخل مقرها الرئيسي في نيويورك (أ.ب)

ترمب يحصل على 16 مليون دولار في نزاعه مع شبكة «سي بي إس نيوز»

ستدفع «براماونت»، الشركة الأم لشبكة «سي بي إس نيوز» 16 مليون دولار لإنهاء الملاحقات القضائية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد القناة الإخبارية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق تكريم «SRMG Labs» بجائزتين ضمن فئة الصوت والراديو في مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع (SRMG)

«SRMG Labs» تحصد جائزتين في مهرجان «كان ليونز»

حصدت وكالة «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG»، جائزتين ذهبية وفضية ضمن فعاليات مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

واقع الإعلام الأردني وآفاقه... أين المشكلة؟

صحف اردنية
صحف اردنية
TT

واقع الإعلام الأردني وآفاقه... أين المشكلة؟

صحف اردنية
صحف اردنية

من الصعب تحليل واقع الإعلام الأردني أمام تطوّر الأدوات والأساليب، والتحرر من أنماط صحافية تقليدية لدى المنصّات الرقمية. وعلى الرغم من محاولات وسائل إعلامية محلية مجاراة التحوّل الرقمي واستخدام أدواته طمعاً بالاقتراب من الرأي العام، ما زالت منصات التواصل الاجتماعي تسيطر على متابعات المواطنين. فهولاء يعتبرونها مصدراً أساسياً لنقل الخبر، وسط التنافس في حلبة «السلطة الرابعة»، بينما تلعب هي دور سلطة رقابية غير منضبطة على السلطات جميعاً.

صحيحٌ هناك انفتاح عند السلطات المحلية على التعاون مع وسائل الإعلام، مقارنةً بِحقبٍ سابقة، وكذلك ثمة حرص على تنظيم لقاءات دورية مع قيادات إعلامية في البلاد. إلا أن هناك في المقابل «كسلاً» في التعامل مع بعض التسريبات الآتية من جلسات تجمع السياسيين الرسميين مع الإعلاميين، حيث تشهد تلك الجلسات عادةً تناول أخبارٍ وقضايا وتحليلات متعمد نقلها إلى الرأي العام... لكن على ألسنة «مصادر»!

لا إجابات عن أسئلة ملحة

في الواقع، لا يملك أحد الأجابة عن السؤال حول بطء استجابة الإعلام للمعلومات المسرّبة أو الدخول في تحليل ما بين سطور الأخبار الرسمية، وتحديداً المتعلقة بأحداث شهدتها البلاد خلال السنوات القليلة الماضية. فهناك من يعتبر أن سيطرة المهنيين التقليديين على قيادة مؤسسات الإعلام المحلية الرسمية وشبه الرسمية هي المشكلة، ثم أن دخول «الروتين» على خط العمل الصحافي جعل بعض الصحافيين يزهدون في نقل ما يسمعونه في جلسات «مصادر المعلومات»، وقد يعود السبب في ذلك إلى تأخر بثّ دماء جديدة في عروق المؤسسات الإعلامية.

حمزة العكايلة (الدستور)

محاولة لفهم المشهد

تُرحب السلطات بالانفتاح على الإعلام، وتُدرك ذات السلطات السياسية والأمنية في البلاد «الحاجة الماسة» لوجود جبهة إعلامية محلية للدفاع أو الهجوم عند الضرورة. لكن يصعب تفسير ذلك «الترحيب» أو «الإدراك» في ظل ممارسات عابرة للسنوات والعقود والأحداث لجهة «لجم» الإعلام التقليدي بشقيه الرسمي وشبه الرسمي، والسيطرة على ما يُبث من خلاله، لضمان السيطرة على «الخطوط الحمراء» غير المشاهدة أو المُعرفة. ولذا تختار السلطات التحكم باختيار القيادات الإعلامية بنفسها.

ونتيجة لهذا الوضع حدث التباس عند الراغبين في الفصل بين الثقة بوسائل الإعلام المحلية بمختلف أشكالها، والثقة في الأخبار الرسمية التي تبثها تلك الوسائل.

شعار هيئة الإعلام في الأردن (الهيئة)

مسألة الثقة

من جهة ثانية، عديدة هي المؤسسات الحكومية التي لها منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن تبقى مسألة قياس مدى الثقة بما تنشره المؤسسات الرسمية، حيث تحتاج لاستطلاعات علمية محايدة ودقيقة. وهذه الاستطلاعات يجب أن تكون «الدالة» الرئيسية عند قياس مستويات الثقة بالإعلام نفسه أو الحكومة أو السلطة كذلك.

