حرب السودان... مناطق ساخنة حول العاصمة

النار تشتعل وتنطفئ من موقع إلى آخر

يتأمل أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم (أ.ب)
يتأمل أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم (أ.ب)
TT

حرب السودان... مناطق ساخنة حول العاصمة

يتأمل أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم (أ.ب)
يتأمل أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم (أ.ب)

فوجئ السودانيون بإطلاق نار كثيف حول مباني «المدينة الرياضية» في منطقة سوبا جنوب الخرطوم، ليكتشفوا أنها بداية معركة بين القوات المسلحة، وقوات «الدعم السريع»، ثم انتقل القتال سريعاً إلى «حي المطار» المتاخم لمقر القيادة العامة للجيش، حيث يوجد بيت الضيافة الذي يقيم فيه قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وكبار القادة العسكريين، في وسط الخرطوم.
وسريعاً، تداولت وسائط الإعلام عن «الدعم السريع»، «سيطرته على مطار مروي، والقاعدة الجوية»، والإعلان عن احتجاز عدد من الضباط، وبعدها تم تداول معلومات عن استيلاء قوات «الدعم السريع» على القصر الجمهوري في قلب الخرطوم أيضاً، والإعلان عن سيطرته على أجزاء واسعة من مقر القيادة العامة للجيش، ثم امتدت نيران الحريق خارج العاصمة الخرطوم إلى عدد من المدن والولايات، وعلى وجه الخصوص ولاية دارفور وولاية كردفان في غرب ووسط السودان.
ويرجع اندلاع القتال بين القوتين المكونتين للجيش السوداني، إلى خلاف بين قادة الجيش وقادة «الدعم السريع»، على ما أقره «الاتفاق الإطاري» السياسي الموقع من قبلهما مع القادة المدنيين في 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويقضي بدمج قوات «الدعم السريع» في الجيش. ورغم موافقة كلا القائدين على القرار، فإن «شيطان التفاصيل» أدى لقطيعة بين قادة القوتين، فالجيش يرى أن تتم عملية الدمج خلال ثلاث سنوات، في حين يرى «الدعم السريع» أن تستغرق عشر سنوات. كما اختلف الطرفان على قيادة الجيش الموحد؛ إذ يرى الجيش أن قائده العام هو الذي سيكون قائداً للجيش الموحد، في حين يتمسك «الدعم السريع» بأن تؤول قيادة الجيش الموحد لرئيس الدولة المدني الذي يتم التوافق عليه.
- اتهامات متبادلة
ويزعم كلا الطرفين أن الآخر أشعل فتيل الحرب، فبينما يقول الجيش إن قوات «الدعم السريع» هي التي بدأت الحرب، تقول هي الأخرى إن قوات الجيش المدعومة من أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير والإسلاميين، هاجموا معسكرها في «المدينة الرياضية»، لكن تاجر خضر وفاكهة يعمل في السوق المحلية القريبة من المكان أبلغ الصحيفة، أنه أتى لمتجره في الصباح الباكر فوجد قوات بأزياء الجيش النظامي تحاصر المكان، ولم تمر ساعات، فإذا بأصوات القتال تصل إليهم في محلاتهم، فسارعوا إلى إغلاقها.
وصل القتال المستمر ليومه التاسع من دون توقف، رغم إعلان الهدنة أكثر من مرة، لكن دون التزام يذكر من الطرفين، ووزع كل منهما بياناً لوسائل الإعلام يتهم فيه الآخر بخرق الهدنة، ولا توجد جهة مستقلة يمكن الركون إليها في تحديد من الذي بدأ بخرق إطلاق النار، بل من بدأ الحرب أصلاً، أو التحقق من مزاعم الطرفين حول الأوضاع الميدانية. وامتدت النيران إلى مدن نيالا والفاشر والجنية في ولايات دارفور، ومدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان، وفي عدد من عواصم الولايات حول مراكز قيادة الجيش و«الدعم السريع»، لكن معظمها توقف بعد سحب كلا الطرفين أعداداً من جنودهما ليتوجهوا إلى العاصمة الخرطوم حيث المعركة الرئيسية، عدا مدينة الأبيض التي دارت فيها معارك شرسة قدرت الخسائر فيها بين المدنيين بالعشرات.
- انتشار بقع القتال
ومنذ اندلاع الحرب يدور قتال عنيف حول قيادة الجيش وسط الخرطوم، وفي القاعدة الجوية في مطار مروي الدولي، وحول مقرات «الدعم السريع» في شارع «عبيد ختم»، ومقر «الدعم السريع» في حي كافوري بمدينة بحري، وموقع قوات «الدعم السريع» في منطقة شمبات ببحري، وحول سلاح المهندسين في أم درمان، و«الإذاعة والتلفزيون» بأم درمان، إضافة إلى قواعد الجيش وبعض مراكزه المهمة، إلى جانب المعارك التي تدور حول العاصمة الخرطوم، ومن الجنوب والغرب والشرق على شكل مواجهات بين القوات القادمة من خارج العاصمة لنصرة الطرف الذي تواليه في الخرطوم، بما يمكن القول إن ما يشهده السودان يعد «حرباً شاملة».
تزعم قوات «الدعم السريع»، أنها تسيطر على وسط الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي، وأجزاء واسعة من القيادة العامة للجيش، وعدد من المناطق العسكرية في الخرطوم وبعض الولايات، لكن الجيش يرد بأنه استعاد السيطرة عليها بعمليات نوعية، لكن شهوداً يقولون إن قوات «الدعم السريع» ما تزال تشاهَد في المناطق المذكورة، وإنها تحكم المداخل والمخارج حول المنطقة. ويستخدم الجيش عادة طيرانه الحربي في قصف تجمعات قوات «الدعم السريع». ويعلن الجيش أنه طرد قوات «الدعم السريع» من عدد من مقراته، بما في ذلك القيادة العامة، لكنه يواصل قصفها بالطيران الحربي والمسيّرات القتالية، في حين قال شهود إن قوات «الدعم السريع» عادة ما تمتص الهجمة، لتعود من جديد للأماكن التي تخلت عنها مؤقتاً.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قد ذكر في تصريحات صحافية، أن قواته دحرت «الدعم السريع»، ما عدا بعض الجيوب، وذكر من بين هذه الجيوب حول القيادة العامة ومباني مجلس الوزراء ووزارة الداخلية وغيرها، في حين ذكر قائد قوات «الدعم السريع»، أن قواته ما تزال تسيطر على معظم المناطق التي بحوزتها.
- تصريحات متضاربة
وتنتشر قوات «الدعم السريع» على مداخل الطرق في عدد من مناطق شرق مدينة الخرطوم بحري، بارتكازات راجلة ومحروسة بعربات مسلحة، تقوم بالتدقيق في هويات المواطنين قبل السماح لهم بالمغادرة أو القبض عليهم. وقال شهود، وبينهم صحافيون احتُجزوا في مكاتبهم أثناء القتال، إن المنطقة إلى الجنوب من مركز المدينة وشرقها تنتشر فيها ارتكازات تابعة لقوات «الدعم السريع». ووفقاً لصحافيين، فإن القتال يدور في عدد من المناطق غير العسكرية حول كل من أحياء «جبرة، والعشرة، والصحافة» في جنوب الخرطوم، ومناطق «اللاماب، والشجرة» جنوب غربي الخرطوم، وفي مناطق «الجرافة، والمنارة، وود البخيت»، إضافة إلى مباني «الإذاعة والتلفزيون» في أم درمان.
أما المناطق العسكرية، فإن القتال فيها يدور حول مقر قيادة هيئة العمليات التابع لجهاز الأمن، واستولى عليه «الدعم السريع» بعد حل الهيئة في منطقة الخرطوم بحري، ومنطقة شمبات العسكرية قرب قيادة سلاح المظلات، وحول سلاح المهندسين بأم درمان، وعدد من المناطق العسكرية حول العاصمة، إلى جانب القيادة العامة للجيش والقصر الرئاسي. وتتداول وسائط التواصل العديد من الفيديوهات القصيرة التي درج الطرفان على بثها، معلنين فيها الاستيلاء على مكان محدد، لكن لا أحد يستطيع التحقق من صحتها.
ميدانياً، ورغم أن كلا الطرفين يزعم أنه «حسم القتال» لصالحه، وأنه قريباً سيعلن انتهاء الحرب، فإن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قال في تصريحات نقلتها فضائية «العربية» إنه لا يعرف متى تنتهي الحرب، وبالمقابل فإن «الدعم السريع» أعلن على لسان قائده لذات القناة، أن حسم الحرب بالنسبة له مسألة وقت قريب، لكن لا أحد يستطيع الجزم بمتى ستنتهي تلك الحرب.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تنسيق مصري - أميركي لدفع جهود وقف إطلاق النار في غزة

وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)
TT

تنسيق مصري - أميركي لدفع جهود وقف إطلاق النار في غزة

وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)

تجري مصر والولايات المتحدة، مشاورات مستمرة من أجل دفع جهود إبرام هدنة في قطاع غزة مماثلة للتي تبدو وشيكة بين لبنان وإسرائيل، بحسب إفادة وزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وتتوسط مصر وأميركا، إلى جانب قطر، منذ أكثر من عام، لتبادل المحتجزين، ووقف الحرب الإسرائيلية في القطاع، والتي راح ضحيتها 44 ألفاً و249 قتيلاً، إلى جانب 104 آلاف و746 إصابة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

وقالت «الخارجية المصرية»، إن لقاء وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، مساء الاثنين، على هامش أعمال اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في إيطاليا، جاء في إطار «التنسيق والتشاور الدوري والعمل المشترك لاحتواء التصعيد بالشرق الأوسط، ومناقشة آخر التطورات بالنسبة لمفاوضات الوقف الفوري لإطلاق النار في كل من قطاع غزة ولبنان».

وقال عبد العاطي إنه «لن يتحقق الأمن أو الاستقرار بالمنطقة، دون استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرضي الفلسطينية»، محذراً من «الخطورة البالغة لاستمرار السياسات الإسرائيلية العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني وتداعياتها الكارثية على أمن واستقرار المنطقة والعالم بأسره، في ظل الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».

وشدد وزير الخارجية المصري على ضرورة «نفاذ المساعدات الإنسانية لقطاع غزة في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون»، مشيراً إلى المؤتمر الوزاري الذي ستستضيفه القاهرة لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة، يوم الاثنين المقبل.

ويتوقّع أن تتّخذ إسرائيل قراراً، الثلاثاء، بشأن وقف إطلاق النار بعد شهرين من الحرب ضد «حزب الله» في لبنان. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال اجتماعه في تل أبيب مع مبعوثة الأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت، إن أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار المحتمل مثل إعادة التسلح في الجنوب، سيدفع الدولة العبرية إلى التصرف «بحزم».

وكثّفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة جهودها في الأيام الأخيرة، من أجل التوصل إلى هدنة بين إسرائيل و«حزب الله».

وفي لقاء آخر، مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاياني، حذر الوزير المصري عبد العاطي، من خطورة الأوضاع في الضفة الغربية نتيجة استمرار إسرائيل في سياسة التوسع الاستيطاني.