راهناً، يُشاع في الأوساط الصحافية الأردنية، أن استطلاعات رأي «مسكوت عنها» تقوم بها مؤسسات مرجعية في المملكة، وترصد تلك الاستطلاعات بشكل محايد حقيقة تأثير الإعلام المحلي بالرأي العام وعناصر القوة والضعف. لكن أثر ذلك وتأثيره لا يتعديان احتواء بعض القيادات الصحافية أو نخب سياسية لهم جمهورهم، مع ممارسة شكل من أشكال «الرقابة المُسبقة» على ما يُبثونه على منصات التواصل الاجتماعي، وأيضاً السيطرة على ساعات الذروة التلفزيونية أو الإذاعية حتى المنصات الرقمية. وهذا من دون أن تنعكس تلك الاستطلاعات على دعم سقوف الحريات الصحافية والاستفادة من مستويات متابعتها والثقة بها لدى الرأي العام.

هوية إعلامية مُلتبسة

الصحافي الأردني محمد ساهر الطراونة، يرى أن تجربة الأردن في الدمج بين الإعلام الرقمي والتقليدي، لم تنضج بعد، بسبب قلة وضوح الرؤية عند قيادات إعلامية، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى «أن هناك مؤسسات إعلامية حققت نجاحاً على مستوى التحول الرقمي، واستفادت في استقطاب جمهور رفع من نسبة متابعة تلك المنصات».

أما بالنسبة للإعلام الرسمي، فقال الطراونة: «توجد خطط تنفيذية في التحول الرقمي، كما أن هناك محاولات واضحة للتطوير والانخراط في العالم الرقمي، لكن الواقع يُظهر أن ضعف الإمكانات التقنية والمالية ما زال يشكّل تحدياً حقيقياً». واردف أن «الكوادر تمتلك الكفاءة... لكن النجاح الرقمي بحاجة إلى دعم استثماري حقيقي، وتطوير للبنية التكنولوجية والمنصات كي يواكب الإعلام الرسمي متطلبات العصر الرقمي بشكل فعّال».

ويعتبر الطراونة أن «تجربة الأردن في التحول الرقمي تجربة مُبشرة، إذ شهدنا خلال السنوات الأخيرة تطوراً واضحاً في الخدمات الحكومية الإلكترونية والبنى التحتية التقنية. لكن رغم هذا التقدم، ما زالت هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التنسيق بين الجهات المعنية، والتخلّي عن بعض الإجراءات الروتينية».

تحديات متزايدة

أما حمزة العكايلة، مدير الشؤون السياسية في جريدة «الدستور» اليومية، فيرى أن «وسائل الإعلام في الأردن تواجه تحديات متزايدة في تغطية القضايا المحلية، سواء من حيث ضعف التغطية، أو السطحية في المعالجة، أو غياب الحلول ضمن الطرح الإعلامي، مقابل تزايد الاعتماد الشعبي على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيس للمعلومة، رغم ما تشكله من بيئة خصبة للإشاعة والمعلومة غير الدقيقة». ويضيف: «كما هي الحال مع معظم دول المنطقة العربية، تميل وسائل الإعلام في الأردن إلى تغطية الأخبار السياسية أو الأحداث الكبرى، على حساب الاهتمام بالقضايا التي تمسّ المواطن مباشرة كالبطالة والنقل والبنية التحتية والتعليم والصحة. وكثرة من التقارير الإخبارية تكتفي بسرد الحدث من دون تحليل جذوره أو طرح بدائل أو حلول، ما يفقد الإعلام وظيفته التوعوية والرقابية».

العكايلة يعتقد أن «المشكلة اليوم تكمن في معاناة المؤسسات الإعلامية من ضعف التمويل، ما يؤدي إلى غياب فرق التحقيق الميداني أو الإنتاج الإعلامي المتخصص. وهناك أيضاً غياب للتدريب والتأهيل المستمر للكوادر الصحافية. وعلى الرغم من وجود حالات متقدمة ونماذج فردية من المهنية والمسؤولية في الإعلام المحلي، فإن وسائل التواصل الاجتماعي ما زالت المصدر الأول لـ(معظم الناس) من الأخبار، مع أنها مليئة بالإشاعات».

هجمات إعلامية من الخارج

ويذهب العكايلة أبعد ليقول: «رأينا في السنوات الأخيرة تزايد ظاهرة الأخبار المضللة والموجهة تجاه الأردن، سواء على منصات التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل إعلام إقليمية ودولية. وهي حملات ممنهجة أحياناً في ظل تحولات سياسية واقتصادية، من أجل إرباك الرأي العام، وإضعاف الثقة بالمؤسسات وتشويه صورة الدولة. ما يتطلب الوقوف على أسباب انتشار هذه الأخبار وأطرافها، وكيفية مواجهتها بوسائل علمية وإعلامية فعالة».